تبعات التحول في التقدير الاستراتيجي الأميركي لقضايا الأمن والدفاع والسياسة الخارجية لا تتعلق بشركاء أميركا الخليجيين فقط
تبعات التحول في التقدير الاستراتيجي الأميركي لقضايا الأمن والدفاع والسياسة الخارجية لا تتعلق بشركاء أميركا الخليجيين فقط. فقبل أيام كتب المعلّق الإسرائيلي في «هآرتس» عاموس هارئيل أنه منذ تدمير الصواريخ السورية المضادة للطائرات في 1982، بقي سلاح الجو الإسرائيلي يحظى بالتفوق الجوي المطلق في المنطقة، وكذلك حرية العمل المطلقة في الساحة الشمالية، لكن هذه القصة انتهت في اللحظة التي قررت فيها موسكو تعزيز دفاعاتها الجوية في طرطوس، حيث قيّد الروس، من دون جهد تقريباً، سلاح الجو الأقوى في الشرق الأوسط. وهذا التقييد، وفق هارئيل، ليس عسكرياً فقط، بل سياسي أيضاً: فإسرائيل وروسيا أقامتا أجهزة تنسيق مشتركة من أجل عدم حصول صدام جوي بينهما، ومذاك التقى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو أربع مرات بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيث كانت النية المعلنة منع الصدام في سماء سورية. وبهذا، يضيف هارئيل، تبنى نتانياهو من دون وجود خيار آخر، «الحُبّ الروسي».
وفي الأسبوع الماضي، أعلن الرئيس الفيليبيني رودريغو دوتيرتي في بكين «انفصاله» عن الولايات المتحدة، الحليف التقليدي لبلاده، معتبراً أنها «خسرت، عسكرياً واقتصادياً». وبعد مراجعة لتصريحاته هذه، قال دوتيرتي أنه لا يقطع العلاقات مع أميركا، لكنه يريد «فصل» السياسة الخارجية لمانيلا عن واشنطن، مؤكداً أمام قادة صينيين: «أعدتُ ترتيب نفسي في (اتجاه) تياركم الفكري، وقد أذهب أيضاً إلى روسيا لإجراء محادثات مع بوتين، وإبلاغه بأن هناك ثلاثة ضد العالم - الصين والفيليبين وروسيا. إنها الطريقة الوحيدة».
هذه المعطيات وغيرها تؤكد أنّ تردد أميركا وسياستها «الانكفائية» يدفعان حلفاءها وشركاءها الاستراتيجيين نحو خصومها. هذا يصحّ، بدرجة أو بأخرى، على اليابان التي باتت ترى في مقولة «أميركا أولاً» إضعافاً لطوكيو أمام الصين وروسيا، من خلال تصاعد هواجس اليابان من أنّ اتّكاءها على «الردع الأميركية» لخصومها قد لا يضمن مصالحها، فراحت تمدّ خطوط الوصل مع خصميها، وتجد مشتركاً مع موسكو في مواجهة الصعود الصيني في آسيا، وتجد مع بكين مشتركاً في مساعيهما لضمان إمدادات آمنة للطاقة الآتية من الشرق الأوسط وعبر هرمز.
ولا تغيب في سياق توتر كهذا العلاقة بين الحليفين الأميركي والتركي، وقد قصفت طائرات تركية مقاتلين أكراداً مدعومين من أميركا شمال سورية بعشرات الضربات الجوية، وحذّر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من أن بلاده قد تتصرف في شكل منفرد للقضاء على أعدائها في الخارج. وهي نتيجة خلص إليها الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية عبداللطيف الزياني، بتأكيده أن «الأولويات المتغيرة المحتملة لحلفاء دول مجلس التعاون الدوليين التقليديين دفعت ببعض دول المنطقة إلى التفكير في المستقبل بصورة مستقلة مع التركيز على أهداف متجددة، والاستعداد إن اقتضى الأمر للتحرك في شكل أحادي».
وليس بلا دلالة أن يعلن الكرملين أن بوتين وأردوغان ناقشا خلال لقائهما في إسطنبول منتصف هذا الشهر، تعاون موسكو وأنقرة في «التسليح والتصنيع العسكري»، وأنهما «تطرّقا إلى منظومات صاروخية للدفاع الجوي»، وما الضوء الأخضر الروسي لتركيا في شمال سورية إلّا رسالة مــن مــوسكو بأن من مــصلحــة تــركيــا، فـــي ظــل الانكفاء الأميركي، أن تؤسس لشراكة استراتيجية مع الجانب الروسي في الملفات الإقليمية وفي خطوط الطاقة، حتى لو اعتراها النقصان.
الصحيح أنّ أميركا ما زالت الأقوى والأكثر نفوذاً، وهي تحظى بالرقم واحد لدى شراكات أصدقائها وحلفائها حتى لو لم «تحتكرهم»، ولكن يبقى السؤال الأكثر غموضاً: هل هي لحظة أميركية موقتة أم إنها تحولات استراتيجية ستتعزز مع الإدارة المقبلة سواء جاءت هيلاري أم ترامب؟
نقلا عن / الحياة
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة