اقتصاد لبنان المنهار.. "ميقاتي" في حقل ألغام
فاز رجل الأعمال اللبناني الملياردير نجيب ميقاتي بأغلبية أصوات النواب اللازمة لتشكيل حكومة جديدة.
ميقاتي دخل حقل ألغام طواعية من أجل إنقاذ لبنان من أزمة مالية فما الذي ينتظر الرجل الستيني؟
قبل فوز ميقاتي بتشكيل الحكومة في لبنان خضعت البلاد لحكومة تصريف أعمال منذ أغسطس/آب الماضي، عندما استقالت الحكومة في أعقاب انفجار مرفأ بيروت الهائل الذي أسفر عن مقتل 200 شخص على الأقل، وتدمير أجزاء من العاصمة بيروت.
واجهت الحكومة، التي تخلفت عن سداد ديون دولية بقيمة 30 مليار دولار منذ أكثر من عام، صعوبة في تنفيذ الإصلاحات نظراً لمحدودية سلطتها ودعمها السياسي.
كما أدى انهيار الليرة إلى تدمير مدخرات ملايين اللبنانيين، في حين زاد نقص الوقود من البؤس.
من هو ميقاتي؟
وميقاتي (65 عاما)، هو المؤسس المشارك إلى جانب شقيقه في شركة الاستثمار "مجموعة ام ون" (M1 Group)، وهما من أغنى رجال لبنان بثروات فردية تبلغ حوالي 2.5 مليار دولار.
وتمتلك الشركة المملوكة لعائلتيهما استثمارات في قطاعات تشمل الاتصالات، والعقارات، وتمويل الطائرات، والأزياء، والطاقة.
كما تمتلك "مجموعة ام ون" حصصاً في شركة الاتصالات الجنوب أفريقية "إم تي إن جروب" (MTN)، ومتاجر الأزياء بالتجزئة "بيبي جينز"، وممتلكات في نيويورك ولندن، وفقا لـ "فوربس".
تولى ميقاتي منصب رئيس الوزراء مرتين، وهو من مدينة طرابلس الشمالية، التي تعد واحدة من أفقر مدن لبنان، ويعد ميقاتي صديقا مقربا لبشار الأسد، رئيس الجارة سوريا، الذي كان صاحب نفوذ أساسي في لبنان، ودخل ميقاتي السياسة في عام 1998 كوزير للأشغال العامة، وهو نائب في البرلمان حاليا.
كانت أحدث حكومة لميقاتي في 2011 بعد أن أطاح حزب الله وحلفاؤه بالحريري، وعينوه لتشكيل حكومة، واستقال ميقاتي بعد ذلك بعامين بسبب عدة خلافات.
اندلعت احتجاجات على مستوى البلاد في أكتوبر 2019 على خلفية تدهور الأحوال المعيشية، طالب المتظاهرون فيها بإزالة كاملة للطبقة السياسية، تلك التي يتهمونها بالفساد المستشري، ونهب خزائن الدولة، ودفع البلاد إلى حافة الانهيار.
خلال فترة الاحتجاجات، اتهم المدعي العام ميقاتي، وأكبر بنك في البلاد بجني مكاسب غير مشروعة من برنامج الإسكان المدعوم حكوميا، وقد قام ميقاتي والبنك بنفي ارتكاب أي مخالفات.
ماذا ينتظر ميقاتي؟
بكل تأكيد لن يغيب تحذير البنك الدولي من أن لبنان غارق في انهيار اقتصادي قد يضعه ضمن أسوأ عشر أزمات عالمية منذ منتصف القرن التاسع عشر، في غياب لأي أفق حل يخرجه من واقع مترد عن أعين ميقاتي.
وتوقَع البنك الدولي في تقرير الشهر الماضي، أن ينكمش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في لبنان، الذي يعاني من "كساد اقتصادي حاد ومزمن"، بنسبة 9.5% في العام 2021.
كما أورد التقرير أنه "من المُرجَّح أن تُصنَّف هذه الأزمة الاقتصادية والمالية ضمن أشد عشر أزمات، وربما إحدى أشد ثلاث أزمات، على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر".
وأضاف أنه "في مواجهة هذه التحديات الهائلة، يهدد التقاعس المستمر في تنفيذ السياسات الإنقاذية، في غياب سلطة تنفيذية تقوم بوظائفها كاملة، الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتردية أصلاً، والسلام الاجتماعي الهش؛ ولا تلوح في الأفق أي نقطة تحول واضحة".
سعر الليرة اللبنانية المؤلم
ليست الليرة ببعيد عن الديون المتراكمة إذ تراجع سعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار تدريجياً إلى أن فقدت أكثر من 85% من قيمتها.
من هذا الانهيار أصبح أكثر من نصف السكان تحت خط الفقر، وارتفع معدل البطالة، فيما يشترط المجتمع الدولي على السلطات تنفيذ إصلاحات ملحة لتحصل البلاد على دعم مالي ضروري يخرجه من دوَّامة الانهيار.
في العام 2020، انكمش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 20.3%، بعد انكماشه بنسبة 6.7% العام 2019.
وانخفضت قيمة إجمالي الناتج المحلي، وفق التقرير، من حوالي 55 مليار دولار العام 2018 إلى ما يُقدَّر بنحو 33 مليار دولار في 2020.
ومن المتوقع أن ينكمش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 9.5% عام 2021".
وعود من المصرف
لحل الأزمة وعد مصرف لبنان المركزي المودعين، الذين حيل بينهم وبين حساباتهم منذ العام الماضي، بإمكانية سحب ما يصل إلى 400 دولار شهريا وما يوازيها بالليرة اللبنانية بسعر قريب من سعر السوق.
لكن صندوق النقد الدولي انتقد مقترح السحب من الودائع الدولارية وقانون ضبط رأس المال في لبنان الذي لم يقرّه البرلمان بعد، قائلاً إنه لن يكون لأي منهما مغزى إلا في إطار إصلاحات أوسع نطاقاً.
نقص وقود وظلام دامس
ما ينتظر ميقاتي أيضا ظلام سحيق يخيم على البلاد بفعل نقص شديد في الطاقة على ضوئها رفعت الحكومة اللبنانية أسعار الوقود بعد أن وافقت فعلياً على خفض دعم الوقود، في تحرك يستهدف تخفيف نقص حاد يسبب حالة من الشلل، لكنه زاد الضغط على الفقراء.
وقالت وزارة الطاقة إن متوسط سعر البنزين "95 أوكتان" تحدَّد عند 61100 ليرة لبنانية (40.58 دولاراً) لكل 20 لتراً، بزيادة قدرها 15900 ليرة، أو ما يعادل 35%.
وكشفت أن سعر الديزل تحدد عند 46100 ليرة، بارتفاع 12800 ليرة أو ما يعادل 38%.
جيش يقتصد
في تعليقات صريحة على نحو غير معتاد، قال قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون: إن تحذيراته من أن الضغط المادي والمعنوي على الجنود ربما يؤدي إلى "انفجار" لم تجد آذانا صاغية.
وأضاف: "العسكريون يعانون ويجوعون مثل الشعب". موجهاً سؤالاً للسياسيين: "أتريدون جيشاً أم لا؟ أتريدون مؤسسة قوية صامدة أم لا؟".
وتتنامى مشاعر الاستياء في صفوف الجيش وقوات الأمن اللبنانية، بعد أن تآكلت قيمة رواتبهم بفعل انهيار الليرة، في وقت تتصاعد فيه الاضطرابات وتتفشى الجريمة، وفق وكالة رويترز.