لا يزال المتظاهرون يكتسحون الساحات العامة في سائر المناطق اللبنانية مصرّين على إزاحة الطبقة الحاكمة الطائفية التي أوصلت البلاد إلى مهاوي الانهيار الاقتصادي
لا يزال المتظاهرون يكتسحون الساحات العامة في سائر المناطق اللبنانية مصرّين على إزاحة الطبقة الحاكمة الطائفية التي أوصلت البلاد إلى مهاوي الانهيار الاقتصادي، والجمهور اللبناني يتحرك بغياب أية قيادة للحراك وتتفق أغلبية الأطراف السياسية على أن لا مفاعيل خارجية تحرك المعارضين على السلطة اللبنانية وإنهاء النظام الطائفي، وما حصل يعبر بوضوح عن انفجار الشارع الذي ظل مكبوتاً وخائفاً لعشرات السنين، وقرر أخيراً الخروج عن صمته مهدداً الزعامات الطائفية والحزبية برحيلها.
يتوجب على اللبنانيين العمل على حماية وتقييم وترسيخ موقع لبنان المعياري كهدف وحدة ونهوض وطني ولا مكان للتفرقة التي تنسف المعايير الأخلاقية، حيث يسعى الناشطون الوطنيون للانسلاخ عن كل ما يبعث التفرقة والانهيار
وتركزت مطالب المتظاهرين على ضرورة تشكيل حكومة إنقاذ وطني من خارج المنظومة الحاكمة واسترداد الأموال المنهوبة من قبل كل الذين تولوا السلطة من 1990 حتى اليوم ومحاسبتهم، ومنهم من غادر البلاد، ومعالجة الملفات الحياتية والمالية الضاغطة وانتشال الوطن من الهاوية وما وصل إليه بوجود السلطة الفاسدة والعمل على إجراء انتخابات نيابية مبكرة وفق قانون عصري ونظام انتخابي جديد طبقاً للمادة 22 من الدستور في مهلة أقصاها ستة أشهر وحماية المتظاهرين في المناطق كافة.
لقد وصل الدين العام إلى 110 مليارات دولار، وخدمته تزيد على خمسة مليارات دولار على الأقل، والدول المانحة باتت تشترط تقليص الإنفاق ومكافحة الفساد ومعالجة الضرائب، لتقديم قرض في حدود 11 مليار دولار، ولكن النخبة الحاكمة لم تفعل شيئاً لتلبية أي من هذه الشروط، لأنها هي التي تغرق البلد في الإنفاق حتى تزيد حجم حساباتها في البنوك اللبنانية والدولية، وتفرض ضرائب على الفقراء المسحوقين الذين لا يجدون رغيف الخبز، ولا الدواء والعلاج لأطفالهم، وتريد أن يتم الإنقاذ من خلال إفقارهم أكثر، وأجمل ما في هذه المظاهرات أنها كانت عابرة للطوائف، وعكَست وحدة وطنية غير مسبوقة، ولم يرفع المشاركون فيها إلا علم لبنان، مما يؤكد أنهم أكثر وعياً ومتقدمون على نخبهم السياسية الحاكمة والفاسدة، بالإضافة إلى ذلك سلميّتهم والأسلوب الراقي في التعاطي معها.
الاحترام والكرامة هما ذات قيمة دستورية في لبنان، بموجب المادتين 9 و10 من الدستور، يعني الاحترام واعتبار الآخر ذات قيمة ذاتية مقدرة، أما الكرامة فتفترض الإقرار بهذه القيمة في العلاقات بين الأفراد والمجتمع وفي الحياة العامة، يستتبع ذلك ضرورة بناء إطار تعددي لقيم مشتركة في حين أن مفهوم الأخوة في الحياة العامة، والتنوع والاحترام والكرامة هي في الثلاثية حرية ومساواة وأخوة، وهي اليوم الأكثر مطلباً واهتماماً في صلب الخبرة اللبنانية وفي الميدان والدستور اللبناني، ويتوجب التركيز على القيم المشتركة، وما الفائدة من سرد لائحة بها إن لم ترافقها فاعلية حضورها في واقع السلوك السياسي.
ويبدو استغلال الدين في السلطة وفي الصراع على السلطة وبروز حروب بتسميات دينية ومصطلحات سياسية وطائفية بشكل ظاهري أضحت شديدة التأثير والخطورة بوطأتها على الحكم، وتتجه بالتالي نحو التعصب والإساءة وتشويه صورة لبنان، وتتطلب هذه الظاهرة التي أنهكت لبنان يقظة ووعياً إنسانياً وحضارياً وقدرة فائقة على التماسك دون الانجرار في تبعيتها المهلكة والمتهالكة؛ لأنها قطعاً لا تتماشى ولا تتناسب وجوهر القيم الحضارية في الحكم، وبعيدة عن معاني المواطنة والحياة المدنية في مجتمع متعدد الأديان والمذاهب وتعدد الانتماءات السياسية، وهناك من يغذي السير باتجاه إضاعة لبنان وتدميره مستغلين فوضوية الشارع ومتلاعبين بالعقول لنقل لبنان إلى أجواء حروب أهلية وصراعات طائفية، ولبنان المثخن بالجراح لا يتحملها وليس بمقدوره في هذه الأجواء الخروج منها.
ومطالبات المواطنين المحتجين غدت ضاغطة على السلطة بغية تحقيق الأهداف الشعبية المحقة والإسراع باستشارات نيابية فورية لتشكيل حكومة مؤقتة مصغرة من خارج كل القوى السياسية وأحزاب السلطة وأية حكومة لا تتطابق مع المعايير المطروحة ولا تحقق الإرادة الشعبية تبقى مرفوضة وستؤدي إلى تصعيد الاحتجاجات في الشارع، ويتوجب على اللبنانيين العمل على حماية وتقييم وترسيخ موقع لبنان المعياري كهدف وحدة ونهوض وطني ولا مكان للتفرقة التي تنسف المعايير الأخلاقية، حيث يسعى الناشطون الوطنيون للانسلاخ عن كل ما يبعث التفرقة والانهيار، والبدء بوضع القوانين الناظمة التي ترسي لبنان الوطني الموحد الجديد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة