بعد غد الاثنين ينعقد المجلس النيابي في لبنان لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، بعدما مضت سنتان ونصف السنة تقريباً على شغور الموقع
بعد غد الاثنين ينعقد المجلس النيابي في لبنان لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، بعدما مضت سنتان ونصف السنة تقريباً على شغور الموقع لتعذر انتخاب رئيس جديد بسبب الخلافات بين القوى السياسية.
ما لم تحدث معجزة أو حدث استثنائي للغاية، فإن رئيس تكتل التغيير والإصلاح ميشال عون سينتخب رئيساً بغالبية مريحة، قد تتعدى الثمانين من أصل النواب ال 128 الذين يتشكل منهم البرلمان اللبناني. وربما يكثر العدد المؤيد لعون من الآن وحتى جلسة الانتخاب.
انتخاب رئيس جديد للجمهورية هذه المرة سيكون مختلفاً عن سابقاته من المرات.
1- تمر البلاد بمرحلة عميقة من الشرذمة العمودية المتعلقة بالتوازنات الطائفية. فميشال عون طرح بقوة مسألة ما سماه الميثاقية بين المسلمين والمسيحيين. ذلك أن اتفاقية الطائف في عام 1989 التي أصبحت الدستور الجديد في لبنان قلصت من صلاحيات رئيس الجمهورية إلى حد بات معه ضعيفاً وغير مؤثر. وانتقلت معظم صلاحياته إلى مجلس الوزراء.
ومع أن الطائف أبقى عدد النواب مناصفة بين المسلمين والمسيحيين فقد عكست التجربة السياسية ثغرة كبيرة لجهة أن قانون الانتخاب كان يحمل إلى سدة النيابة أكثر من نصف النواب المسيحيين بواسطة أصوات الناخبين المسلمين. وأحد أسباب ذلك أن ديموغرافيا المسيحيين قد تراجعت لتشكل أقل من ثلث عدد السكان.
لكن البعض يرى أن قانون الانتخاب هو السبب، وبالتالي يطالب بتغيير الدوائر أو حتى انتخاب النواب المسيحيين من الناخب المسيحي فقط والنواب المسلمين من الناخب المسلم فقط. يشكل هذا الطرح سلامة تمثيل مسيحي حقيقي. لكن المعترضين يقولون إنه يجذّر النزعة الطائفية في لبنان إلى درجة تهدد الاستقرار.
في هذه النقطة يرى ميشال عون أنه إضافة إلى ضرورة تعديل قانون الانتخاب فإنه يجب أن يتمثل المسيحي الأقوى في بيئته في السلطة السياسية. وكما يتمثل الشيعي الأقوى في رئاسة البرلمان والسني الأقوى في رئاسة الحكومة فيجب أن يكون المسيحي الأقوى في رئاسة الجمهورية. كذلك فإن موظفي المواقع العليا المسيحيين في الدولة يجب أن يرشحهم الأقوى بين المسيحيين وليس المسلمين كما هو حاصل إلى حد كبير.
التحدي الأول أمام عون أن يستطيع أن يترجم مطالبه في الدولة وفي قانون الانتخابات. ولا يعرف كيفية ذلك لأن المطالبة مثلاً بتعديل اتفاق الطائف من أجل استعادة بعض صلاحيات رئاسة الجمهورية قد تفتح الحساسيات واحتمالات انفجارها على الأرض حروباً جديدة، خصوصاً أن عون كان قد عارض اتفاق الطائف لدى التوصل إليه قبل ربع قرن وبقيت مواقفه اللاحقة مثار التباسات وتفسيرات متناقضة.
أما التحدي الثاني أمام ميشال عون فهي في شعار إصلاح الدولة، وهو سمى كتلته النيابية «كتلة التغيير والإصلاح». فعون يدرك أنه يأتي إلى الرئاسة بتأييد العديد من القوى المشاركة في السلطة. والعديد منها أيضاً ممن يتهمهم عون بالفساد بل أصدر كتاباً بذلك منذ فترة ليست بعيدة أسماه «الإبراء المستحيل». لذا فإن تحدي محاربة الفساد سيكون الأكثر بروزاً ومتابعة من قبل الناس.
فلبنان في النهاية بلد في طليعة بلدان العالم لجهة تفشي الفساد والمحسوبية والزبونية. ومع أن الطائفية ليست السبب الوحيد، فهناك بلدان كثيرة في العالم تعاني الفساد ولكن ليس فيها مشكلات طائفية، لذا فإن التصدي لهذه الآفة التي تشبه الوباء بل تفوقه، سيكون أحد أكبر التحديات أمام عون. فبين مطالبته بالشفافية وبين ارتهانه لبعض القوى التي دعمته وساهمت بوصوله إلى الرئاسة سيكون عون أمام امتحان جدي وكبير.
في النهاية سيكون لبنان في ظل وجود رئيس أفضل منه من دون رئيس. فالمشكلات الدستورية والقانونية فتكت بالبلد خلال السنتين والنصف السابقتين من دون رئيس. والأمل أن يكون انتخاب رئيس جديد صمام أمان إضافياً للاستقرار والأمن في ظل منطقة تغلي بالحروب وللشروع في.. التغيير والإصلاح.
نقلا عن / الخليج
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة