عاصفة غضب في ليبيا ضد المبعوث الأممي لفشله في إدارة الأزمة
غسان سلامة أثار موجة من الاستياء والغضب في الأوساط الليبية بعد إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن الدولي
أثار المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة عاصفة من الغضب، عقب تصريحاته بتأجيل موعد الانتخابات، فضلا عن إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن الدولي، التي وصفها البعض بأنها مخالفة للواقع وتنم عن تناقضات كبيرة في رؤيته لحل الأزمة.
وقال برلمانيون ونشطاء ليبيون إن مغالطات عديدة ذُكرت في إحاطة سلامة أمام مجلس الأمن، في 18 يناير/كانون الثاني الجاري، منها الحديث عن استمرار اتفاق وقف إطلاق النار في العاصمة طرابلس، بالرغم من تجدد الاشتباكات قبل حديثه بـ 48 ساعة.
ودارت اشتباكات بين المليشيات في طرابلس في 26 أغسطس/ آب الماضي، واستمرت لنحو شهر رغم رعاية البعثة الأممية لاتفاق لوقف إطلاق النار في 4 سبتمبر/أيلول الماضي، وتجددت الاشتباكات مرة أخرى في العاصمة في 16 يناير/كانون الثاني الجاري.
ورغم أنه كان من المرتقب أن تشهد ليبيا إجراء انتخابات في ربيع العام الجاري (وفقا لما اتفقت عليه الأطراف الليبية في مؤتمر باليرمو الذي استضافته إيطاليا في 12 و13 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي)، قال المبعوث الأممي مؤخرا إن الانتخابات سيتم إجراؤها نهاية 2019، ما أدى لاستهجان الكثيرين ممن انتقدوا "وصاية المبعوث الأممي على ليبيا".
وانتقدت شخصيات ليبية عديدة عدم إدلاء المبعوث الأممي بتفاصيل عن ملامح الملتقى الوطني الجامع الذي تعد له البعثة، موضحين أن إحاطة سلامة زادت الضبابية، وأنها لم تقدم توضيحا أكثر للمؤتمر وماذا سيكون، بل مزيدا من الغموض حوله، عدا حديثه عن موعده "الذي سيكون في الأسابيع القليلة القادمة ليجمع الليبيين من شتى أرجاء البلاد في مكان واحد لتقرير نهاية المرحلة الانتقالية"، من دون أن يحدد أي آلية حول الاختيار أو الخطط المتبعة من قبل لجانه".
الانتقادات الليبية ضد سلامة شملت أيضا الاعتراض على تجاهل غسان سلامة للجهود المبذولة من قبل الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر ضد الجماعات الإرهابية والعصابات الإجرامية، وآخر تلك الجهود عملية عسكرية أطلقها الجيش مؤخرا لتطهير جنوب غرب ليبيا من الإرهابيين والإجراميين.
المبعوث الأممي للدعم وليس لحكم ليبيا
وفي السياق، قال رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، في تصريحات لـ "العين الإخبارية"، أمس، إن "مبعوث الأمم المتحدة جاء للدعم في ليبيا، ولم يُرسل حاكما للبلاد، لكن يبدو أن الأمر اختلف وأصبح قابعا في طرابلس ويتعامل مع الحكومة المفروضة من الخارج والمرفوضة من مجلس النواب (حكومة الوفاق الوطني يترأسها فايز السراج)".
وتبع صالح: "المبعوث الأممي أصبح داعما للسراح بدليل إحاطته الأخيرة في مجلس الأمن عندما قال إن مليشيات مسلحة تقوم بإنفاذ القانون في ليبيا، ولم يحدد أنها في طرابلس المتواجد بها رئيس حكومة الوفاق، ويقول هناك تقدم في الترتيبات الأمنية، في حين أن القتال كان متواصلا أثناء إحاطته"، مضيفا أن المبعوث الأممي "غير محايد".
وقوف مع الإرهاب
من جانبه، أشار عضو مجلس النواب الليبي على التكبالي إلى أنه منذ عام 2011، أضحي الجنوب الليبي يمثل خطرا على البلاد بعدما أصبح ملجأ لأصحاب المصالح الضيقة من الليبيين، والعصابات الإجرامية من جماعات المعارضة التشادية والسودانية، فضلا عن اتخاذ تنظيم داعش الإرهابي اتساع مساحة الجنوب ووعرة تضاريسه جدارا يحتمي به ومنطلقا لعملياته الإرهابية.
وأوضح التكبالي، في تصريحات خاصة لـ "العين الإخبارية" أن دخول الجيش للجنوب لتطهيره كان "ضرورة"، مستنكرا تغاضي المبعوث الأممي عن جهود الجيش المبذولة في هذا السياق، لافتا إلى أنه: "في المدة الأخيرة، زادت خطورة هذه المنطقة على الأمن الليبي بهجوم فلول المعارضة التشادية على نقاط الجيش في منطقة الجفرة وبراك وغيرها".
