حرب أوكرانيا و"خطر" الدبيبة.. خبير دولي يرسم لـ"العين الإخبارية" آفاق الوضع بليبيا
تسير ليبيا منفردة على الجمر، وتعمل على تفادي سيناريو أصعب، في ظل تصاعد النزاع بين الفرقاء، وانشغال المجتمع الدولية بأزمات مستجدة.
في خضم ذلك يتحدث فولفجانج بوسزتاي، رئيس المجلس الاستشاري لمجلس العلاقات الأمريكية الليبية؛ وهي منظمة تنشط في الولايات المتحدة لدعم العلاقات بين البلدين، عن الواقع الصعب في ليبيا، في ظل تمسك رئيس الوزراء السابق عبدالحميد الدبيبة بالسلطة.
ويحذر بوسزتاي؛ وهو خبير متخصص في الشؤون الليبية بوضوح من خطورة استمرار الدبيبة في السلطة على المدى المتوسط، والسيناريوهات القاتمة التي يجرّها هذا التشبث غير المستند لحجة قوية، بالسلطة، بعد تعيين البرلمان المعترف به دوليا حكومة جديدة بقيادة فتحي باشاغا.
كما حذر الخبير الدولي، وهو أيضا كبير مستشاري المعهد النمساوي للسياسة الأوروبية والأمنية، من جانب آخر من الوضع المتدهور في ليبيا، مبديا الخشية من احتمال نشوب صراع اجتماعي الطابع، في ضوء تعثر واردات الحبوب واللحوم من روسيا وأوكرانيا، والزيادة الكبيرة في أسعار المواد الأساسية.
بوسزتاي تحدث بوضوح عن محاولات الإخوان عرقلة المسار السياسي في ليبيا، وقال إن الجماعة تمر بمرحلة ضعف في البلد الشمال أفريقي، وتملك رغبة قوية في تأجيل الانتخابات قدر الإمكان، لأنها تعلم أنها ستتعرض لخسارة ثقيلة.
وشغل بوسزتاي مناصب مختلفة على المستوى العسكري الاستراتيجي في وزارة الدفاع النمساوية وهيئة الأركان العامة، وخرج في العديد من المهام الدولية على المستوى الوطني، وبعثات الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. كما عمل في مجال المخابرات لفترة طويلة.
وبين عامي 2007 و2012، كان ملحقًا دفاعيًا نمساويًا في إيطاليا واليونان وتونس وليبيا، وتواجد على الأرض في شمال أفريقيا في فترة ما يعرف بـ"الربيع العربي".
وإلى نص الحوار:
- هل أدت الحرب في أوكرانيا إلى صرف الانتباه الدولي عن الوضع المتدهور في ليبيا؟
لقد انخفض الاهتمام الدولي بليبيا بالفعل بشكل حاد في الأشهر الأخيرة. على السطح، تبدو البلاد هادئة نسبيًا، وهذه إشارة مريحة للبعض. بالإضافة إلى ذلك، بعد فشل إجراء الانتخابات في ديسمبر/كانون أول الماضي، لم يكن لدى الكثيرين أي فكرة عن الكيفية التي يُفترض أن يستمر بها مسار الاستقرار في البلاد.
ومع الحرب في أوكرانيا، اختفت ليبيا بشكل شبه كامل من "شاشة الرادار"، ولا يدرك الكثيرون أن البلاد تمر حاليًا بمرحلة حرجة للغاية.
وبصرف النظر عن النزاع القائم حول الحكومة، هناك احتمال كبير للصراع الاجتماعي بسبب تعطل واردات اللحوم والحبوب من أوكرانيا وروسيا، خاصة في ظل الارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية منذ العام الماضي.
