كيف أدار الإخوان اقتصاد ليبيا؟.. الميزانية الموحدة تكشف المستور
أول ميزانية توحّد الليبيين منذ 8 سنوات تفجر استفهامات حول جانب ملغوم من السياسة المالية لفترة حكم الإخوان دون ضوابط أو معايير.
فبعد إقرار البرلمان الليبي لأول ميزانية موحدة لكامل ليبيا، تبرز عدة تساؤلات بينها كيف كان ينفق البلد صاحب أكبر احتياطي نفطي في أفريقيا وأكثرها جودة وسعرا؟
وأمس الأربعاء، أقر مجلس النواب الليبي، بالإجماع، خلال جلسة رسمية عقدها في مدينة سرت وسط البلاد، أول ميزانية عامة منذ 2014، وذلك بعد مباحثات ليومين سبقتها اجتماعات للجنة المالية مع رؤساء هيئات رقابية لتدارس ومناقشة مشروع الميزانية المقدم من الحكومة برئاسة فتحي باشاغا.
وعقب الجلسة، قال المتحدث باسم البرلمان عبد الله بليحق، في تصريح مقتضب كتبه عبر الصفحة الرسمية للمجلس على موقع فيسبوك: "تم إقرار قانون الميزانية العامة للدولة للعام 2022 بالإجماع".
حدث بارز لكنه أفسح المجال أيضا لتساؤلات مهمة قد تزيح الغبار عن حقبة غامضة في التاريخ الليبي المعاصر، خصوصا في عهد حكم الإخوان، في مقدمتها: من أين تأتي الأموال المصروفة خارج الميزانية التي لم تعتمد منذ 2014؟ وماذا كانت بنود صرف ذلك الدخل؟ والأهم من كان المتحكم في تلك الأموال المصروفة؟
أيادي الإخوان
في أحاديث منفصلة لـ"العين الإخبارية"، قدم خبراء ومطلعون على الشأن الليبي إجابات لتلك التساؤلات المطروحة، حيث يرى الخبير الاقتصادي سعد الجبو، أن" ليبيا تعتمد بشكل حصري على إيرادات بيع النفط ومشتقاته من غاز مصاحب وغيرها، في حين تعد الإيرادات السيادية الباقية كالجمارك والضرائب على هامش الدخل القومي للبلاد".
وبحسب الجبو، فإن " الانقسام السياسي الذي طال البلاد منذ عام 2014 والناتج عن عدم اعتراف تيار الإخوان بنتائج الانتخابات البرلمانية آنذاك، وانقسام الحكومة إلى اثنتين؛ واحدة في الشرق برئاسة عبدالله الثني، وأخرى في الغرب ا برئاسة المتطرف عمر الحاسي، جعل من اعتماد البرلمان لميزانية موحدة أمر مستحيلا".
وبعد ان سلم عمر الحاسي رئاسة تشكيلته المسماة بحكومة "الإنقاذ " لنائبه خليفة الغويل في الأول من أبريل/ نيسان 2015، يتابع الجبو: "وقعت حرب بين تلك الحكومة وحكومة الوفاق برئاسة فائز السراج (إخواني) المفروض عبر حوار أممي في الصخيرات المغربية والذي بدوره سارع في ظل عدم اعتراف البرلمان المنتخب به بتبني خدعة أسماها الترتيبات المالية ".
وأوضح الخبير الاقتصادي أن تلك "الترتيبات المالية كانت أحد المسامير التي دقت في نعش الاقتصاد الوطني".
واعتبر الجبو، وهو متخصص في إعداد الموازنات، أن "تلك الترتيبات التي اختلقها السراج لنهش إيرادات النفط بعيدا عن رقابة البرلمان، اعتمدها بنفسه رغم أنه جهة تنفيذية وهو ما أثار سخرية وغضب الليبيين آنذاك".
وبخصوص الوضع السائد في تلك الفترة، قال الجبو إن "الخاسر فيه كان الحكومة المتمركزة في الشرق بل وكامل المنطقة الشرقية كون المتحكم الأول في الدخل القومي الناتج عن النفط هو مؤسسة النفط والبنك المركزي في طرابلس، وذلك رغم أن جميع الموانئ المنتجة للبترول وحقول تصديره يحميها الجيش الليبي وأبناء المنطقة الشرقية".
إنفاق عشوائي
بالنسبة للجبو، فإنه "مع فشل جميع جهود البرلمان والحكومة بالشرق في الحصول على بعض إيرادات النفط، أصبحت سلطات طرابلس تنفق من تلك الإيرادات بشكل عشوائي بعيدا عن رقابة الدولة، لا سيما في ظل عدم إقرار ميزانية تمكن الجهات الرقابية من تقييم الإنفاق الحكومي في طرابلس".
أضف إلى ذلك، يتابع، فإن "أعلى تلك الجهات الرقابية هناك يتولاها خالد شكشك وهو عضو في تنظيم الإخوان وقد كان يحجب تقارير الرقابة لأعوام للتستر على الحكومات المتعاقبة في طرابلس بحسب مراقبين".
وبحسب الجبو فإن "شكشك كان فقط يصدر تقارير يفضح فيها بعض الجهات والمسؤولين ممن لا يتوافقون معه وهو ما فجر أزمة بينه وبين تيارات إسلامية أخرى في الغرب الليبي".
واستشهد الجبو في حديثة بشأن ذلك الخلاف في معسر تيار الإسلام السياسي بتصريحات لرئيس ما يعرف بـ"مجلس الدولة" الاستشاري خالد المشري، هاجم فيها شكشك معتبرا أن "تقاريره معدة للاستهلاك الإعلامي وهي سلاح يستخدمه ضد خصومة فقط".
وبالأرقام، كشف البنك المركزي شرق ليبيا، في تقرير له صدر في 16 مايو/ أيار الماضي، مصروفات السلطات في طرابلس الواقعة تحت سيطرة الإخوان، وتبين أنها تفوق بنسبة 175 % من إجمالي الإيرادات السيادية المحققة خلال تلك الفترة.
في حين كشف البنك المركزي، في ذات التقرير الاستثنائي، أن الدين العام للدولة الليبية بلغ خلال تلك الفترة 154 مليار دينار ليبي وهو الأعلى في تاريخ الدولة، منها 84 مليارا تخص مصرف طرابلس الذي يديره الصديق الكبير.
أما سلطات الشرق الليبي وخلال الفترة ذاتها وبحسب ذات التقرير، فقد أنفقت فقط ما يشكل 44 % من إجمالي الإيرادات المحققة المعتمدة على النفط الذي يقع جله في مناطق سيطرة سلطات الشرق.
كارثة في الأفق؟
تعليقا على ذلك، قال صالح المبروك المحلل السياسي الليبي، إن "التصرف في إيرادات النفط من قبل السلطات في طرابلس ليس هو المشكلة الأكبر بل الأهم هو التخوف من أن يكون البنك المركزي في العاصمة والواقع تحت سيطرة الإخوان قد تصرف في احتياطيات البلاد من الذهب والنقد الأجنبي"، معتبرا أن طرحا مماثلا يشكل "كارثة".
وأوضح المبروك أن "ليبيا كانت في عام 2013 تملك احتياطيا ماليا في البنك المركزي يقدر بحوالي 108 مليارات دولار، كما أن صندوق الثروة السيادي الليبي الاستثماري الذي أسسه معمر القذافي قبل خمس سنوات من الإطاحة به، يملك أوراقا مالية وأصولا بنحو 67 مليار دولار".
وأضاف: "لا أحد اليوم يعلم مصير كل تلك الأموال الطائلة إلا شخص واحد وهو الصديق الكبير محافظ البنك المركزي في طرابلس ".
