إن احتضان أبوظبي هذه اللوحة العالمية سيشكل علامة فارقة ومكسباً ثقافياً كبيراً ليس فقط للإمارات وإنما للعالم أجمع.
حينما رسمت ريشة «ليوناردو دا فينشي» أحد عظماء عصر النهضة لوحته الشهيرة «سلفاتور مُندي» المعروفة بـ«مخلّص العالم» على خشب الجوز عام 1506، أي قبل أكثر من 500 سنة، يرجح أن يكون قد توقع وقتها، بعبقريته وذكائه، أن هذه اللوحة سيكون مآلها للإنسانية جمعاء كأي عمل فني خالد، ومن ثم فلن تكون حكراً على أفراد معينين دون سواهم، كما أراد لها إبداعها وسحر جمالها فلن تعرض فقط في ميادين وشوارع ميلانو وفلورنسا ومدن أوروبا آنذاك وإنما مآلها لتكون تراثا إنسانية وكنزا بشرياً، ولكن ربما لم يكن يخطر بمخيلته أيضا أن ذلك العمل الإبداعي الرائع سيكون محط اهتمام وأنظار العالم كله إلى هذه الدرجة، وقيمة إنسانية لا تقدر بثمن، تجابه دعاة التطرف والإرهاب ورمزا تملؤه المحبة والتسامح والوئام.
إن احتضان أبوظبي هذه اللوحة العالمية سيشكل علامة فارقة ومكسباً ثقافياً كبيراً ليس فقط للإمارات وإنما للعالم أجمع، ضمن تلك الرسائل الراقية التي أرادت أبوظبي إيصالها للعالم أجمع في التسامح ونبذ التطرف ومواجهة كافة أشكال التعصب والإرهاب
وهذه اللوحة التي تعد الأغلى في العالم، بما تحمله من تفاصيل وجمال إبداعي لا يوجد له مثيل في الفن التشكيلي، والتي كانت أحد أهم 20 عملاً إبداعياً في تاريخ البشرية، صورت المسيح كما رسمه دافنشي مطلع القرن السادس عشر الميلادي، جالساً وهو يرتدي لباساً من عصر النهضة، رافعاً يده اليمنى في وضعية منح البركة، في حين يحمل في يده اليسرى مفتوحة كرة من الكريستال البلوري ترمز إلى الكون والسماء.
وقد رسمت هذه اللوحة في بداية 1506 لأجل الملك لويس الثاني عشر ملك فرنسا و«آن بريتاني»، التي كانت حاكمة والملكة القرينة لفرنسا، وقد كانت ضمن المجموعة الفنية التي يملكها «تشارلز الأول» ملك إنجلترا في القرن السابع عشر، وفي الظهور قبل الأخير لها عرضت في لندن بالمتحف الوطني في الفترة من 2011 إلى 2012، وبعد غزو لويس الرابع عشر لدوقية ميلانو، وسيطرته على جنوة في الحرب الإيطالية الثانية، وكان دافنشي نفسه قد انتقل من ميلانو إلى فلورنسا، وبعد ذلك وصلت اللوحة إلى إنجلترا بسبب هنريتا ماريا عندما تزوجت من تشارلز الأول ملك إنجلترا، وأصبحت ملكة إنجلترا واسكتلندا وإيرلندا بهذا الزواج، وهي ابنة هنري الرابع ملك فرنسا وشقيقة لويس الثالث عشر، وهكذا ظلت اللوحة في غرفة الملكة هنريتا ماريا في بيت الملكة ببلدة جرينتش في إنجلترا.
وقد بيعت ممتلكات تشارلز تحت إشراف حكومة الكومنولث الإنجليزي، وفي عام 1651 تم بيع اللوحة لتسوية الديون، ولكن أعيدت إلى تشارلز الثاني في عام 1660 وكانت ضمن مقتنيات قصر وايت هول في عام 1666م، من ثم ورثها جيمس الثاني، ويرجح أنها ذهبت بعد ذلك إلى صديقته كاترين سيدلي، كونتيسة دورتشستر، وقد أنجبا ابنة أصبحت الزوجة الثالثة لجون شيفيلد، الدوق الأول لباكنغهام ونورمانبي، الذي قام ابنه السير تشارلز هربرت شيفيلد، وقد حمل لقب البارونيت الأول، ببيع اللوحة في مزاد عام 1763 إلى جانب الأعمال الفنية الأخرى من بيت باكنغهام، عندما تم بيع المبنى لجورج الثالث.
اختفت اللوحة بعد ذلك إلى أن اشتراها جامع اللوحات البريطاني فرانسيس كوك، نبيل وأحد أغنياء إنجلترا في عام 1900، وقد ضمها لمجموعاته الفنية في دوتي هاوس في ريتشموند، ومنذ ذلك الحين كانت اللوحة موضع اهتمام العالم والخبراء والمختصين بأعمال دافنشي.
إن احتضان أبوظبي هذه اللوحة العالمية سيشكل علامة فارقة ومكسباً ثقافياً كبيراً ليس فقط للإمارات وإنما للعالم أجمع، ضمن تلك الرسائل الراقية التي أرادت أبوظبي إيصالها للعالم أجمع في التسامح ونبذ التطرف، ومواجهة كافة أشكال التعصب والإرهاب، ولجعل الفن والثقافة رسالة إنسانية بالدرجة الأولى، وجذب اهتمام العالم إلى لوحة فنية نادرة لا تقدر بثمن، حيث يكون متحف اللوفر في أبوظبي وجهة سياحية وثقافية وصرحاً حضارياً ذا جاذبية استثنائية، إن هذا النظرة إلى الفن والعالم من هذا الأفق الإنساني المتسامي لم يكن بطبيعة الحال رائقاً لكيانات صغيرة في المنطقة وذات نظرة ضيقة أنفقت ملياراتها على دعم الإرهاب بكافة أشكاله، وبالأخص الإعلام الإرهابي، والتي يسوءها جداً أن ترى الإمارات تقتني عملاً فنياً خالداً يرمز إلى المحبة والتسامح، فيما هم يقترفون أسوأ الممارسات في حق الاعتدال والتسامح والسلام، إن الإمارات تزرع كل يوم الأمل في العالم، مبيّنة أن التسامح هو الطريق الصحيح نحو المستقبل، سواء كان ذلك بتلاقي وحوار الثقافات والأعمال الفنية التي تحمل في طياتها الرسائل الإنسانية، أو الرعاية الإنسانية لثقافة الانفتاح والتسامح وثقافة التعارف الإيجابي بكافة أشكالها، والأهم من ذلك كله أن الإمارات نزعت عن لوحة سلفاتور مُندي الملكية الفردية لتصبح ملكاً للإنسانية جمعاء ورمزاً للتسامح والأخوة الإنسانية والسلام.
نقلا عن "الاتحاد"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة