أضخم ميزانية في تاريخ ليبيا.. إنفاق تنموي أم فصل جديد من الفرص الضائعة؟
التأثير المرتقب على المشروعات والدعم وسعر الدولار
يتتبع المواطنون الليبيون بشغف، مصير 179 مليار دينار (نحو 36 مليار دولار) هي قيمة أضخم ميزانية في تاريخ ليبيا، وسط آمال في أن تنعكس هذه الحزمة على حياتهم لتحولها إلى الأفضل، بدلا من أن تصبح فصلا جديدا في حقبة "الفرص الضائعة" التي تعيشها.
ومع ذلك، يبدو التشاؤم مقدما على ما عداه في هذا الملف، في ظل الظروف والملابسات المرتبكة التي تم اعتماد تلك الموازنة فيها، إذ تم إقرارها على مرتين، ووسط انقسام سياسي شديد التشعب.
وفيما يلي إجابات مباشرة عن أبرز الأسئلة التي قد يطرحها المواطن الليبي للتعرف على انعكاس هذه الخطوة على حياته.
ما الذي يدفعنا لخفض التفاؤل؟
مبلغ 179 مليار دينار ليبي، كميزانية للبلاد في عام واحد هو 2024، يعد مبلغا ضخما بالفعل، بل هو الأكبر والأضخم في تاريخ الدولة الليبية منذ تأسيسها عام 1951، وفقا لما أكده المحلل الاقتصادي الليبي خالد بوزعكوك لـ"العين الإخبارية".
ومع ذلك فإن ظروف الانقسام السياسي وتعدد جهات الاختصاص لا تبشر بتدفق مستقر لهذا المال، ولا بإنفاق واضح المعالم للمليارات المدرجة.
فقد أقر البرلمان برئاسة عقيلة صالح، يوم الأربعاء الماضي، ميزانية إضافية قيمتها 88 مليار دينار ليبي (18.1 مليار دولار) للحكومة المعتمدة منه، التي تتخذ من الشرق مقرا لها، بعد 3 أشهر (أبريل/نيسان الماضي) من إقراره الميزانية الأساسية التي قيمتها 90 مليار دينار ليبي (18.5 مليار دولار).
في حين، رفض المجلس الأعلى للدولة برئاسة محمد تكالة، هذه الخطوة وأرسل رسالة إلى البرلمان، قائلا فيها إن "تمادي مجلس النواب في تجاوزاته وإدارته الشأن العام بإرادته المنفردة لن يقود إلا إلى مزيد من الانقسام".
من أين ستأتي أموال الموازنة التاريخية؟
قرار تمرير الميزانية، تم بالتوافق المباشر بين مجلس النواب والمصرف المركزي الليبي بقيادة الصديق الكبير.
وكان مصرف ليبيا المركزي قد قال في بيان قبل عدة أيام إن الكبير ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح ناقشا "الخطوات المتخذة لاعتماد ميزانية موحدة لعام 2024" خلال اجتماع نادر في القاهرة.
ومصرف ليبيا المركزي هو المستودع الوحيد المعترف به دوليا لعائدات النفط الليبي، وهو مصدر الدخل الحيوي للبلاد.
لكن من غير الواضح ما إذا كان محافظ مصرف ليبيا المركزي سيسلم الأموال إلى حكومة أسامة حماد، التي تتخذ من بنغازي في الشرق مقرا لها.
وفي طرابلس (غربا) توجد حكومة الوحدة الوطنية برئاسة رئيس الوزراء المؤقت عبد الحميد الدبيبة.
أين ستنفق أموال الميزانية التاريخية؟
يقول بوزعكوك، إن الأموال تأتي – حال صرفها - في وقت حرج حيث تشهد ليبيا أزمة اقتصادية وشحا للسيولة، وتأخر في صرف المرتبات ومخصصات الدارسين في الخارج وأيضا مخصصات العلاج خارج ليبيا والمتوقفة لأشهر عديدة.
وقال إن كلتا الحكومتين وقعت على عقود بعشرات مليارات الدولارات في مجال الإعمار وإعادة تأهيل البنية التحتية في المدن الليبية، معربا عن أمنيته بأن ينعكس تخصيص هذا المبلغ الضخم إيجابيا على المواطن الليبي في مجال الرعاية الصحية ورفع كفاءة الخدمات التعليمية والاجتماعية، وايضا تحسن قوة الدينار الليبي المتذبذب أمام الدولار وأن يؤدي إلى انفراجة في أزمة السيولة التي تعم كل المدن الليبية.
كما حذر المحلل الاقتصادي الليبي من ذهاب جل هذا المبلغ إلى المرتبات والمزايا والنثريات والإيجارات والتنقل وسفر الوزراء ووكلاء الوزراء، لافتا إلى أن كلتا الحكومتين أمامها فرصة تاريخية لليبيا حتى تنهض وتعيد بناء اقتصادها بتخصيص جزء منه في توطين الصناعة وفي إعادة تهيئة المشاريع الزراعية المتوقفة والمتعثرة.
الانقسام ينثر التشاؤم من مستقبل الدينار
ومع ذلك، يضيف بوزعكوك أن الانقسام السياسي ووجود حكومتين تدعي كل منهما أنها الممثل الشرعي الوحيد، وما يتبع ذلك من انقسام مؤسسي خاصة في الأجهزة المختصة بالصرف واعتماد الميزانيات وأيضا الأجهزة الرقابية (ديوان المحاسبة، وهيئة الرقابة الإدارية، وهيئة مكافحة الفساد) سيكون لها تأثير سلبي على أوجه الإنفاق الحكومي.
أما الباحث والمحلل الاقتصادي الليبي محمد صالح الرفادي، فيرى أن التوسع في الإنفاق أصبح مرضا مزمنا يتعاظم بشكل مستمر وفي ظل الانقسام المؤسسي تضيع دائرة الرقابة والمحاسبة، حسب إيرادات الدولة الليبية ومصادر دخلها.
ويضيف الرفادي في حديث لـ"العين الإخبارية" أن هذه الميزانية سوف تتسبب في زيادة العجز وانخفاض قيمة العملة الوطنية، وهي فاتورة سيدفعها المواطن البسيط.
وأكمل: "لكنّ هناك جزءا من الميزانية سوف يذهب للمشاريع التنموية إعماراً وصيانةً وهي مشاريع موجودة وقائمة على أرض الواقع و جزء منها نفذ تماماً وجزء قيد الإنشاء و آخر تم التعاقد عليه وكل هذه المشاريع خاضعة لسلطة صندوق تنمية وإعادة إعمار ليبيا".
وأكد أن المشكلة الرئيسية هي إنهاء حالة الانقسام المؤسسي الذي سوف يعزز من الشفافية وتوفير مستويات أفضل من توزيع الدخل على شرائح المجتمع.