بالصور.. قابلة تنقذ النساء من الحرب والولادة في جنوب السودان
جنوب السودان تسجل واحدة من أعلى معدلات وفيات الأمومة مع 780 حالة وفاة لكل 100 ألف امرأة على ما تفيد الأمم المتحدة.
تسهم جريس لوسيو في إنقاذ نساء جنوب السودان من الوفاة خلال الحمل أو الإنجاب بتدريبها عدداً كبيراً من القابلات القانونيات.
في قاعة الدروس الصغيرة في جوبا عاصمة جنوب السودان تبدأ لوسيو (50 عاماً) الحصة باندفاع وحماسة، فيما يصغي إليها الطلاب الشباب بتمعن.
واختار هؤلاء الشباب هذه المهنة بسبب ما طبع في ذاكرتهم من صور لنساء في بلداتهم ينزفن حتى الموت خلال الولادة، ورضّع يموتون سريعاً بسبب مضاعفات يمكن تجنبها من دون مساعدة طبية قريبة.
مهمة صعبة
هذه المهمة صعبة التحقيق في هذا البلد مع الحروب ونزوح السكان، فضلاً عن غياب المنشآت الصحية، فعندما طال أمد الحرب الأهلية بين معسكر الرئيس سالفا كير ومعسكر نائبه السابق رياك مشار، فر عشرات الآلاف من الأشخاص إلى أوغندا المجاورة.
جريس لوسيو التي تدير معهداً طبياً في البلدة الواقعة على مسافة 300 كيلومتر من جوبا حاولت البقاء مع طلابها إلا أنهم اضطروا إلى المغادرة بسبب القصف المتواصل والعزلة.
ولجأ 20 أستاذاً و100 طالب إلى مويو في شمال أوغندا حيث مكثوا لمدة شهر. وتقول جريس: "كان الوضع صعباً جداً، عندما وصلنا إلى مويو كانوا ينامون من دون الحصول على طعام، التنقل بأعداد كبيرة أمر معقد".
وهم عادوا إلى جنوب السودان بمساعدة منظمة "ميديكال كوربس" غير الحكومية، وباتت دروس معهد كاجو-كاجي الطبي الذي تديره لوسيو تعطى في جوبا.
العام الماضي، حصل 36 من هؤلاء الطلاب على شهادة قابلة قانونية أو في رعاية الأمومة فيما انضم طلاب جدد إلى المعهد هذه السنة.
وتنتظر لوسيو الآن إمكانية العودة إلى ديارها لتكون في خدمة نساء مجتمعها.
وتسجل في جنوب السودان واحدة من أعلى معدلات وفيات الأمومة مع 780 حالة وفاة لكل 100 ألف امرأة على ما تفيد الأمم المتحدة.
وفي غضون 10 سنوات، انخفض هذا المعدل 3 مرات بفضل تدريب قابلات قانونيات في البلد الذي يقدر عدد سكانه بـ12 مليون نسمة.
وخلال الحرب التي استمرت أكثر من 5 سنوات (أكثر من 380 ألف قتيل وأكثر من 4 ملايين نازح ولاجئ)، وجدت الكثير من النساء أنفسهن بمفردهن عند الإنجاب.
ويقول الطالب أوجستينو جون كولويل البالغ 28 عاماً من بلدة في ولاية جوك في وسط البلاد: "في بلدتي غالبية النساء يلدن في منازلهن لعدم توافر الطاقم الطبي المدرب.. الكثير منهن يخسرن أطفالهن وحياتهن حتى".
وغرق جنوب السودان في حرب أهلية بعد سنتين على استقلاله في العام 2011، وهو لا يملك إلا 200 كيلومتر من الطرق فيما تعيش غالبية سكانه في بلدات تقليدية أو أنهم مربو مواش رحل.
وفاة الكثير من النساء
وطبعت الحرب حياة لوسيو شأنها في ذلك شأن كثيرين، فعندما كانت طفلة، انتقلت مع والدتها إلى مخيم لاجئين في أوغندا بعدما قتل والدها وأحرق منزلها في معارك بين الخرطوم والمتمردين الجنوبيين.
وتقول: "عندما كنت طفلة كنت معجبة كثيراً بأزياء الممرضات، فكن يأتين لرعاية المرضى في مخيم اللاجئين"، وهي قررت أن تحذو حذوهن "لأني كنت في حاجة إلى مساعدة النساء".
وبعدما درست التمريض في أوغندا، عادت إلى جنوب السودان في عام 2006، وبدأت تدريب قابلات قانونيات.
وتوضح: "كان الهدف في خفض العبء على النساء الحوامل، لقد دربنا عدداً من الممرضات اللواتي انتقلن لمساعدة الأمهات".
وتواصل جريس لوسيو قائلة إنه مع انعدام الأمن "يجب معرفة أين توجد الأمهات وما إذا كان ممكناً الوصول إليهن، فنحن يفترض بنا أن نساعد منطقة كاجو-كاي ومحيطها لكن أي نحن الآن؟ نحن في جوبا ولا يوجد أحد هناك لمساعدتهن".
وتقع كاجو-كاجي في ولاية وسط الاستوائية وكانت لفترة بمنأى عن الحرب الأهلية التي اندلعت عام 2013، لكن عند سقوط اتفاقية السلام في عام 2016 عمت المعارك كل أرجاء البلاد وكانت كاجو-كاجي مسرحا لمعارك شرسة.
ووقع اتفاق سلام جديد في أيلول/سبتمبر لكن مجموعة متمردة لا تزال تحارب القوات الحكومية مرغمة آلاف الأشخاص على الفرار.
وتمكنت القابلة القانونية العام الماضي من الوصول لفترة وجيزة إلى البلدة فوجدت أنها مهجورة بشكل كبير وقد نهب المعهد الطبي، وتختم قائلة "هذه ليست المدينة التي تركتها، لكن نأمل بالعودة يوماً ما".