وأضاف التكبالي أن "هجوم الجيش على المرتزقة والإرهابيين وفلول المعارضة التشادية الآن يأتي استباقا لاستفحال الموقف، ومنعا لتجمع المعادين للاستقرار وحرمانا لفلول المعارضة التشادية من الحصول على مقر آمن لهم فوق الإرادة الليبية".
ومن المنظور ذاته، قال عضو مجلس النواب الليبي الصالحين عبدالنبي إن "إهمال غسان سلامة للحديث عن التقدم الذي حققته القوات المسلحة بالجنوب الليبي في حربها على الإرهاب هو وقوف واضح في صف ممولي الجماعات الإرهابية وداعميها".
وأشار عبدالنبي، في حديثه لـ"العين الإخبارية"، إلى أن عملية الجيش في الجنوب هي عملية نوعية، مشيرا إلى القضاء على أحد أبرز قادة تنظيم القاعدة في الجنوب الليبي والذي له صلة بما يعرف بتنظيم القاعدة في المغرب العربي وهو الإرهابي المهدي دنقو، المتورط في جريمة ذبح الأقباط المصريين في مدينة سرت، فضلا عن مقتل الإرهابي عبدالمنعم الحسناوي المكنى بـ"أبو طلحة الليبي"، والإرهابي المصري عبدالله الدسوقي.
من يقف وراء المبعوث الأممي؟!
من ناحية أخري، اعتبر عضو مجلس النواب الليبي زايد هدية أن المشكلة ليست في المبعوث الأممي، إنما "فيمن يقف وراء هذا التغيير في رسم السياسات والتوجه الأخير للمبعوث".
وقال هدية، في تصريحات خاصة لـ "العين الإخبارية"، إنه "بقدوم المبعوث الأممي غسان سلامة كنا نعول عليه كثيرا في بداية الأمر لعدة أسباب، منها فهمه للتركيبة الليبية بمختلف تركيبتها الاجتماعية من قبائل ومكونات، وكذلك لكونه عروبيا وستسهل عليه مهمته وخاصة التواصل المباشر".
وأضاف هدية: "في الحقيقة، استطاع سلامة في بداية عمله أن يطلع على المشكلة الليبية وتشخيصها، ولكن الأمور أصبحت مؤخرا واضحة للجميع وخاصة التغيير في سياسة المبعوث الأممي.. لم تكن بمحض إرادته بل بتدخلات عدة دول أجنبية وعدة ضغوطات وخاصة بعد انضمام السيدة الأمريكية استيفاني وليامز نائبة له في البعثة، فأصبحت البعثة تتغير في تعاملها مع الملف الليبي وبشكل كبير جدا، وأصبح الأمر يخدم مصلحة هذه الدول صاحبة القرار والنفوذ في مجلس الأمن التي لا يهمها إلا مصالحها الضيقة".
وتابع هدية: "وبهذا أصبحت تستخدم البعثة في تنفيذ هذا المشروع، فلهذا تغيير المبعوث الأممي لن يغير شيئا في مشروع هذه الدول.. التغيير يجب أن يشمل الجميع بالبعثة، وخاصة من يقف وراء هذه السياسة داخل البعثة التي تزيد الانقسام للدولة الليبية.. رحيل غسان سلامة نفسه لن يغير شيئا في سياسة البعثة".
تناقض الواقع
في حين انتقدت الحكومة المؤقتة وبشدة جزئية الاعتقال التعسفي في درنة الذي يطال النساء والأطفال، التي تحدث عنها سلامة في إحاطته، معتبرة إياها تضليلا للحقائق التي تأكدت للعالم أجمع "بالصوت والصورة"، وهي أن المدينة تخلصت من التنظيمات المتطرفة.
وفي السياق، قال عيسى رشوان، المحلل السياسي الليبي إن "إحاطة المبعوث الأممي عكس الواقع؛ فهو يقول حللنا المشكلات في حين يعيش الشارع الليبي أزمات متتالية".
وأوضح رشوان، في تصريحات لـ "العين الإخبارية"، أن غسان سلامة تحدث عن حل أزمة السيولة، في حين مازال يقف الناس بالطوابير أمام المصارف، متابعا: "يقول إن الأمن عاد لليبيا، في حين يفتقر الليبيون ذلك في الواقع، مشيرا إلي أن "خلاصة الإحاطة أن يتم تمديد سلامة واستمرار تأييد السراج وتضليل وتعتيم الواقع".
وحول تراجع سلامة عن خطة إجراء الانتخابات في ربيع العام الجاري، أفاد رشوان أن المبعوث الأممي "متناقض في تصريحاته".