عبر سفن الموت وهوس السيطرة.. أردوغان يعبث باستقرار ليبيا
دور مزعزع للاستقرار تلعبه أنقرة منذ سنوات في ليبيا، حيث ترسل سفنا محملة بالسلاح لتدقيمها للمليشيات الإرهابية والتدخل في شؤون البلاد
لم تسلم ليبيا البلد الغارق في أتون الحرب منذ سنوات، من عبث النظام التركي برئاسة رجب طيب أردوغان عبر دعم الميليشيات الإرهابية بالسلاح والذخيرة والتدخل في شؤونها.
دور مزعزع للاستقرار تلعبه أنقرة منذ سنوات في ليبيا، حيث ترسل سفن الموت المحملة بالسلاح إلى هناك لتسليح المليشيات فيه وإذكاء نيران قتال يحصد أرواح المدنيين، ثم يخرج مسؤولوها يقترحون الوساطة لـ"تقريب" وجهات النظر بين الفرقاء الليبيين.
فصام تعاني منه أنقرة في دورها بليبيا، ويكشف المؤامرة التي تقودها في عمق هذا البلد خدمة لأجندة إقليمية ترمي إلى إعادة ترتيب أوراق المنطقة بما يخدم هوسها ببسط نفوذها واستعادة أمجادها الغابرة.
فمع سقوط نظام "معمر القذافي" في عام 2011 اتجهت أنقرة إلى تقديم كافة أوجه الدعم للتنظيمات الإرهابية، الممثلة في "حزب العدالة والبناء" (الذراع السياسية لتنظيم الإخوان الإرهابي) ومليشيات مدينة مصراتة أكبر داعم للإرهابيين بالغرب الليبي.
كما قدمت أنقرة دعماً لتحالف "فجر ليبيا" الإرهابية في مواجهة "عملية الكرامة" التي أطلقها الجيش الليبي في مايو 2014 بقيادة "خليفة حفتر"، وهو ما تسبب في توتر علاقاتها مع الشرق الليبي، حيث وجه قائد الجيش الليبي في الشرق "خليفة حفتر" اتهامات لتركيا بدعم "الإرهاب" في ليبيا.
تسليح المليشيات
وفي ديسمبر/ كانون أول الماضي، ضبط الأمن الليبي في ميناء الخمس البحري الواقع بين طرابلس (العاصمة) ومصراتة (غرب)، حاويتين تضم كل منهما 40 قدمًا محملة بالأسلحة والذخيرة، كانت على متن سفينة قادمة من ميناء مرسين التركي، رغم أن الحمولة كانت تشير بياناتها إلى أنّها مواد بناء.
وقبلها بأسبوع، ضبطت الجمارك الليبية كذلك شحنة من الأسلحة التركية تتضمن مسدسات من طراز 9 ملم مع مئات الآلاف من طلقات الذخيرة الخاصة بهذه المسدسات، وهي تركية المنشأ ومُصنّعة من قبل شركة "zoraki" التركية للصناعات الحربية.
وأثارت الحادثة تنديدا واستنكارا واسعين، رافقتها مطالب بإدانة تركيا بتهمة خرقها قرار مجلس الأمن الدولي القاضي بحظر بيع ونقل الأسلحة إلى ليبيا، وفتح تحقيق لمعرفة دورها في تأجيج الفوضى وتعطيل التسوية السياسية.
وسبق أن قرر مجلس الأمن الدولي عام 2011، حظرا بموجب القرار رقم 1970 على توريد الأسلحة إلى ليبيا، وأهاب بجميع الدول الأعضاء تفتيش السفن المتجهة إليها، ومصادرة كل ما يحظر توريده وإتلافه.
مصادر أمنية ليبية قالت إنها ليست الشحنة الأولى من السلاح القادمة من تركيا، وإنما تأتي في إطار سفن الموت التي ترسو من حين لآخر بموانئ البلاد.
وعلاوة على تأجيج فتيل القتال بين المليشيات، لا تتورع أنقرة عبر مبعوثها لدى ليبيا، أمر الله إيشلر، عن التدخل وبشكل سافر في شؤون البلد الأخير.
تدخل سافر
وتعليقًا على العمليات العسكرية التي ينفذها الجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر لتطهير الجنوب من عصابات المعارضة التشادية المسلحة والجماعات الإرهابية، أدان إيشلر، مبعوث أردوغان إلى ليبيا، في تصريحات إعلامية، هذه العمليات، معتبرا أنها "مخالفة للاتفاق السياسي".