- هل تقلص الدعم الدولي للحل السياسي في ليبيا مؤخرًا، وهل هناك أسباب لذلك غير الانشغال الدولي بالأزمة في أوكرانيا؟
نعم، تراجع اهتمام المجتمع الدولي، لا سيما الأمم المتحدة وأمريكا والاتحاد الأوروبي، بشكل كبير في دعم عملية السلام والاستقرار في ليبيا، بعد فشل خارطة الطريق التي وضعها ملتقى الحوار السياسي الليبي، والفشل في إجراء الانتخابات بموعدها.
ولدى العديد من الفاعلين السياسيين والعسكريين هناك، انطباع في الوقت الحالي، بأن قرارات الأمم المتحدة والضغط الدولي ككل لا يجب أن يؤخذ على محمل الجد.
وفضلا عن ذلك، لم يخضع أي شخص من "المعرقلين" العديدين لانتخابات 24 ديسمبر/كانون أول للعقوبات.
كما ظل منصب المبعوث الخاص ورئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا شاغراً منذ استقالة يان كوبيش في أوائل ديسمبر/ كانون أول الماضي. فستيفاني ويليامز هي المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بشأن ليبيا، ولم يتم تأكيد تسميتها على هذا النحو من قبل مجلس الأمن الدولي، وبالتالي فإن وزنها السياسي أقل بكثير من شاغل منصب رئيس البعثة الأممية. كما انتقدت روسيا وفرنسا هذا الوضع مرارًا وتكرارًا ودعتا إلى تعيين مبعوث أممي خاص على وجه السرعة.
تمثل خارطة الطريق الجديدة التي جرى التفاوض عليها من قبل مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، بمشاركة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، والتعديل الثاني عشر للإعلان الدستوري، الهادف إلى وضع أساس للانتخابات، نهجًا ليبيًا- ليبيًا، وهو ما طالب به المجتمع الدولي في كثير من الأحيان.
بعد انتقادات لخارطة الطريق والتعديل الدستوري من اتجاهات مختلفة، بما في ذلك من المجلس الأعلى للدولة، تشكك ويليامز الآن في هذا النهج الليبي- الليبي، على وجه التحديد من خلال مبادرتها الخاصة لتطوير الأسس الدستورية.
وأدى هذا التوجه إلى زيادة الانتقادات الموجهة إلى ويليامز من مجلس النواب، ولكن أيضًا من أجزاء من المجلس الأعلى للدولة، وفاقم من تقويض مصداقيتها.
- كيف ترى الانقسام الحالي بين حكومتي الدبيبة وباشاغا، وهل تعود الأمور إلى الصفر؟ هل نشهد حربا جديدة في البلاد؟
ليبيا تواجه وضعا متفجرا؛ يتمتع فتحي باشاغا بميزة أن بإمكانه العمل مع الغرب والشرق وجنوب البلاد. لذلك يمكن أن يكون شخصًا قادرًا -على الرغم من الانتخابات الملغاة- على إحداث توازن في البلاد.
في المقابل، فإن عبد الحميد الدبيبة متهم ببناء "نظام كليبتوقراطي" (نمط حكم يراكم الثروة والسلطة السياسية للمسؤولين) وتبديد ثروة الجيل القادم من الليبيين بالفعل. تدهورت الظروف المعيشية للسكان بشكل عام منذ توليه منصبه، وارتفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية بشكل كبير ، ولا يزال انقطاع التيار الكهربائي هو النظام السائد، والرعاية الطبية مفقودة بشدة، بينما يتفشى الفساد.
ويشعر شرق البلاد وإلى حد ما جنوبها بالحرمان الشديد من قبل الدبيبة وحكومته، على الرغم من أن معظم مواقع النفط والغاز موجودة في مناطق الشرق.
إذا بقي الدبيبة في السلطة، يمكن الافتراض أن الوضع سيتدهور بشكل كبير على المدى المتوسط، وربما حتى إلى نقطة إعلان الحكم الذاتي في الشرق؛ الأمر الذي قد يؤدي إلى حرب أخرى.
على عكس الدبيبة، يُعتقد أيضًا أن باشاغا قادر على تحسين الوضع الأمني في منطقة طرابلس الكبرى وحل الجماعات المسلحة، لكن هذا هو بالضبط ما يجلب له معارضة العديد من الميليشيات المؤثرة في العاصمة، مما قد يمنعه في النهاية من السيطرة على السلطة.
- كيف تقيمون جهود الوساطة بين الحكومتين وهل تؤدي إلى حل يقود إلى تسليم السلطة للحكومة الجديدة أم أن الوضع يتدهور؟
بعد فشل انتقال باشاغا إلى طرابلس الذي كان مخططا له في 10 مارس/آذار، فقد رئيس الوزراء الجديد زمام المبادرة في الوقت الحالي. على أي حال، فهو يريد تجنب صراع عنيف على السلطة، وبدعم من مجلس النواب، يحاول السيطرة على العديد من أجزاء الدولة والمؤسسات، من أجل تضييق نطاق تحرك الدبيبة.
وحث المبعوث الأمريكي الخاص ريتشارد نورلاند، وستيفاني ويليامز، الخصمين على عقد لقاء وجهًا لوجه للتوصل إلى قرار. وبينما وافق باشاغا على ذلك على الفور، رفض الدبيبة.
وبصفة عامة، هناك عاملان حاسمان للنجاح في حسم الصراع على رئاسة الوزراء؛ الأول هو تأمين قبول الميليشيات الرئيسية في طرابلس كشرط للسيطرة على مقر الحكومة، والثاني؛ تأمين دعم محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير؛ فلا يمكن لأي حكومة أن تعمل بنجاح دون الوصول إلى أموال البنك المركزي.
وكلما طال الوضع الحالي، زادت احتمالية بقاء الدبيبة في السلطة، وساء الوضع في ليبيا، ورشح للتدهور على المدى المتوسط.
- ما المطلوب من القوى الدولية لتجنب أسوأ سيناريو في ليبيا؟
هذا سؤال صعب. من ناحية، تدرك العديد من الدول- بما في ذلك تركيا ومصر- تمامًا أن استمرار حكومة الدبيبة ينطوي على مخاطر عالية للتصعيد في ليبيا. ومن ناحية أخرى، فإن القرار بشأن رئيس الحكومة هو شأن داخلي لليبيا.
وفقًا لخارطة طريق ملتقى الحوار الليبي، التي أكدتها قرارات الأمم المتحدة وقرارات مجلس النواب؛ البرلمان المعترف به دوليًا، انتهت ولاية حكومة الوحدة الوطنية في 24 ديسمبر/كانون أول 2021، وحجة الدبيبة حول استمرار حكومته في السلطة، مهزوزة للغاية.
ومع ذلك، لا يُتوقع صدور قرار فاصل من محكمة ليبية مستقلة، لأن القضاء في ليبيا لا يعمل بشكل حقيقي أيضًا. وعليه من الأفضل أن يبقى المجتمع الدولي بعيدًا عن هذا الصراع على السلطة ولا ينحاز إلى أي طرف.
- كيف ترى محاولات جماعة الإخوان تعطيل المسار السياسي في ليبيا؟
تمر جماعة الإخوان وجماعات الإسلام السياسي الأخرى (مثل تلك الملتفة حول المفتي صادق الغرياني) بمرحلة ضعف حاليًا. ومن المحتمل أن تتكبد هزيمة ثقيلة في الانتخابات حال عقدها، لذلك تحاول تأخير الانتخابات قدر الإمكان حتى تتمكن من تقوية صفوفها.
وعلى الرغم من مرحلة الضعف هذه، يجب ألا ينسى المرء أن العديد من الأشخاص المقربين من الإخوان يحتلون مناصب مؤثرة، وبالتالي يمكن الافتراض أن تأثير الإخوان لن يتضاءل، إذ تمتلك الجماعة حاليًا وزنًا غير متناسب إلى حد كبير مقارنةً بمؤيديها الفعليين في ليبيا، وتعقد العزم على الحفاظ عليه.