تركيا تغرق الاقتصاد الليبي في الخسائر.. الأسوأ في 2020
ضاعفت أطماع تركيا في ثروات الشعب الليبي من خسائر اقتصاد بلاده، ما أدى إلى تدني مستوى المعيشة في هذا البلد النفطي الكبير.
فاتورة الخسائر التي تعمقت أيضا بفعل الانقسام الداخلي انعكست على المؤشر العام للاقتصاد الليبي الذي بات الأسوأ عالميا في 2020، وفق تقرير لصحيفة التليجراف البريطانية.
تقرير الصحيفة البريطانية ليس وحده من أشار إلى تدهور الاقتصاد الليبي الذي تحولت معظم موارده إلى تركيا، بأمر من فايز السراج رئيس حكومة الوفاق غير الشرعية، لدفع فاتورة الحرب، مقابل مساندة أنقرة للمليشيات المسلحة في العاصمة طرابلس بالأسلحة والمرتزقة.
في 5 ديسمبر/كانون الأول الجاري، كشفت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) اللثام عن تقرير لها، تحت عنوان "التكلفة الاقتصادية للصراع في ليبيا"، أكدت فيه أن الصراع في ليبيا أدى إلى انكماشٍ حاد في الاقتصاد الليبي، فانخفض الناتج المحلي الإجمالي وتراجعت معدلات الاستثمار.
وأشار التقرير إلى تقلص الاستهلاك بسبب عودة العمال الأجانب إلى بلدانهم الأصلية وتراجع دخل الليبيين، مؤكدا تباطؤ التجارة الخارجية نتيجة انخفاض كبير في صادرات بعض المنتجات الرئيسية كالنفط، إلا أن الأثر الأكبر كان على الواردات لتقلّص قطاع التشييد.
وأوضح أن هناك عوامل أدت إلى تفاقم الخسائر الاقتصادية، مثل تدمير الأصول الرأسمالية في قطاعات النفط والبناء والزراعة والتصنيع، وتراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية، وتحويل الموارد عن الرعاية الصحية والتعليم والبنية التحتية إلى الإنفاق العسكري.
الذهب الليبي
لم تكن العوامل السابقة وحدها قد أدت إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية في ليبيا، بل إن وكالة "بلومبرج" الأمريكية كشفت في أكتوبر/تشرين الأول الجاري، عن بيع تركيا نحو 22.3 طن ذهب في الربع الثالث من عام 2020، للمرة الأولى في 13 عاما، استولت عليها من ليبيا، بحسب المتحدث الرسمي باسم حزب الشعب الجمهوري التركي فايق أوزتراك.
وقال أوزتراك في تصريحات له، خلال سبتمبر/أيلول الماضي: "لقد بلغت وارداتُنا من الذهب في الأشهر الثمانية الأولى من هذا العام 16 مليار دولار، بينها 576 مليون دولار من ليبيا وحدها"، مشيرًا إلى أن هذه هي المرة الأولى التي نستورد هذا الحجم من ليبيا.
وحول كمية الذهب التي أعلنت عنها وكالة "بلومبرج"، قال الخبير الاقتصادي الليبي، عيسى رشوان، إن تركيا استولت على 22 طنا من احتياطي الذهب في مصرف ليبيا المركزي، خلال الفترة بين 2011 و2019، مشيرًا إلى أنه لا يوجد أي اتفاق بين ليبيا وتركيا في بيع أو شراء الذهب.
وأوضح الخبير الاقتصادي الليبي، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، أن ليبيا ليست دولة مصدرة للذهب بشكل رسمي، مشيرًا إلى أن الرقم الذي أعلنته وكالة "بلومبرج"، ببيع تركيا 22.3 طن ذهب خلال الربع الثالث من العام 2020، يتطابق مع نقص احتياطي الذهب الليبي في البنك المركزي الليبي سابقا ما بين 2011 و2019.
فواتير حرب
لم تكتف أنقرة بالاستيلاء على الذهب الليبي، بل إن ودائع مصرف ليبيا المركزي بطرابلس والتي تقدر بـ6 مليارات دولار، منحتها طرابلس لتركيا كقرض حسن دون فائدة، لإعانة اقتصادها على الصمود أمام الطلب المتزايد على الدولار والانهيار المستمر لليرة التركية.
تلك الودائع تحولت إلى مستحقات ستدفعها ليبيا كفواتير للحرب التي خاضتها أنقرة ضد الجيش الليبي، الذي كان يحاول تحرير طرابلس من المليشيات التي تسيطر عليها، بحسب سعيد رشوان الخبير الاقتصادي الليبي.
وأوضح سعيد رشوان أن ودائع ليبيا قد لا تكفي لسداد فاتورة الحرب الباهظة، والتي استخدمت فيها تركيا المرتزقة بالآلاف وحددت لكل منهم راتبًا يقدر بألفي دولار، بالإضافة إلى البوارج الحربية والسفن والطيران المسير، التي سخرتها تركيا لإنقاذ حكومة السراج.
نهب الوقود الليبي تحت سطوة المليشيات.. تجارة رائجة وأزمة معيشية
وأكد أن الحكومة المقبلة لن تستطيع المطالبة بتلك الأموال، وإذا فعلت فستخرج تركيا فاتورة الحرب -التي لا يعلم أحد عنها شيئًا- لتقوم بمقاصة وتطالب ليبيا بسداد المتبقي من الأموال.
ويشير إلى أن أنقرة لا تريد إنهاء النزاع في ليبيا، كونها المستفيد الوحيد، وستحرم من الواردات النفطية الليبية، التي تعتقد أنها أكثر أحقية بها، لذا تحاول عرقلة الاتفاقات والمسارات الحالية في ليبيا بقيادة البعثة الأممية.
هيمنة الشركات التركية
الذهب الليبي وفاتورة الحرب، لم تكن أسبابًا كافية لإشباع تركيا، بل بذلت الغالي والنفيس للهيمنة على موارد الاقتصاد الوطني وفرض شركاتها في البلاد بالأمر المباشر، بحسب إبراهيم الجراري رئيس الغرفة الاقتصادية الليبية المصرية، في تصريحات سابقة لـ"العين الإخبارية".
وأضاف أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يسعى لمعالجة اقتصاد بلاده المنهار وتدهور الليرة التركية بشكل كبير، عبر الاستحواذ على موارد الدولة الليبية سواء بالودائع في مصارفه، أو عبر شركاته التي يحاول تهيئة الأجواء لها في ليبيا.
وعبر الجراري عن رفض بلاده هيمنة الشركات التركية ومحاولتها السيطرة على المصارف والمطارات والموانئ في ليبيا، مؤكدًا أن تلك المحاولات تعد انتهاكا للسيادة الليبية.
الأنشطة الإرهابية
وتعددت الأسباب والخاسر هو الاقتصاد الليبي، بحسب معهد الاقتصاد والسلام الأسترالي، الذي كشفت بدوره، في تقرير صدر في 2 ديسمبر/كانون الأول الجاري، واطلعت "العين الإخبارية" على نسخة منه، عن أن الخزينة الليبية تكبدت خسائر تقدر بحوالي 4.9 مليار دولار خلال 12 سنة، بسبب الأنشطة الإرهابية.
وأحصى التقرير، 1923 هجوما إرهابيًا خلال الـ12 عامًا الأخيرة، أسفرت عن 1876 قتيلا إضافة إلى الخسائر المادية في البنية التحتية، لتحتل ليبيا المرتبة الثانية في أفريقيا من حيث عدد الهجمات وضحاياها.
وبحسب التقرير، فإن ليبيا احتلت المركز الخامس عالميًا، في الخسائر الناجمة عن الحوادث الإرهابية، في إشارة إلى فاتورة الحرب التي تدفعها حكومة السراج إلى تركيا، لمواجهة الجيش الوطني الليبي.
خطة لإعادة البناء
طارق العلمي، المشرف بـ«الإسكوا»، قال إن السلام في ليبيا يتطلب وضع خطة لإعادة البناء والإنعاش، تقوم على حوكمة اقتصادية فعالة وشفافة وإعادة تأهيل للقطاعات المتضررة من الصراع، داعيًا إلى تعزيز النمو والاستثمار من خلال برامج إعادة إعمار طارئة قصيرة المدى وإصلاح للمؤسسات على المدى الأبعد.
وحذر المسؤول الأممي من أن كلفة الصراع سترتفع بشكلٍ حاد إذا لم يُوَقَّع اتفاق سلام في السنوات المقبلة، مشيرًا إلى أنه إذا استمر الصراع حتى عام 2025 قد يضيف 628 مليار دينار ليبي (462 مليار دولار أمريكي وفقًا لسعر الصرف الرسمي) على الكلفة الاقتصادية، أي 80% من الكلفة في السنوات العشر الماضية.