مع اقتراب مهلة التسعين يوماً على اتفاق جنيف المبرم من قبل اللجنة العسكرية المشتركة.
لا يزال تنفيذ قرار إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا مهمَلاً، ولم نسمع عن جنود أو مرتزقة غادروا في اتجاه أوطانهم نتيجة هذا الاتفاق، وإنما غادر عدد يسير منهم نتيجة الشح المالي وتقليل الرواتب، وبعد أن دفعوا رشاوى مقابل حصولهم على تقارير طبية مزورة تفيد بأن وضعهم الصحي سيئ، وهو ما يُشير إلى عدم وجود تحرك جدي وفعلي نحو الحل، أو أن البعثة الأممية نجحت في فرض إرادة الأمم المتحدة ومجلس الأمن لتنفيذ الاتفاق الذي رعته واعتبرته إنجازا تاريخيا لها، وأنها في كل محطات هذه الأزمة لم توفَّق حتى الآن في إنتاج أي صيغة مناسبة وقابلة للتنفيذ، لا سيما بعد دخول عوامل التشويش المتعددة والمتعمدة، مما جعلها تواجه مصيرا غامضا يشبه المبادرات والملتقيات السابقة، وأنَّ الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة ودول الجوار من أجل التوصل إلى حل سياسي للأزمة في ليبيا تقف على حافة الفشل، والصراع على المناصب والاصطفاف الجَهَوِي ما زالا يعطلان الحل، وأنَّ أصحاب الفصائل والمليشيات ما زالوا يريدون أن يكون لهم "نصيب بارز" في السلطة الانتقالية.
لقد أدى الخط الأحمر الذي رسمته مصر في "سرت والجفرة" إلى تقليص خطر الاجتياح التركي وتعميق الأزمة، وحافظ على بقاء المسار والحوار السياسي، لكنه لم يقلص الطموحات التركية ولم يوقف المرتزقة من دخول ليبيا؛ لأن بلطجة وأطماع أردوغان في ليبيا ذات الثروة والموقع الاستراتيجي ما زالت غاية وهدفا لم يتوقف ولن يتوقف إلا بخروج المرتزقة، وإبعاد الشخصيات الرخيصة وغير الوطنية التي تضحي بحياة ومصالح الليبيين، وتجعل من وطنهم لقمة سائغة للتدخلات الخارجية التي انتهت إلى تبديد الكثير من ثروات البلاد ورهنها، مقابل أن يحصل هو أو جماعته على الثراء والسلطة.
من المؤكد أن استمرار حالة العبثية غير المسبوقة من الصراعات الداخلية، والرغبة الجامحة من السراج للبقاء في منصبه، وتمكين الإخوان برعاية تركية أو عملية "صيد الأفاعي" التي شارفت على الانطلاق لتمكين "باشاغا" لزعامة غرب ليبيا، كلها ليست في صالح ليبيا مهما كانت شعاراتها وعناوينها، ورغم استمرار حلقات الشد والجذب السياسية والصراعات، إلا أن حرص بعض القوى المعنية بالأزمة الليبية على استمرار العملية السياسية ومنع انهيارها تماما، أو وقفها عن الحركة الدؤوبة؛ يجعل الأمل في بقاء ليبيا موحدة، وقد يسهم على الأقل بأن لا تصل الأمور إلى طريق مسدود، ويسهم في إنقاذ البلاد من التوجه نحو الحل العسكري وتفجير الأوضاع، وقد يدفع إلى تبني مواقف أكثر مرونة مع الوقت من كل الأطراف المتصارعة.
فهل يتجاوز الليبيون أزمتهم بمعزل عن التدخل الخارجي؟ وهل يستطيع الليبيون تجاوز النقاط المستعصية، وأن يتحدّوا أنفسهم وظروفهم وينتصروا لوطنهم خلال الأيام المقبلة عبر مقاربات ذات حس وطني، وأن يتجاوزوا آلام الماضي وتدهور الأوضاع، بطي صفحة الصراعات العبثية، والانطلاق نحو آفاق جديدة في بلد قادر على أن يكون من أكثر دول العالم أمانا واستقرارا ورفاهاً، ومستوى معيشياً لمواطنيه يفوق الكثير من دول العالم، وسلاماً مع جيرانه، وتفاعلاً إيجابيًّا مع قارته والعالم؟ فهو يُعد من أكثر المناطق أهمية للعلاقات والاستراتيجيات الدولية والإقليمية، من النواحي الجغرافية، والاقتصادية، والأمنية والسياسية، ولكي تنطوي صفحة من صفحات الصراع والاضطراب والتصدع للأمن القومي العربي الذي لا يزال غائبا عن الكثير، والذي يواجه قوى إقليمية ودولية عديدة تتصارع من أجل السيطرة عليه، والتحكم بالتطورات الجارية فيهِ كيفما تشاء.
يبقى السؤال الأهم: ليبيا إلى أين حيالَ رفقة هذا الكم الهائل من الأزمات والممحاكات وعدم الاتفاق، ناهيك عن تغليب لغة الشقاق؟ فلا شـرق يعلم حجم المأساة، ولا غـرب يعي خطورة ما يُحاك لبلادهم.
هل تعود الدولة من جديد لتضم الجميع وتملك السيادة؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة