دارت الأيام، واكتشف الليبيون أخيراً أن القذافي كان أهون الشرّين، فشرّ التدخل الخارجي القطري-التركي في شؤون ليبيا قطّع أوصال بلادهم.
تنتصر على من؟ قد يبدو الشأن الليبي لدى البعض غامضاً بعض الشيء، مرد ذلك بطبيعة الحال إلى عقود الانغلاق التي جثمت على صدر ليبيا بسبب القذافي، وأدت إلى هذا القصور المعرفي حولها وحول المجتمع الليبي.
دارت الأيام، واكتشف الليبيون أخيراً أن القذافي كان أهون الشرّين، فشرّ التدخل الخارجي القطري - التركي في شؤون ليبيا قطّع أوصال بلادهم، وأسهم بخبث في العبث بإرادتهم من خلال التشويش على هدف البناء بالاستقطابات الفئوية الحزبية، لتدور رحى ليبيا على مدى ثماني سنوات تطحن بينها آمال أهلها وتطلعاتهم.
بالنسبة إليّ، لم تكن القراءة في تاريخ ليبيا ولا اللقاءات العابرة بالليبيين المقيمين في أوروبا كافية لتكوين انطباع كامل عنهم، علماً بأن أوصافاً مثل الأنفة والحميّة والوقوف إلى جانب بعضهم البعض يمكن أن تتصدر قائمة مناقبهم، ذلك أنها سمات ظاهرة لا تخطئها المشاعر الإنسانية. في أوائل العام 2012 قدّر لي أن أعيش لحظة انعتاق الليبيين بتفاصيلها الدقيقة، خمسة أشهر قضيتها بينهم في العاصمة الأردنية عمّان، إذ ناهزت أعدادهم الـ70 ألفاً أو يزيدون، توافدوا من أنحاء ليبيا كافة إما للعلاج وإما لمرافقة ذويهم من مصابي امتحان «الثورة»، كانوا في قمة النشوة والاحتفاء بسقوط معمّر «الطاغية»، ظنوا مثل غيرهم ممن انساقوا خلف داعي «الربيع العربي» أن هذه هي آخر الأحزان، ولم يكن يدور في خلدهم أن أحداً بعد القذافي يمكنه حبس أنفاس أحلامهم، وإن وُجد، فإنه لن يعجزهم! في شكل عام، كانت تجربتي معهم ثرية بالمودة، وذاكرتي لا تزال تحفظ لهم كرمهم وطيب معشرهم وصادق محبتهم وموالاتهم، وكان لافتاً تباهيهم بتشابه طباعنا نحن السعوديين وإياهم، من جهة المحافظة على التقاليد والأعراف العربية الأصيلة، والاحترام الشديد للدين ومقتضياته.
دارت الأيام، واكتشف الليبيون أخيراً أن القذافي كان أهون الشرّين، فشرّ التدخل الخارجي القطري - التركي في شؤون ليبيا قطّع أوصال بلادهم، وأسهم بخبث في العبث بإرادتهم من خلال التشويش على هدف البناء بالاستقطابات الفئوية الحزبية، لتدور رحى ليبيا على مدى ثماني سنوات تطحن بينها آمال أهلها وتطلعاتهم.
اليوم، تقف قوات المشير خليفة حفتر على أعتاب طرابلس العاصمة، وحتى كتابة هذه المقالة تبدو المصادر شحيحة ومتضاربة حول الوضع هناك، نظراً لاستبسال قطر وأدواتها الإعلامية في سبيل المحافظة على مكتسبات «تنظيم الحمدين»، التي حققها بعد أن غدر بصديقه القذافي الذي بُح صوته وهو يردد مغبوناً: «هذي آخرتها يا حمد»، وحمد هذا هو أمير قطر السابق، أو الأمير الوالد الذي انقلب على والده، ولم يخجل من ملاحقته عبر الشرطة الدولية كأنما يطلب مجرماً عتيداً فاراً من العدالة! هذا هو مفتاح الجواب عن السؤال الذي ابتدأت المقالة به، إذ إن ليبيا التي وقعت في حبائل قطر، تقاوم اليوم أذرعتها التي قصمت ظهر طموحات أهلها باسم الإسلام.
يقول الصادق الغرياني شيخ إرهابيي ليبيا والمفتي الذي عينته حكومة «الإخوان» إبان توليها زمام الأمور منتقداً حملة استعادة هيبة الدولة التي يقودها المشير: «أقول للناس الخارجين مع حفتر إنكم بغاة، خارجون على ولي الأمر الواجب طاعته شرعاً»، فيما وصف هو نفسه الثائرين على القذافي بالمؤمنين المسلمين الذين «قاموا على الظلم والطغيان» بمعاونة حلف شمال الأطلسي (ناتو)، كأنما يردد آراء يوسف القرضاوي، زميله في مهنة لي عنق الشريعة حتى تتوافق وأهواءهم، عندما «أجاز» الخروج والتظاهر ضد مبارك، و«حرّمه» وجرّمه حين كان مرسي وحزبه يعضون بالنواجذ على حكم مصر! لا يشك عاقل في خيانة تنظيم «الإخوان» المسلمين الإرهابي وداعميهم في حكومتي قطر وتركيا لليبيا، ولا في نواياهم الخبيثة المبيتة اتجاهها، ولا في أنهم ينطلقون من مبدأ: «أنا أو الطوفان من بعدي» الأناني الشهير، لذلك فإن عموم الليبيين مطالبون بتنحية اختلافاتهم جانباً أكثر من أي وقت مضى، والانحياز التام إلى جيش بلادهم ورجاله المخلصين، ودحر التمدد القطري - التركي الغاشم الذي يحاول جاهداً تمزيق لحمتهم، إذا ما أرادوا الحياة وأن يستجيب القدر.
نقلاً عن "الحياة"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة