الحالة في ليبيا اليوم تشبه معادلة رياضية صعبة تحتمل فرضية الاحتمالات المتساوية الحدوث، والواقع المعيش أثبت هذا.
بين محاولات إسقاط المجلس الرئاسي وموته سريرياً بدأت تحالفات جديدة، كانت آخرها اتفاق البرلمان مع مجلس الدولة لإعادة تشكيله واقتصاره على (3) أشخاص فقط بدلا من (9 أعضاء كانوا متناطحين في القرار)، ولهذا أعتقد أن هذا العدد (3) يستطيع التوافق أكثر من 9 أشخاص لهم اتجاهات مختلفة، كل في مساره، الذين تشكلوا من الإسلام السياسي ومليشياته التي حملت السلاح لفرض سيطرتهم بالقوة، بإلقائهم بما أنتجته العملية الديمقراطية عرض الحائط.
تفاقم الأزمة الليبية كان في ظل وجود العبث القطري وأعماله القذرة في الشرق الأوسط، فليبيا ضحية مؤامرة كبرى هدفها اضطراب المنطقة والإضرار بالأمن القومي الإقليمي، ومصر وجيشها هي المستهدفة بالفوضى في ليبيا، ولهذا مصر وقيادتها تفهمت الأزمة الليبية لحفظ دوائر أمنها القومي
الحالة في ليبيا اليوم تشبه معادلة رياضية صعبة تحتمل فرضية الاحتمالات المتساوية الحدوث، والواقع المعيش أثبت هذا، وهي التي ستنتهي إليها المنظومة الدولية، وهي أن مجلس الصخيرات الرئاسي انتهى ومات سريرياً وينتظر الدفن، وأن الاتحاد الأوروبي باستثناء إيطاليا يعول على الانتخابات المبكرة للخروج من النفق وتلاشي الأجسام الحالية البائسة، وأن «عدة مقترحات وأجسام قد يكون لها حضور قوي، مثل فكرة مجلس الشيوخ الذي يحاكي اجتماع القبائل، وهذا خيار الاتحاد المقبول عند الاتحاد الأوروبي».
وكون الأجسام السياسية الحالية لن تخرج من المشهد بسهولة، وهذا ما أثبته واقع الحال، وتنصلها من استحقاقاتها في حل الأزمة من البرلمان ومجلس الدولة وحتى رئاسي الصخيرات، وستحاول استنساخ نفسها وإعادة إنتاج كياناتها كما فعل المؤتمر الوطني، حين قام بنسخ نفسه في صورة مجلس الدولة، ليبقى في السلطة ولو بحجة الاستشاري.
فالمجلس الرئاسي الذي وصل إلى العاصمة طرابلس بحماية فرقاطة إيطالية منذ عامين، في سابقة استفزازية للشعب الليبي، انتهى به الأمر واجهة سياسية لمكتب تنظيم الإخوان، يعمل بأمره وتحت طاعته، جميع قراراته واختياراته حتى للوزراء إما شخصيات جدلية متهمة أمام القضاء، أو أخرى كانت قيادات في مليشيات مسلحة، يجمعها العداء للجيش الوطني.
المجلس الرئاسي الذي غادره أعضاء إقليم برقة جميعهم، بل عضوان عن الجنوب والغرب، وبقي يراوح مكانه في قاعدة بحرية لا يستطيع مغادرتها أو فرض سلطته خارجها قيد أنملة، بل إنه قام بخطوات خطيرة الأثر والضرر وهي استخدام بعض المليشيات، وزعم أنها تتبع وزارة الدفاع أو الداخلية، وجعلها كيانات شرعية أضفى عليها الصفة العسكرية، وأثبت في أكثر من مرة أنها لا تتبع وزارة الدفاع ولا الداخلية، مما أكد أن جميع الجراحات «التجميلية» التي يجريها المجلس الرئاسي للمليشيات لن تحل أزمة العاصمة الرهينة لقبضة هذه المجموعات المسلحة وعصابات المال العام، فهذه الجراحات لن تبني دولة ولن تحقق استقرارا للبلاد، ومن ثم الحل يكمن في توحيد المؤسسة العسكرية وحل جميع المليشيات، أما غير ذلك فسيبقى عبثاً وتجريباً للمجرب مع انتظار نتائج مختلفة، وهو نوع من الحمق والغباء.
فالوضع السياسي في ليبيا لا يزال في حال الفوضى والتسويف الدولي، رغم ما جاء في إحاطة المبعوث الدولي غسان سلامة التي أكد فيها أن مليشيا تابعة لحكومة الوفاق هي من تتصارع في طرابلس، وأن بعض المسؤولين الليبيين هم السبب في الأزمة لعدم رغبتهم في ترك مناصبهم وعرقلتهم الانتخابات، إلا أن مجلس الأمن تجاهل تصريحات المبعوث الأممي في ليبيا، واستمر في سياسة إطالة الأزمة وإعادة تدوير المليشيا تحت أسماء مختلفة.
الحل في ليبيا يكمن في استعادة الجيش العاصمة المختطفة من قبضة العصابات ومليشيات الإسلام السياسي، فالجيش الوطني هو من يحقق الاستقرار، كما أكد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أن «الاستقرار في ليبيا هو مهمة الجيش الوطني»، هذا عين الصواب، فكل من يحمل السلاح ما عدا أفراد الجيش هو في الواقع في عداء مع الشعب الليبي، لأن الشعب لا أمل له إلا الجيش، فالبلاد نهبت وخربت وسطت عليها المليشيات من كل جانب، وهذه المليشيات في صراع مع بعضها بعضاً لذا فإن الجيش هو الحل.
الأزمة الليبية الحقيقية بدأت بانقلاب الإسلام السياسي على الديمقراطية بعملية «فجر ليبيا» وتشكيل حكومة موازية هي «الإنقاذ» التي شكلها الإسلام السياسي، والتي أحدثت الانقسام الليبي، في ظل صمت وغض بصر دوليين، فأمريكا أوباما-هيلاري التي وطنت الإسلام السياسي في ليبيا لأسباب كثيرة، منها ابتزاز أوروبا في أمنها واستقرارها بموجات الهجرة، واكتفت بالفرجة.
تفاقم الأزمة الليبية كان في ظل وجود العبث القطري وأعماله القذرة في الشرق الأوسط، فليبيا ضحية مؤامرة كبرى هدفها اضطراب المنطقة والإضرار بالأمن القومي الإقليمي، ومصر وجيشها هي المستهدفة بالفوضى في ليبيا، ولهذا مصر وقيادتها تفهمت الأزمة الليبية لحفظ دوائر أمنها القومي، ومن جانب آخر كان الإسلاميون في الحكومة التونسية سبب عدم مساعدة تونس سياسياً لليبيا في حلحلة أزمتها، بدءاً من الصفقة المشبوهة التي أفضت إلى تسليم رئيس وزراء ليبيا الأسبق (زمن القذافي) البغدادي المحمودي لسلطات فبراير.
الأزمة الليبية الحقيقية بدأت بالانقلاب على الديمقراطية التي أتى بها الصندوق، بعد خسارة ممثلي الإسلام السياسي نصيبهم في الولاية الثانية من البرلمان، الذي عرف بـ«المؤتمر الوطني، فخاصموا الصندوق وانقلبوا على نتائجه».
الأزمة الليبية بشكلها الحالي من أسباب ومسببات لا يمكن حلها في باليرمو الإيطالية، كما تحشد إيطاليا الضيوف وتسرف في دعوتهم، فقد سبقتها باريس وجنيف والصخيرات، وفشلت جميعها، فالحل في ليبيا بين أهلها وليس عند تجار المعارضة سابقا «الثوار» حالياً، ولكن الجميع يتجاهل هذا ويقفز عليه.
نقلا عن "الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة