مونة الشتاء.. تقليد لبناني لإعداد وتخزين "الخيرات"
انطلق موسم "مونة الشتاء" في لبنان، وانشغلت السيدات في الأرياف بتحضير مختلف أنواع المأكولات، المربى والحبوب وغيرها الكثير، مستفيدات من خيرات أراضيهن الخالية من الكيماويات.
هي عادة توارثتها النساء عن أمهاتهن وجداتهن لمواجهة برد الشتاء وانقطاع الطرقات في موسم الثلوج، حيث يصعب التنقل في المناطق الجبلية والنائية لشراء الأغراض.
رُغم التعب الذي تعانيه ربة المنزل في هذا الموسم إلا إنّه كما قالت الحاجة سنية الهادي "أم محمد" لـ"العين الإخبارية": "هو موسم الخيرات والفرح بغض النظر عن الظروف الصعبة التي نمر بها هذه الأيام، حيث فرض علينا أن نخفف من كميات بعض الأنواع نتيجة ارتفاع الأسعار".
تحافظ "أم محمد" وهي من بلدة إيزال الضنية شمالي لبنان، على أصالة التقاليد الغذائيّة الشعبيّة، شارحة: "أحضّر جميع أنواع المونة، كشك، برغل، سماق، زعتر، مربى التين والتفاح والإجاص والعنب والسفرجل، دبس البندورة والرمان، المخللات، اللبنة (المكعزلة) حتى أني أجفف الملوخية، اللوبيا، الزهورات، الزوفا، اليانسون، النعناع واليانسون وغيرها الكثير، أصنع زوادة تكفي عائلتي المؤلفة من سبعة شباب وثلاثة فتيات لعام".
وشرحت: "شهران أعمل لعدة ساعات في اليوم، بمساعدة بناتي وحتى الجيران، ففي هذا الموسم كل نساء البلدة يضعن يدهن بيد بعض، نتشارك الخبرة والعمل، أوقاتٌ جميلة نمضيها سوياً نتبادل الأحاديث، المواقف والذكريات ونحن ننجز المأكولات، فالأمر أكبر من مونة بل روح جميلة، ألفة ومحبة بين من جمعتنا بهم الحياة، الوطن والبلدة، إلى أن أصبحنا كعائلة واحدة".
وعن كيفية صناعة الكشك تقول "أم محمد": "أخلط كل كيلو برغل مع كيلو لبن وملعقة كبيرة من الملح في وعاء، أنقعه لليوم التالي بعدها أضيف لبنة على المزيج أقطعه وأفرده على قطعة قماش أتركه أياماً كي يجف ويصبح قابلاً للطحن، أرسله إلى المطحنة ثم أنخله ويصبح جاهزاً للتخزين".
وتضيف: "أعد 10 كيلوجرامات منه كوني أرسل لأبنائي في الغربة منه، وهو طعام شتوي بامتياز أطبخه لنأكله ساخناً حيث يعتبر طبقاً أساسياً على المائدة الشتوية، لذيذ ويمنحنا الدفء والطاقة، كما أحضره كفطائر".
وتتابع: "في السابق كنت أحضر خيرات الله من مكدوس الباذنجان، لكن بسبب ارتفاع سعر الباذنجان والجوز اضطررت إلى تخفيف الكمية هذه السنة، كما أحضر كميات كبيرة جداً من المربيات، باختصار يصبح منزلي بعد تجهيز المونة مليء بكل أنواع المأكولات، حتى أكثر من أي دكان".
وعن الطعام الجاهز، تقول: "طالما أستطيع أن أعده بيدي لست مستعدة لأكله جاهزاً".
من جانبها، تقول أم سعيد قزعون من قب إلياس في البقاع: "البيت بلا مونة ليس له قيمة، منذ صغري علمتني والدتي كيف أعدها وبدوري نقلت خبرتي لفتياتي الخمس".
وتضيف: "كل أنواع المونة أحضرها، مع العلم أنه حتى اليوم لدي كمية لا بأس بها مما أعددته السنة الماضية، رغم أني أوزّع على معارفي الذين ينتظرون مأكولاتي للذتها".
وتؤكد أن "الأسعار نار هذه السنة، فمع رفع الدعم عن السكر الذي نحتاجه بكميات كبيرة للمربيات، أصبح سعر الخمسة كيلوجرامات 65 ألف ليرة بعد أن كان 7500 ليرة، أما اللبن فبعد أن كان سعر السطل لخمسة كيلوجرامات 11 ألف ليرة أصبح الآن بـ70 ألف ليرة".
من بين مختلف أنواع المونة التي تحضّرها، تفضل "أم سعيد" إعداد مكدوس الباذنجان.
وعن كيفية تحضيره، تقول: "بعد تنظيفه، أغليه لمدة عشرة دقائق في ماء مضاف إليه القليل من الملح، بعدها أصفّيه وأشقّه من الوسط وأضيف رشّة ملح داخل الباذنجان ثم أضعه في مصفاة وأغطيه وأتركه يومين لكي يجف، أعد خلطة الثوم والجوز والملح والفلفل الأحمر وأحشو الباذنجان قبل رصّه في وعاء زجاجي وغمر الكمية بزيت الزيتون، وبعد ثلاثة أسابيع يصبح جاهزاً للأكل".
وختمت "أم سعيد" مشددة: "نفتخر بتراثنا وتقاليدنا، وبحفاظنا عليهما في وقت غزت الأسواق جميع أنواع المأكولات والمربيات التجارية التي لا طعم لها ولا فائدة غذائية منها".