أزمات ليبيا.. "عشرية سوداء" وقودها الإخوان
أعوام من التآمر وسنوات من الإرهاب وسط انسداد سياسي يدفع إليه إخوان ليبيا، لتأجيج فوضى تعبد لهم كرسي السلطة وإن من خلف الستار.
تنظيم إرهابي يعتمد على صناعة الأزمات واستثمار عدم الاستقرار الذي أعقب الإطاحة بالنظام الليبي عام 2011، ليدون بدماء الشعب عشرية سوداء لم تضع أوزارها حتى الساعة.
هذا ما أكده الباحث السياسي الليبي عبد المطلب ساسي، معتبرا أنه "منذ 2011 وبعد الإطاحة بالنظام الليبي السابق عبر حرب أهلية، تعيش ليبيا أزمات متتالية كان السبب في بروزها وكذلك استمرارها تنظيم الإخوان".
ويقول ساسي، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن "بداية سقوط ليبيا كان عام 2011، حيث كانت هناك فعلا مطالب للشعب الليبي وكان النظام السابق المتمثل في معمر القذافي نظاما شموليا ارتكب العديد من الأخطاء إلا أن تلك المطالب ارتفع سقفها إلى المطالبة بسقوط النظام وهو ما كان وراءه تنظيم الإخوان".
في الكواليس
وأضاف: "في ذلك الوقت، كانت هناك جهات مشبوهة تدعو للتظاهر في تاريخ محدد مسبقا، قبل أن يكتشف الجميع أن الإخوان كانوا وراءها"، مؤكدا أن "الشعب الليبي آنذاك لم يكن يعرف معنى تنظيم الإخوان لأنه لم يكن مطلعا على السياسة".
جريمة "بني وليد".. إخوان ليبيا في انتظار مقصلة العدالة الدولية
وتابع ساسي "وقتها كان منتسبو الإخوان مزروعين وسط التظاهرات ويحرضون المتظاهرين على الهجوم على معسكرات الدولة ومراكز الشرطة وهو ما حدث فعلا وأوقع قتلى من المتظاهرين بعد أن اضطرت أجهزة الأمن للدفاع عن مقراتها، وهو ما أشعل موجة الغضب التي كان ينتظرها الإخوان".
"ونتيجة الدعم الإعلامي الكبير للقنوات الإخوانية الدولية، وعلى رأسها قناة الجزيرة (القطرية)"، -يقول الخبير الليبي- "تمكن الإخوان من إسقاط النظام بعد أن أبرز الوجه السيئ للقذافي، الأمر الذي أكسبهم تعاطف العالم بأسره وبلغ الأمر حد التدخل العسكري من حلف الناتو تحت ضغط أمريكي فرنسي مدفوع بخلافات بين نظام القذافي وواشنطن وباريس".
وتابع أنه "في ذلك الحين كان تنظيم الإخوان لا يزال متسترا تحت عباءة شخصيات معارضة للقذافي، بزعم أنهم مناضلون قدموا من الخارج لإنقاذ البلاد أمثال الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا".
ولفت إلى أن التنظيم "سيطر رفقة أجنحة مسلحة إسلامية مثل الجماعة الليبية المقاتلة وقياداتها أمثال عبد الحكيم بالحاج والدوادي وسامي الساعدي وعبد الوهاب قايد وغيرهم من رؤوس التطرف، على كامل البلاد".
بداية مشروع الإخوان
"ومن هناك"، يقول الباحث السياسي الليبي، "بدأ الإخوان بتطبيق أجندتهم الفعلية والتي باشروها بمحاولة القضاء على ما تبقى من الجيش الليبي عبر إحالة عدد كبير من الضباط الكبار للتقاعد أبرزهم خليفة حفتر قائد الجيش الحالي".
ولفت إلى أنه "إضافة لتشكيل مليشيات بديلة للجيش والشرطة تحت مسميات عديدة منها الدروع وغرف الثوار وما إلى ذلك من أجسام مسلحة كان يقودها متطرفون دوليون".
ساسي أوضح أنه "منذ ذلك الوقت وليبيا تحت حكم الإخوان إلى أن حدثت الاستفاقة الشعبية لخطر التنظيم ومخططاته الخبيثة وذلك عبر عديد الشخصيات التي حذرت منه وعلى رأسهم الناشط السياسي البارز عبد السلامي المسماري الذي كان يفضح الإخوان وألاعيبهم عبر شاشات التلفاز إلى أن اغتيل في 26 يوليو/ تموز 2013، أثناء خروجه من المسجد برصاص ملثمين".
وبالنسبة للخبير، فإن "مقتل المسماري لم يكن في صالح الإخوان بل جاء ضدهم لأنه فعلا كشف جليا دمويتهم وإقصاؤهم وخطورتهم على الدولة الليبية ،التي عكف الليبيون على بنائها في ذلك الوقت".
وأشار إلى أن "مقتل المسماري أصبح بمثابة شرارة أشعلت غضب الشعب الليبي الذي خرج بمدينة بنغازي في موجة غضب أطلق عليها جمعة إنقاذ بنغازي، اقتحم خلالها الليبيون معظم معاقل الإخوان ومقرات ميليشياتهم المتطرفة، وعلى رأسها مقر تنظيم أنصار الشريعة في منطقة البركة وسط المدينة ومقر كتيبة راف الله السحاتي المتطرفة في منطقة الهواري".
ولم يقف الأمر عند ذلك، بحسب عبد المطلب ساسي، بل إن "الليبيين في ذلك الوقت تجمهروا أمام منزل خليفة حفتر (قائد الجيش الليبي حاليا) لمطالبته بجمع ما تبقى من الجيش لتخليص البلاد من خطر الإرهابيين والإخوان، وهو ما حصل فعلا بعد أن استجاب لذلك النداء وأطلق عملية الكرامة العسكرية بعد أن جمع وحدات من الجيش النظامي".
تلك العملية بحسب ساسي "أفضت للقضاء على الإخوان وميليشياتهم في بنغازي وجميع مناطق شرق ليبيا، إلا أن التنظيم مارس لاحقا لعبة سياسية بعد خسارته العسكرية".
ألاعيب
ألاعيب كثيرة مارسها الإخوان في محاولة لـ"إغراق البلاد في أزمات عديدة اقتصادية وسياسية وأمنية".
سياسيا، يقول الخبير إنها "تتمثل في سعي الإخوان للسلطة عبر دعم خفي، ووضع لشخصيات غير محسوبة عليهم في العلن، والضغط على تلك الشخصيات بعد ذلك لتحقيق جميع ما يريده التنظيم من أهداف".
وحاليا يؤكد ساسي أن للتنظيم الدور الأكبر في الأزمة الراهنة المتمثلة في فشل الانتخابات أكثر من مرة.
وتحدث عن آخر الحوارات الهادفة لإخراج قاعدة دستورية تقود البلاد للانتخابات المنتظرة والجارية بين مجلسي النواب والدولة الذي يمثله الإخوان، قائلا: "العام الماضي تقرر إطلاق الانتخابات بعد أن اتفقت أطراف النزاع الليبي في جنيف على موعد لذلك".
وأضاف " ذلك الموعد وهو 24 ديسمبر/ كانون أول الماضي، كان الليبيون يترقبونه بفارغ الصبر والدليل على ذلك العدد الكبير من المواطنين الذين سجلوا في الانتخابات، غير أن ألاعيب الإخوان مرة أخرى كانت بالمرصاد لطموح الليبيين".
وحاليا وبعد مفاوضات عديدة سارت بشكل بطيء نحو الحل تجاوزت أطراف النزاع العقبة الرئيسية لإخراج القاعدة الدستورية التي تقود للانتخابات وهي شروط الترشح لرئاسة البلاد.
وبالنسبة للخبير، فإنه "بعد أن اتفق رئيسا مجلسي النواب والدولة المستشار عقيلة صالح وخالد المشري على تجاوز ذلك الأمر وتركه للبرلمان القادم ليحسمه، مارس الإخوان الممثلون لمجلس الدولة مرة أخرى ذات الألاعيب وأعلنوا أنهم اعتمدوا شروط الترشح للرئاسة والتي من بينها بحسبهم إقصاء العسكريين من الترشح وكذلك مزدوجي الجنسية".
تلك الخطوة قال عنها ساسي إنها "تهدف لإقصاء قائد الجيش الليبي خليفة حفتر للانتقام منه بعد أن وقف في وجه مشروعهم الخبيث".