هناك أوجه تشابه في طريقة تعامل دول المشرق العربي مع بدايات التمدد الإيراني في المجتمعات، وتعامل دول المغرب العربي مع الطموحات التركية.
لا تزال مسألة تعامل بعض الدول العربية مع الخطر الاستراتيجي (السيطرة على القرارات السيادية لها) الذي يمثله نظام الرئيس التركي طيب أردوغان، ومن بعده الدولة التركية في مرحلة ما بعد أردوغان لا يرقى إلى الجدية التي يمثلها التهديد الفعلي على الأمن القومي العربي بشكل شامل.
بجانب الأمن الوطني للدول التي يحاول التنفذ فيها مثل ليبيا وقطر، والدول التي تجاور ليبيا أو يتواجد فيها تنظيم الإخوان الإرهابي في مراكز صنع القرار كذلك الدول التي ينتمي إليها الهاربون إلى تركيا.
اعتقاد أن تدخلات دول الجوار الجغرافي في الدول العربية والتمدد فيها مسألة تخص الدولة المستهدفة لوحدها، أمر لا يطابق الواقع أو حقيقة التهديد، فالتدخل في سوريا ليس من أجل سوريا فقط، والأمر كذلك في ليبيا.
فمن واقع التجارب السابقة مع دول الجوار خاصة إيران، فإن تدخلاتها لم تكن تؤثر فقط على الدول التي تدخل بشكل مباشر فيها، مستغلة ظروفه سواء ضعفاً أمنياً كما العراق ما بعد 2003 أو بفعل بعض التنظيمات الموالية للخارج مثل حزب الله اللبناني، فإن إيران تتعامل مع الأمر بحيث يكون "منصة للانطلاق" أو نقطة ارتكاز متقدمة لتحقيق أهدافها ومشاريعها الحقيقة.
وكذلك التركيز على الطموحات التركية بأنها مرتبطة مع الأطماع الشخصية لأردوغان فقط، وبالتالي سقوطه يعني انتهاء الأطماع التركية، هو أمر ينبغي أن نستبعده لأن أطماع دول الجوار ممتدة على مدى التاريخ، لكن أردوغان تعلّم أن ربط أي مشروع سياسي بأيديولوجية معينة هو أمر من الممكن أن تجد له زخما وأتباعا.
وبالنسبة لمشروعه المرتبط بالخلافة له أرضية خصبة في الفكر العربي والإسلامي، وربما لهذا السبب هناك من يتعاطف معه في المجتمعات العربية وتجده إما يميل له أو ينتقده باستحياء، مع أنه بالنظر إلى ما يفعله من الناحية السياسية لن يخرج عن كونه احتلال وسوف يتعامل مع مواطني تلك الدول وفق الرؤية التركية، والعراق خير مثال مع إيران.
ويمكن القول إن تجاربنا السياسية كعرب وفق مفهوم الوطن العربي وأمننا القومي مشترك، وبالتالي تهديد دولة معينة كأنه تهديد (للوطن العربي) بأكمله لا يزال يتسم بالضحالة وعدم العمق الاستراتيجي الذي تعمل به الدول الأخرى، وإذا قلنا إن التعامل العربي معروف عنه أنه يتسم بردة الفعل وليس بالفعل، فإن ردة الفعل مع الفوضى التركية هي الأخرى أدنى بكثير من النتائج التي يمكن أن تتركها على المدى القريب وليس البعيد وهي لن تكون سهلة.
هناك أوجه تشابه كثيرة في طريقة تعامل دول المشرق العربي مع بدايات التمدد الإيراني في المجتمعات العربية، والتعامل الحالي من دول المغرب العربي مع الطموحات التركية.
الشيء الملفت في موضوع التدخل العسكري الصريح في ليبيا، وكذلك احتلاله لبعض المناطق السورية، أن بعض العرب يعتقد أنه مجرد خلاف داخلي بين قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر وبين أردوغان أومن يمثله في ليبيا فايز السراج، وبالتالي فهو لا علاقة له فيه مع أن التهديد ليس ببعيد عنه.
يتضح مما سبق أن هناك أوجه تشابه كثيرة في طريقة تعامل دول المشرق العربي مع بدايات التمدد الإيراني في المجتمعات العربية، والتعامل الحالي من دول المغرب العربي مع الطموحات التركية التي تبحث عن فراغات سياسية عربية لتملأها بمساعدة تنظيم الإخوان المسلمين كما هو الحال في تونس، أو محاولة سكوت بعض الدول الجوار لليبيا وكأن الأمر لا يعنيها.
وكانت بعض الدول العربية -ومنها الخليجية- تعتقد أن أمر التدخلات الإيرانية لا يهمها بقدر ما هو خلاف مع الدولة المعنية بالخلاف، إلى أن بانت النوايا الحقيقية للنظام الإيراني من خلال التباهي باحتلال أربع عواصم عربية، هنا تحول التهديد إلى تهديد للأمن القومي العربي، وبالتالي احتاج الأمر إلى جهد وخسائر مالية وبشرية كبيرة لوضع حد للتمدد الإيراني.
كما أن هناك البعض ممكن كان يعتقد أنه بمجرد تغير نظام إيراني معين كنظام الرئيس السابق أحمدي نجاد على سبيل المثال، فإن الأمر سيكون طبيعياً مع الرئيس الجديد القادم في طهران، وكان التركيز على أن المحافظين هم الأخطر على الأمن الخليجي من الإصلاحيين، ولكن الاتفاقية النووية بين إيران والغرب تم توقيعها في عهد حسن روحاني، وهو من الإصلاحيين بينا ظهر البرنامج النووي في عهد محمد خاتمي.
كل ما تقدم يقودنا في نهاية المطاف إلى طرح تساؤلات كثيرة على رأسها هل الطبيعة المخادعة للنظام الإيراني علمتنا تجنب "اللدغات" من أي طرف كان؟ وهل يستخدم أردوغان نفس الأساليب الإيرانية من حيث شكلها ومضمونها؟، وهل سيستمر التردد العربي في منع أردوغان من جعل ليبيا "منصة" أو قاعدة ينطلق منها لتحقيق أهدافه؟!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة