بالوثائق.. فساد وسيطرة للمليشيات على سفارات "الوفاق" الليبية
"العين الإخبارية" ترصد صور ودلائل الفساد الذي عانته الخارجية الليبية وسفارتها وقنصلياتها بالخارج، في ظل حكومة الوفاق برئاسة السراج
لم تكن السفارات والقنصليات الليبية بمنأى عن هيمنة وسيطرة المليشيات، التي تسيطر على عملية صنع القرار في طرابلس، وفقا لما صرح به مسؤولون وتقارير الرقابة الإدارية وديوان المحاسبة الليبيين.
وانعكس ذلك بدوره في انتشار الفساد والمحسوبية وتجاوزات للأعراف الدبلوماسية المتعارف عليها.
"العين الإخبارية" ترصد في التقرير التالي صور ودلائل الفساد الذي عانته الخارجية الليبية بسفارتها وقنصلياتها بالخارج، خاصة في ظل حكومة الوفاق، التي سبق ووصفها رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح (في حوار سابق مع "العين الإخبارية") بأنها "مرتهنة للمليشيات".
وعلى الرغم من أن ليبيا بها وزارتي للخارجية: واحدة تابعة للحكومة المؤقتة (التي تسيطر على شرق البلاد وتم اعتمادها من البرلمان الليبي)، والأخرى تابعة لحكومة الوفاق (تسيطر على العاصمة وبعض مدن الغرب الليبي)، لكن الثانية من تنفرد بتعيين السفراء وصرف رواتبهم، لكونها المعترف بها أمميا رغم عدم نيلها الثقة من برلمان بلادها.
مخالفة للمدد القانونية
يقول ديوان المحاسبة الليبي (هيئة مستقلة للرقابة على المال العام) في آخر تقاريره (لعام 2017) إن عدد الموظفين الذين انتهت فترة عملهم بالخارج يبلغ 189 موظفا منذ سنوات، ولا يزالون مدرجين بقائمة الموظفين الموفدين للعمل بالخارج، حسب كشوفات قسم القيودات حتى سنة 2017.
وتابع التقرير، الذي اطلعت عليه "العين الإخبارية"، عدم قيام وزارة الخارجية باتخاذ الإجراءات اللازمة فيمن وصل سن التقاعد وعددهم 11 موظفا.
وعلى الرغم من أن تقرير ديوان المحاسبة اتهمته حكومة الوفاق حينها بـ"المبالغة"، أصدرت هيئة الرقابة الإدارية-طرابلس (تتبع حكومة الوفاق) الإثنين خطابا قالت فيه إن 117 موظفا بالسفارات والقنصليات الليبية بالخارج (تتراوح درجاتهم الوظيفية بين سفراء وملحقين ومحاسبين ومساعدين) تجاوزت مدة عملهم المدة المحددة قانونا.
وجاء في نص الخطاب: "من خلال متابعة الرقابة الإدارية لعمل السفارات الليبية بالخارج تبين لها بأن عدداً من الموظفين الموفدين للعمل بالخارج لدى السفارات والقنصليات والمنظمات الدولية قد تجاوزت مدة عملهم المدة المحددة قانوناً، ولم يتقيدوا بالعودة للعمل بالداخل، وهو ما يخالف نصّ المادة رقم (14) من القانون رقم (2) لسنة 2001 م بشأن تنظيم العمل السياسي والقنصلي".
فساد وأموال منهوبة
وبالعودة لتقرير ديوان المحاسبة، كشف التقرير عن "قصور وزارة الخارجية في متابعة الحسابات المصرفية التي تديرها البعثات الدبلوماسية بالخارج والأرصدة الدفترية وتقرير مصروفاتها وبيان بالودائع، وعدم موافاة الديوان ببيان عن هذه الحسابات رغم مطالباته المتكررة بما يعد مخالفة للفقرة (4) من المادة (53) من قانون ديوان المحاسبة.
ولفت التقرير إلى أن إجمالي الودائع لدى السفارات في الخارج تبلغ (211 مليونا و238 ألف دينار ليبي) لأجل "البناء والصيانة"، و"الودائع الخاصة بالمركز الثقافية".
وقال التقرير "إنه من خلال متابعة الودائع تبين أنه تم التصرف في الودائع المحالة للبناء والصيانة كما هو الحال في (روسيا وكندا والسويد وماليزيا والإسكندرية وإسبانيا وتنزانيا والسيشل وبروكسل وهولندا ومالي والمجر).
فضلا عن "التأخر الشديد في تنفيذ عملية الشراء والبناء، مما عرض الودائع للتأكل نتيجة انخفاض القيمة الشرائية للمبلغ مقابل ارتفاع أسعار العقارات كما في (تشيكيا وبلغاريا والدار البيضاء والرباط وكندا والمجر ومالطا وإسطنبول وأنقرة والقاهرة وباكستان وسيراليون ونيكاغورا لوسوتو وجزر القمر).
يضاف إلى ذلك، وفقا لتقرير ديوان المحاسبة "توقف تنفيذ العديد من المشاريع مما ترتب على ذلك التصرف في الأموال الخاصة بالوديعة بالمخالفة".
واستنكر ديوان المحاسبة "غياب المعلومات عن بعض الودائع، لعدم استجابة بعض السفارات وعدم اتخاذ الوزارة (الخارجية) للإجراءات القانونية اللازمة لحماية الودائع مما تسبب في التعدي على هذه الودائع وصرفها في غير الأغراض المخصصة لها".
وكشف التقرير أن "إجمالي الالتزامات القائمة على البعثات الليبية بالخارج خلال السنة المالية 2017 بلغ (131,415,437) دينار لـ87 بعثة، ومن خلال المتابعة تبين تقاعس وزارة الخارجية في متابعة الإيجارات الخاصة بالسفارات الليبية بالخارج وعدم تسديد تلك الإيجارات في المواعيد المحددة لها، الأمر الذي قد يرتب عليها مصاريف إضافية، ولوحظ أن قيمة الإيجارات بلغت (24,530,701) دينار، والتي تشكل ما نسبته (19%) من قيمة الالتزامات المخصصة لـ87 سفارة وبعثة".
شهادات
يقول عبدالحكيم معتوق، شغل مستشارا للمندوبية الليبية في القاهرة، إن هناك أعدادا كبيرة جدا في السفارات والبعثات الليبية بالخارج تابعين للمليشيات، مشيرا إلى أن حكومة الوفاق تأتمر وتخضع لسيطرة المليشيات.
ولفت معتوق، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إلى أن كثيرا من الذين أوفدوا كسفراء أو ملحقين أو ضباط أمن كانت وراءهم دعم المليشيات، دون مراعاة السلم الوظيفي ولا الاشتراطات الواجب توافرها لهم، لافتا إلى أن ذلك رتب أعباء مالية كبيرة جدا بالملايين لإرضاء قادة المليشيات والتابعين لهم.
وقال معتوق "قرار الرقابة الإدارية خطوة جيدة، لكن خارجية الوفاق ستعمل على الانتقاء في تنفيذ هذا القرار، ستعيد الموظفين الذين لا تقف وراءهم المليشيات أو الذين يدعمون الجيش الوطني الليبي وتحركاته في تطهير العاصمة من المليشيات، في حين لن تستطيع إعادة الموظفين المدعومين من المليشيات حتى لو انتهت مددهم القانونية منذ سنوات أو قاموا بمخالفات مالية".
ودلل معتوق على ذلك بقيام خارجية الوفاق بإقالة القائم بالأعمال في السفارة الليبية بمصر السفيرة حنان زغبية، بعد أن رفضت إدانة عملية الجيش الليبي في طرابلس.
كما لفت معتوق إلى أنه طُلب منه العمل كمستشار سياسي للمندوبية في القاهرة في يناير/كانون الثاني الماضي، لكن في أبريل/نيسان الماضي لم يصله التفويض المالي الخاص به وتم إقالته.
وحول سبب الإقالة، قال معتوق "هاتفني وزير الخارجية محمد سيالة والمندوب الليبي للجامعة العربية صالح الشماخي بالخروج ببيان لرفض دخول الجيش ووصف حفتر بالتمرد، وعندما رفضت تم إقالتي".
وكان الجيش الليبي أعلن منذ 4 أبريل/نيسان الماضي عملية عسكرية (طوفان الكرامة) بهدف تطهير العاصمة طرابلس من المليشيات وجماعة الإخوان، الذين يسيطرون على العاصمة منذ سنوات وبدعم من حكومة الوفاق.
قرارات تعيين "معيبة"
يقول يوسف العقوري، رئيس لجنة الخارجية بالبرلمان الليبي، إلى أن قرار تعيين السفراء من البداية كان "معيبا"، لأنه صدر من قبل رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج منفردا، وليس من قبل المجلس الرئاسي مجتمعا كما تنص المادة 8 من الاتفاق السياسي.
ولفت العقوري، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إلى أن البرلمان الليبي ولجنة الخارجية التابعة لها ينبغي أن تشارك في اختيار السفراء، لافتا إلى أنه رغم قرار السراج كان معيبا لكن بعض الدول رحبت بهؤلاء السفراء.
واستنكر العقوري أن "المجتمع الدولي لا يضع في حسبانه قرارات مجلس النواب الليبي"، منددا "هذا المجتمع الدولي هو من فرض على الليبيين حكومة (الوفاق) والتي شرعنت وجود المليشيات وعينتهم في مناصب سيادية، سواء في وزارات أو سفارات أو غيرها".
