بميزان الخبراء.. «العين الإخبارية» ترصد ذكرى «17 فبراير» في ليبيا بين الأمل واليأس
تحل اليوم السبت في ليبيا ذكرى "17 فبراير" 2011، حينما خرجت قطاعات واسعة من الشعب للإطاحة بحكم العقيد معمر القذافي، أملاً في بناء دولة جديدة، لكن الأمور لم تسر في الاتجاه الصحيح.
فالواقع الذي وصلت إليه ليبيا وتعيشه منذ سنوات يجعلها أقرب ما تكون للتفكك والانقسام، وفق تصريحات مسؤولين دوليين، وخبراء استطلعت "العين الإخبارية" آراءهم، وقد حمّلوا جماعة الإخوان وتيارات ما يعرف بـ"الإسلام السياسي" المسؤولية عما آلت إليه الأحوال في البلد العربي الأفريقي.
ويعاني الليبيون انقسام دولتهم بين شرق وغرب، ولكل جانب منهما قوى عسكرية تواليه، بعضها نظامية وأخرى تقع في تصنيف المليشيات، وكيانات برلمانية هنا وهناك، ولكل طرف حكومة تعبر عنه، وقوى مجتمعية تتجاذب المواقف، ومحاولات دولية وإقليمية لم تثمر عن أي شيء بعد، على صعيد توحيد تلك المؤسسات والوصول بالبلاد إلى انتخابات يُرى أنها قد تكون نقطة البداية نحو استعادة الدولة المفقودة.
ثمن غال
الأكاديمي الليبي الدكتور حسين الشارف يقول، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، إن الليبيين دفعوا الثمن غالياً، نتيجة بعض القوى التي لم تنظر إلا إلى مصالحها الضيقة فقط، واستعانوا في ذلك بقوى خارجية وتحالفوا مع تيارات الإسلام السياسي والإرهاب، مضيفا أن "17 فبراير" تحولت بسببهم من نعمة من أجل دولة جديدة إلى نقمة.
وأضاف الأكاديمي الليبي أنه نتيجة انتشار المليشيات المرتبطة بتيارات الإرهاب والإسلام السياسي، حسب قوله، أصبحت البلاد أمام واقع مرير، متهماً إياها بالتسبب في تقسيم البلاد، ومفاقمة معاناة الليبيين، لا سيما المعركة مع الإرهاب التي كلفتهم كثيراً، معتبراً أن ليبيا كلما قطعت خطوة للأمام تعود عشرا للخلف.
ولفت إلى أنه كلما اقتربت ليبيا من إجراء الانتخابات يتم التراجع عن هذا المسار، نتيجة توجهات المليشيات، حسب تصريحاته.
وفي علامة على هذا الانقسام قررت حكومة أسامة حماد التابعة لمجلس النواب المنعقد في مدينة طبرق شرق البلاد إلغاء الاحتفال بذكرى "17 فبراير"، خلافاً لما ذهبت إليه حكومة عبدالحميد الدبيبة في طرابلس المعترف بها دولياً، إذ اتهمت الأولى الثانية بـ"البذخ والإسراف".
دور الإخوان
وكانت ليبيا شهدت انتخابات برلمانية في عام 2014، وجاءت نتائجها قاضية على هيمنة الإسلاميين في المؤتمر الوطني (البرلمان المنتهية ولايته)، إلا أن هؤلاء رفضوا الاعتراف بتلك النتائج، وانقلبوا عليها وشكلوا حكومة في طرابلس، وتمسكوا باستمرار المؤتمر الوطني، وعلى إثر ذلك اتجه البرلمان الجديد المنتخب لعقد جلساته في "طبرق" شرق البلاد بدلاً من العاصمة، وشكل حكومة منبثقة عنه، ومن هنا أصبحت البلاد مقسمة بشكل فعلي بين الشرق والغرب.
"الليبيون ضحايا للإخوان"، بتلك العبارة علق أشرف أبوالهول رئيس مجلس أمناء مؤسسة الطريق للدراسات على أسباب وصول ليبيا إلى هذه المرحلة، موضحاً -في تصريحات لـ"العين الإخبارية"- أن الشرق والغرب الليبيين سقطا ضحية خطط جماعة الإخوان وتيارات الإسلام السياسي، معرباً عن أسفه لهذا الوضع، قائلاً إن ليبيا كانت تتحرك ككيان واحد، ورغم كل الاختلاف مع نظام العقيد القذافي إلا أنه كان يحاول صهر الليبيين بمختلف مناطقهم.
وأضاف أن مسألة ما سمي بـ"الثورة الليبية" وتقسيم المليشيات إلى مليشيات تابعة للأقاليم والمناطق مثل "الزنتان" و"بني وليد" أمر خلق قوات عسكرية، كل واحدة منها تمثل قبيلة بعينها أو منطقة ما، وهذا عزز من فكرة الانقسام، مشيراً إلى أن الإسلاميين بدورهم عندما هيمنوا واستخدموا العنف من أجل السيطرة على البلاد كان ذلك عاملاً رئيسياً في زيادة الانقسام.
ورأى أبوالهول، في سياق حديثه لـ"العين الإخبارية"، أن الوضع لا يزال شديد التعقيد في ليبيا مع مرور كل هذه السنوات من الانقسام الفعلي، خاصة أن عمر الدولة الموحدة في ليبيا لم يكن طويلاً منذ الخمسينيات وحتى عام 2011، وهناك من يغذي هذا الانقسام، معرباً عن اعتقاده بأن الجهود الأممية لم تأت إلا بنتائج عكسية دائمة.
بصيص أمل؟
ومؤخراً حذر مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا عبدالله باتيلي من "انزلاق ليبيا إلى التفكك"، حسب كلمة له أمام مجلس الأمن الدولي، داعياً الفرقاء الليبيين إلى تنحية المصالح الذاتية والتفاوض بحسن نية، علماً أنه كان قد دعا في نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم إلى محادثات واسعة.
وتذهب وجهة نظر أخرى إلى أن الأجواء الإقليمية والدولية باتت مهيئة لدفع مسار الحل السياسي إلى الأمام في ليبيا، لا سيما في ظل اتجاهات إلى "تصفير المشاكل" في المنطقة، وهو ما ظهر على سبيل المثال في زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مؤخراً إلى مصر ولقاء نظيره المصري عبدالفتاح السيسي.
وقال الدكتور محمد الأسمر، مدير مركز الأمة الليبي للدراسات الاستراتيجية، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، إن الانقسام في الشأن الليبي خاصة السياسي لا مجال فيه للأمل إلا بتوافر مقوماته، وطالما أن نفس أدوات الانقسام نافذة في البلاد فإن الإشكال الحالي سيتطور ويتفرع.
ودلل على ذلك بقدوم حكومة الوحدة الوطنية بإنتاجها عبر خارطة الطريق الأولى التي تم تداولها في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2020، كانت هناك آمال تعقد عليها لتحقيق الاستقرار، ولكن لم يحدث لأن تلك الحكومة أخذت نفس مسار حكومة الوفاق فيما يتعلق بسيطرة المليشيات واستنزاف الموارد، مشيراً إلى أن المبعوث الأممي عبدالله باتيلي تحدث عن ذلك خلال اليومين الماضيين.
ورأى المحلل السياسي الليبي أن القضايا كان يمكن أن تحل لو تمت العودة لرأي الشارع الليبي عبر الانتخابات، والآن لا تزال هناك مماطلة في إجرائها، معتبراً أنه في الأجل القصير -أي خلال 2024- فإن الوضع يبقى كما هو عليه.