وأمام كل تلك الأموال والمبالغ المصروفة على مدى تلك السنوات في غرب ليبيا برزت الحاجة للإجابة على سؤال آخر وهو أين ذهبت كل تلك الأموال؟
تساؤل أجاب عنه سعد الجبو قائلا إن تلك الأموال "صرفت على دعم المليشيات ومدها بالسلاح وتشكيل أجسام مليشاوية جديدة تحت اسم الحرس الرئاسي تارة ودعم الاستقرار تارة أخرى".
وأضاف أن كل ذلك يأتي فى محاولة من تنظيم الاخوان الليبي ضمان قبضته الحديدية على البلاد وربما التوسع في أفريقيا والعالم لا سيما أن عديد الوقائع لعمليات إرهابية في العالم كان تكشف التحقيقات بعدها أن منفذها تلقى دعما من ليبيا وربما حصل على تدريبات على أراضيها.
حيثيات
بما أن أسباب إهدار المال العام أمر معروف لدي الليبيين، قادت الأحداث الجيش الليبي لإعلان وقف تصدير النفط في 2 يوليو/ تموز 2018 لتجفيف منابع تمويل الإرهابيين في البلاد وخارجها عبر أموال النفط التي يتحكم فيها مصرف ليبيا المركزي برئاسة الصديق الكبير وتنظيم الإخوان.
آنذاك، طالب القائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر بتشكيل لجنة تقصي حقائق بإشراف دولي تتولى التحقيق في مصادر تمويل الجماعات الإرهابية التي تهاجم المنشآت النفطية على مدى سنوات ماضية.
ورغم استجابة الأمم المتحدة لذلك الطلب بتشكيل لجنة تقصي ومراجعة لبيانات ومصروفات البنكين المركزيين في شرق البلاد وغربها بإشراف شركة مراجعة دولية، إلا أن تلك الشركة لم تصدر تقريرها بعد رغم مضي خمس سنوات على عملها.
ولاحقا أعاد الجيش تسليم تلك الموانئ لمؤسسة النفط في طرابلس، ورغم أن إيرادات البيع تواصلت نحو حسابات البنك المركزي في طرابلس إلا أن استمرار إهدار المال العام من جديد عبر حكومة عبد الحميد الدبيبة واستمراره في السلطة بشكل متعنت، جدد الاحتجاجات مرة أخرى ولكن هذه المرة من قبل السكان الذين أقدموا على إقفال النفط من جديد في 13 أبريل/ نيسان الماضي.
وهذه المرة جاءت مطالب سكان المناطق النفطية للسماح بعودة إنتاج وتصدير النفط عبر وضع آلية عادلة لتوزيع إيراد بيع النفط ونشر بنود صرفها للتأكد من أنها لن تذهب للمليشيات التابعة لجماعة الإخوان المسيطرة على الغرب الليبي.
مصير ومفتاح
في حديث لـ"العين الاخبارية" ضمن رحلة التقصي والبحث عن إجابات لتلك التساؤلات حول الإنفاق في ليبيا خلال الأعوام الماضية، برز تساؤل حول مصير الميزانية المعتمدة.
تساؤل أجاب عليه نواب في البرلمان الليبي، معتبرين في أحادث متفرقة أن المفتاح يكمن في مصطفى صنع الله رئيس مؤسسة النفط، بما أنه حاليا في صف حكومة باشاغا.
وما أجبر صنع الله على الجنوح لصف حكومة باشاغا عاملان بحسب النواب، أولهما أن الدبيبة منع منح ميزانية للمؤسسة منذ أكثر من عام، وثانيهما يتمثل في الأمر الذي أصدره المستشار عقيلة صالح رئيس البرلمان والقاضي بتجميد إيرادات النفط لحين حل الأزمة وهو ما اعتمدته خطة غربية تقودها أمريكا.
ولكن حتى تلك الخطة تظل غير كافية بحسب مراقبين رغم أنها أوقفت تمويل حكومة الدبيبة لكنها تنص على تجميد الإيرادات في البنك الليبي الخارجي الذي يديره محمد علي عبد الله الضراط العضو البارز في "الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا"؛ التنظيم المقرب من الإخوان.