وبخصوص قرار الرقابة الإدارية، توقع العقوري عدم تنفيذ هذه القرارات "لأن المليشيات هي من تسيطر على طرابلس والقرار فيها، ولن تقبل عودة الموظفين الذين يتبعون لها، المليشيات هي من تملك القوة والقرار السياسي سواء في الداخل أو الخارج".
وأشار رئيس لجنة الخارجية بالبرلمان الليبي إلى أن هيئة الرقابة الإدارية الشرعية تتبع البرلمان الليبي ومقرها مدينة البيضاء، لافتا لضرورة إدراج الهيئة في طرابلس إلى هيئة الرقابة في البيضاء، متابعا أن الرقابة الإدارية من الجهات السيادية، وهي تُختار من السلطة التشريعية وليس التنفيذية.
مكافآت على الإرهاب
يقول الباحث السياسي الليبي ومدير منظمة سلفيوم للدراسات والأبحاث جمال شلوف "في عام 2012 وضمن برنامج ابتدعته حكومة علي زيدان تم تسكين قادة الميلشيات المسلحة في السفارات والقنصليات والملحقيات بالخارج".
وتابع شلوف، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إنه بعد عملية فجر ليبيا الإرهابية (قام بها الإخوان عام 2014 لدعم سيطرتهم على طرابلس) تم مكافأة قادة الميلشيات المشاركين فيها بتوظيفهم في الخارجية، وتسكينهم أيضا في السفارات والقنصليات والملحقات.
وأشار إلى أنه مع تولي السراج (عام 2015) السلطة "فتح الباب على مصراعيه أمام سيطرة المليشيات، خاصة على الوظائف الدبلوماسية"، لافتا إلى وجود موظفين وملحقين في السفارات بدون شهادات جامعية.
وترتب على ذلك، وفقا لشلوف، أن تتعامل هذه العناصر المليشياوية بمبدأ القوة، فأضحى كل سفير أو قنصل حينما تنتهي مدته أو يُستبدل يرفض القرار ويهدد بفضح حقيقة الموظفين المعينين في سفارته والاختلاسات والسرقات، فيتم تركه في المنصب حتى بعد نهاية مدته وحتى بعد التقاعد.
ولفت الباحث الليبي إلى أن السفارات الليبية "باب فساد كبير جدا ونهب ممنهج للمال العام"، مشيرا إلى أن الحكومة المؤقتة "لا سيطرة لها على السفارات الليبية، لأن العالم يعترف بخارجية الوفاق فقط".
تجاوزات دبلوماسية أخلاقية
أعلن ديوان المحاسبة في 29 أغسطس/آب الماضي قرارا بوقف مندوب ليبيا لدى جامعة الدول العربية، لارتكابه مخالفات جسيمة بالمندوبية، وجاء ذلك القرار بعد تداول وسائل التواصل الاجتماعي تسريبا لمكالمة هاتفية له مسيئة أخلاقيا.
في السياق، يقول عبدالحكيم معتوق، المستشار السياسي للمندوبية الليبية بالقاهرة سابقا، إن الشماخي "بلغ سن التقاعد وزوّر في عمره، واستخرج جوازين دبلوماسيين، كل جواز بتاريخ ميلاد مختلف عن الآخر، فضلا عن تجاوزات مالية بالملايين وفساد بلغت ذروتها مع محمد عبدالجواد نائب رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب السابق في المصرف العربي الدولي.
ولفت معتوق أنه وبعد فقد عبدالجواد منصبه وإحالة ملفه للنائب العام المصري، أعطاه وزير الخارجية الليبي سيالة جواز سفر وعينه في المندوبية حتى "يغطي على حالات النهب التي تتم بينه وبين عبدالجواد والشماخي".
وأوضح المستشار السياسي السابق للمندوبية الليبية أن هناك قضايا تحرش كثيرة سجلت على الشماخي، مختتما "عندما تحكم البلد عصابة نتوقع أكثر من هذا".
وفي حادثة دبلوماسية لقت استغرابا، رفض السفير محمد فايز جبريل، في سبتمبر/أيلول 2015، تسليم مهامه للقائم بالأعمال المكلف بإدارة السفارة الليبية في القاهرة محمد صالح الدرسي، رغم انتهاء مدة الأول قانونا.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2014، رفض سفير ليبيا في أوغندا فوزي بوكتف (المقال والقيادي السابق في كتيبة 17 فبراير والمتهم بمقتل اللواء عبدالفتاح يونس) تسليم السفارة الليبية في كامبالا للسفير الليبي الجديد (خالد السائح).
وفي سبتمبر/أيلول 2018، اتهمت المواطنة الروسية "سنيجانا" السفير الليبي في روسيا مصطفى بوسعيدة بالتحرش بها جنسيا داخل مبنى السفارة، وتناقلت وسائل إعلام أنباء بفصله من منصبه جراء ذلك.