تصريحات انتقدها بشدة رئيس البرلمان الليبي، عقيلة صالح، والذي اعتبر أن ما قاله المبعوث التركي "تدخل مرفوض في الشأن الليبي الداخلي، واعتداء على سيادة ليبيا".
وشدد عقيلة، في بيان، على أن "أنقرة، ومن خلال هذه التصريحات، تواصل دورها في تقويض إنهاء الأزمة في ليبيا، ودعم الجماعات الإرهابية وتقديم الدعم المادي واللوجستي لها".
ولم يفوت صالح فرصة التذكير بشحنات السلاح التركية التي جرى ضبطها، داعيا أنقرة إلى الوقوف إلى جانب الشعب الليبي بدل "دعم الإرهاب وتقويض الأمن بالبلاد".
ومنتصف الشهر الماضي، أعلن الجيش الليبي انطلاق عملية عسكرية في الجنوب تعمل على المحافظة على وحدة التراب الليبي، ومنع المخربين والمعتدين من النيل من البلاد.
ونقلت وسائل إعلام محلية ليبية عن عضو مجلس النواب الليبي، علي السعيدي، قوله إن تركيا ترعى الفوضى والإرهاب في ليبيا، عبر إرسال الأسلحة والذخائر والمدرعات إلى المجموعات المسلحة.
وحذر في رسالة ضمنية إلى أردوغان من أن "الشعب الليبي وحده هو من بإمكانه التعبير عن رضاه عن المؤسسة العسكرية، وخصوصا سكان منطقة فزان (جنوب غرب) الذين عانوا بسبب وجود العصابات الإجرامية والجماعات الإرهابية".
الجيش الليبي يتوعد
حادثة ضبط السفينة المحملة بالسلاح والقادمة قبل نحو شهرين من تركيا، أكدت الدور التركي المشبوه في زعزعة استقرار ليبيا، وهو ما ردت عليه قوات حفتر بحزم في حينه.
وفي تصريحات إعلامية آنذاك، حمل المتحدث باسم الجيش الليبي، العميد أحمد المسماري، تركيا "مسؤولية تدمير قواعد الأمن والسلم في ليبيا".
كما أكد مسؤوليتها عن "الاغتيالات في صفوف الأمن والجيش والمحامين، إلى جانب ضلوعها بالعديد من العمليات الإرهابية".
ووفق المسماري، فإن أنقرة "تخرق قرارات مجلس الأمن التي تحظر تزويد الإرهابيين بالسلاح، وتنتهك أيضا القرار الخاص بحظر توريد السلاح إلى ليبيا".
محاولات يائسة
رغم انكشاف أهداف أردوغان في ليبيا التي يعتبرها جزءًا من مخطط إقليمي يستهدف بسط سيطرته عليه، إلا أن محاولاته الرامية إلى التموقع في المشهد الليبي علانية لا زالت جارية، عبر جدول أعمال خيط على المقاس، ويقوم بتنفيذه سفير أنقرة لدى طرابلس سرحت إكسن.
والأسبوع الماضي، دعا محمد عماري زايد، عضو المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية، تركيا لـ"الاضطلاع بدورها في تقريب وجهات النظر بين الأطراف السياسية" لـ"تجاوز الخلافات".
الدعوة التي جاءت في لقاء جمع عماري زايد بالسفير التركي بالعاصمة طرابلس، عدها مراقبون محاولة من أنقرة التي فقدت مصداقيتها في أعين المجتمع الدولي كوسيط في الأزمات، ترنو للحصول على دور تحرص على إخراجه على أنه يأتي تلبية لدعوة ليبية خالصة.
وأكدوا أن أردوغان يريد أن يظهر نفسه على أنه قشة النجاة التي يلجأ إليها الليبيون لتجاوز الخلافات بينهم، فيضرب 3 عصافير بحجر واحد بأن يعود إلى الملف الليبي من بابه الكبير، ويثبت للمجتمع الدولي أنه وسيط لا يمكن الاستغناء عليه، ثم وهو الأهم، يمسك من جديد بأحد أهم بوابات عبور مخططه في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
إلا أن مراقبين أكدوا أن الجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر يقف بالمرصاد لكل المحاولات التركية ويسانده البرلمان الليبي في وجه الجماعة الإرهابية ومن يعاونها.
aXA6IDE4LjIyNS4yNTQuODEg جزيرة ام اند امز