"حركة عدم الانحياز".. "حياد" يواجه النزاعات والاستقطاب بالعالم
اكتسب مفهوم "عدم الانحياز" زخما سياسيا في الأمم المتحدة خلال ذروة الحرب الباردة، التي انتهت في حوالي عام 1989.
وشكلت حركة عدم الانحياز المكونة، التي في عضويتها 120 عضوًا، والتي تأسست في بلغراد عام 1961، واحدة من أكبر وأقوى التحالفات السياسية، في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، بقيادة دول مثل يوغوسلافيا والهند ومصر وغانا وإندونيسيا وزامبيا والجزائر وكوبا وسريلانكا.
- الإمارات تؤكد أهمية التمسك بمبادئ حركة عدم الانحياز
- الإمارات تدعو "عدم الانحياز" لعمل جماعي في مواجهة كورونا
وتأتي القمة التي تنطلق، الخميس، في العاصمة الأذربيجانية باكو، بمشاركة عربية واسعة، على وقع نزاعات دولية على رأسها العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، في محاولة لإيجاد حلول للتحديات والتهديدات المتزايدة للأمن والاستقرار الدوليين.
وتسعى القمة لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم من خلال إيمانها بضرورة الالتزام بالطرق السلمية لحل المنازعات الدولية.
أصل مصطلح "عدم الانحياز"
كان أول من صاغ مصطلح "عدم الانحياز" هو السياسي والدبلوماسي الهندي، فينجاليل كريشنا مينون، الذي شغل منصب وزير دفاع الهند خلال فترة من حكم جواهر لا نهرو، أول رئيس وزراء للهند بعد الاستقلال، في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، عام 1953، شارحا به سياسات حكومته الحيادية والمناهضة للاستعمار.
في العام التالي استخدم نهرو المصطلح خلال خطاب في كولومبو بسريلانكا عام 1954.
مؤتمر باندونغ
عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية بكل مآسيها وأحزانها، شهد العالم تشكل نظام دولي جديد يتسم بالقطبية الثنائية؛ حيث ظهرت على المسرح الدولي الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، وبدأ العالم يدخل مرحلة جديدة من تاريخه عُرفت بالحرب الباردة، فتشكلت أحلاف عسكرية استقطب فيها كل من المعسكرين الشيوعي والرأسمالي الدول التي تدور في فلكه، وفي ظل هذا الاستقطاب الشديد لاحت بواعث حركة عدم الانحياز.
وفي بداية حقبة الخميسنات شهد العالم أكبر حركة تحريرية في تاريخه المعاصر تمثلت في استقلال جزء كبير من المستعمرات في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وبدأت هذه الدول تطالب بمكان لها في المسرح العالمي مستقلة في ظل القواسم المشتركة التي تجمعها سويا، أهمها: معارضة سياسة الارتباط بأي من المعسكرين الشرقي أو الغربي، والسعي لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وإنهاء السيطرة الأجنبية بكافة أشكالها.
عقد المؤتمر في مدينة باندونغ، عاصمة مقاطعة جاوة الغربية في إندونيسيا، خلال الفترة من 18-24 أبريل/ نيسان عام 1955، وحضرته وفود من 29 دولة، أبرزهم نهرو، والرئيس الأندونيسي أحمد سوكارنو، وجمال عبد الناصر. وكان هذا المؤتمر بمثابة نقطة الانطلاق الأولى لحركة عدم الانحياز، وساد بين الحضور روح من التفاهم أُطلق عليها آنذاك "روح باندونغ"، الذي تمثلت أهدافه في تعزيز التعاون الاقتصادي والثقافي الأفرو آسيوي، ومعارضة الاستعمار بكل صوره بما فيها الاستعمار الجديد، وبحث القضايا العالمية، وانتهاج سياسات مشتركة في العلاقات الدولية.
التأسيس والهيكلية
بعد 6 أعوام من مؤتمر باندونغ أعلن تأسيس حركة دول عدم الانحياز خلال مؤتمر القمة الأول الذي عقد في العاصمة اليوغسلافية بلغراد في الفترة من 1-6 سبتمبر/أيلول عام 1961، بمشاركة حضرته 25 دولة هي: الهند، ومصر، وأفغانستان، والجزائر، واليمن، وميانمار، وكمبوديا، وسريلانكا، والكونغو، وكوبا، وقبرص، وإثيوبيا، وغانا، وغينيا، واندونيسيا، والعراق، ولبنان، ومالي، والمغرب، ونيبال، والسعودية، والصومال، والسودان، وسوريا، وتونس، إلى جانب يوغوسلافيا.
وأبرز مؤسسي الحركة هم رئيس وزراء الهند جواهرلال نهرو، والرئيس اليوغسلافي جوزيف بروز تيتو، والرئيس المصري جمال عبد الناصر، والرئيس الغاني كوامي نكروما، والأندونيسي أحمد سوكارنو، والجزائري هواري بو مدين.
وعلى خلاف المنظمات العالمية ليس لحركة عدم الانحياز دستور رسمي أو سكرتارية دائمة، ويتمتع جميع الأعضاء بنفس الوزن داخل الحركة، ويتم التوصل إلى قرارات الحركة بالإجماع خلال مؤتمرات القمة التي تجمع رؤساء الدول أو رؤساء الحكومات.
الأهداف
وأكدت حركة عدم الانحيار في بيان هافانا عام 1979، أن هدف الحركة هو مساعدة الدول في الحفاظ على "استقلالها الوطني وسيادتها وسلامة أراضيها وأمنها في نضالها ضد الإمبريالية والاستعمار بشكليه القديم والجديد، والعنصرية وكل أشكال العدوان الخارجي".
لكن مفهوم عدم الانحياز إلى أي من القوتين العظميين لم يكن في حد ذاته هو المعيار، إذ كان بينها بعض الدول التي ترتبط بتحالفات وثيقة مع الولايات المتحدة أو الاتحاد السوفيتي؛ فكانت هناك الصين ترتبط ارتباطا وثيقا بالاتحاد السوفيتي، واليابان الموالية للولايات المتحدة.
كما تأثرت حركة عدم الانحياز بانتهاء الحرب الباردة وتغير الخريطة السياسة والاقتصادية الدولية، وتحول بعض أعضائها مثل الهند والصين ودول شرق آسيا وماليزيا إلى دول صناعية متقدمة شكلت تكتلات اقتصادية إقليمية ما انعكس سلبا على الدور الاقتصادي للحركة.
محاولات لتفكيك الحركة
حاول سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة الراحل ريتشارد هولبروك (1999-2001) كسر هذا التضامن، ففي كلمته التي ألقاها أمام المجموعة الأفريقية في الأمم المتحدة، قال هولبروك: "أطالب بكل احترام الدول الأفريقية إعادة النظر في ارتباطها بحركة عدم الانحياز. حركة عدم الانحياز ليست صديقة لأفريقيا في هذه المرحلة. أهدافكم وأهداف الحركة ليست مترادفة".
وقال هولبروك إن "صوت أفريقيا ضعيف بسبب ارتباطها بحركة عدم الانحياز. لم أر قضية واحدة أفادت فيها مواقف حركة عدم الانحياز بالفعل المجموعة الأفريقية".
وقال المبعوث الأمريكي أيضا إن حركة عدم الانحياز ، أكبر مجموعة سياسية منفردة في الأمم المتحدة ، يجب أن تتوقف عن
وأضاف أن "الدول الأفريقية يجب أن تفكر في النأي بنفسها عن حركة عدم الانحياز، حتى تتمكن من حماية المصالح الأفريقية"، بحسب زعمه.
قمة أذربيجان 2023
وتأتي القمة التي تنطلق، الخميس، في العاصمة الأذربيجانية باكو، على وقع نزاعات دولية على رأسها العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وسط محاولات استقطاب نحو تحالفات تزكي الصراع بالعالم، وقد تقود لتوسع تلك الحرب حال انزلاق أي طرف في المشاركة بشكل مباشر في تلك الحرب.
وتركز أعمال قمة مجموعة الاتصال لحركة عدم الانحياز، على فترة ما بعد جائحة كورونا، والتحديات والتهديدات المتزايدة للأمن والاستقرار الدوليين.
وستسلط القمة الضوء على أهمية العلم والابتكار والتكنولوجيا والرقمنة لخروج العالم من تداعيات الجائحة.
كما سيناقش المشاركون بالقمة الإجراءات قصيرة وطويلة المدى التي تتخذها الحكومات لحماية مواطنيها من الآثار الاقتصادية السلبية للوباء وتحفيز النمو الاقتصادي بعد الجائحة.
وكانت أذربيجان، التي اختارت عدم الانضمام إلى أي تحالف عسكري في سياستها الخارجية، حصلت في 26 مايو 2011، على دعم جماعي من الدول الأعضاء في الحركة في جزيرة بالي الإندونيسية وأصبحت عضوًا كامل العضوية في حركة عدم الانحياز.
وخلال الفترة 25-26 أكتوبر/تشرين الأول 2019، استضافت أذربيجان القمة الثامنة عشرة لرؤساء دول وحكومات الحركة في باكو. وحضر الحدث ممثلون رفيعو المستوى من 120 دولة عضو في الأمم المتحدة وممثلون عن 42 منظمة دولية تابعة للأمم المتحدة.
ووفقا لقانون الحركة كان المفترض أن تنتهي رئاسة أذربيجان للحركة عام 2019، لتتولى أوغندا الرئاسة، لكن أوغندا طلبت تأجيلها لمدة عام لترحب جمهورية أذربيجان باستمرارها في حركة عدم الانحياز حتى عام 2023.
فهل تنجح القمة في مواجهة التحديات الخطيرة التي تواجه عالمنا اليوم وتدعم جهود تحقيق الأهداف المنشودة في إقامة عالم آمن ومستقر؟.