أزمة السيولة بالسودان.. معاناة من نوع خاص
المصارف السودانية تشهد، لأكثر من شهر، شحا في العملات المحلية، نتيجة لإجراءات حكومية معلنة، لكن الوجه الآخر للأزمة يرويه سودانيون.
تشهد المصارف السودانية، لأكثر من شهر، شحا في العملات المحلية "الجنيه السوداني"، وذلك نتيجة لإجراءات حكومية معلنة تقضي بامتصاص وتحجيم السيولة بغرض وقف المضاربات في سوق النقد الأجنبي.
وكشف عملاء بنوك (مواطنين، رجل أعمال) لـ"العين الإخبارية" عن تعرضهم لمعاناة بالغة في الحصول على أموالهم من الجهاز المصرفي، بسبب تحديد البنوك لحجم السحب اليومي، بسبب شح السيولة.
وعلى الرغم من نجاح سياسة "امتصاص السيولة" في إحداث استقرار بسعر صرف الجنيه مقابل الدولار عند (33) جنيها للدولار، فإن خبراء اقتصاديين يحذرون من ظلال سلبية ستلقيها الإجراءات النقدية، لعل أقلها هز ثقة العملاء بالجهاز المصرفي.
ويصطف آلاف السودانيين بشكل يومي، أمام منافذ البنوك والصرافات الآلية طلباً للسحب النقدي ويمضون ساعات طويلة دون أن يتحصلوا على المبلغ الذي يريدونه لتلبية احتياجاتهم.
وتفاقمت أزمة السيولة بشكل لافت خلال اليومين الماضيين، حيث ظل المواطنون يجوبون شوارع العاصمة الخرطوم بحثا عن "صراف آلي" داخل الخدمة لسحب الأموال.
ويروي محمد بشير – موظف حكومي – أنه طاف عدداً من الصرافات الآلية بالعاصمة الخرطوم ولم يجد أي منها تمت تغذيته بالنقود، ليتمكن من الصرف، لافتاً إلى أنه يبحث عن صرف مبلغ من المال لتغطية مطلوبات علاجية، لا سيما أن بعض المستشفيات الخاصة والحكومية ترفض تسلم (شيك) لصعوبة صرفه في الوقت الراهن.
ويقول لـ"العين الإخبارية": "لن أودع أموالي في البنك مجدداً وسأحتفظ بكل ما أجنيه بعيداً عن الجهاز المصرفي حتى أجدها عندما أحتاجها في أي وقت".
وتبدو حالة اليأس والإحباط واضحة على الآلاف من عملاء البنوك السودانية الذين اصطفوا أمام الصرافات الآلية ونوافذ المصارف، لسحب "الملاليم" لقضاء احتياجاتهم اليومية ليحكوا صورة معاناة بوجه مختلف وغير مألوفة بالنسبة لهم.
ولم تكن معاناة المواطن وحدها تعكس الآثار السلبية لسياسة تحجيم النقد، بينما أطلت الممارسة برأسها على رجال الأعمال الذين أعلنوا تكبدهم خسائر فادحة نتيجة لفشل إكمال صفقات تجارية لعدم توفر السيولة.
وأكد رجل الأعمال السوداني أبو القاسم محمد برطم، حدوث تداعيات سلبية على أعمالهم نتيجة لتقييد السحب النقدي، ما أدى إلى خسائر يجري إحصاؤها حاليا.
واعتبر برطم، الذي يشغل كذلك منصب عضو ببرلمان السودان لـ"العين الإخبارية"، أن قضية سعر الصرف يمكن تحسينها بطرق مختلفة "ولكن الدولة دائما تلجأ للحلول السهلة ويكون ضحيتها المواطن في أغلب الأحيان".
وأكد أن الإجراءات الحالية يغلب عليها الطابع الأمني والإداري، ولا تتضمن رؤية اقتصادية فعلية تمكن من جذب موارد للبلاد، وتؤدي إلى انتعاش حقيقي لقيمة الجنيه مقابل العملات الأجنبية.
وبالنسبة لأستاذ الاقتصاد المشارك بجامعة المغتربين محمد الناير، فإن الحكومة تمتلك وسائل أكثر فاعلية من تحجيم السيولة للسيطرة على النقد، تتركز في التحول السريع لمنظومة الدفع الإلكتروني التي تم إطلاقها مؤخرا بالبلاد.
وقال الناير لـ"العين الإخبارية" إن حزمة الإجراءات الاقتصادية يمكن أن تحدث استقرارا مؤقتا في سعر الصرف، ولكنها ستعصف بسمعة الجهاز المصرفي وتؤدي لنزوح العملاء عنه.
ونصح الخبير الاقتصادي، الحكومة بضرورة الإسراع في معالجة هذه الأزمة بغرض حماية سمعة المصارف، وحتى لا يفقد العملاء الثقة بها ويتركونها لفضاءات أرحب.
ولكن الحكومة السودانية، بدت واثقة من جدوى حزمة الإجراءات الاقتصادية، والتي بينها امتصاص السيولة، في ضبط سعر الصرف وأسعار السلع الاستهلاكية التي شهدت غلاء فاحشا.
وكان وزير الدولة بوزارة المالية السودانية الدكتور عبد الرحمن ضرار، قد أعلن منتصف فبراير/شباط الماضي، أن قرار امتصاص السيولة حقق أغراضه بخفض سعر الدولار من 43 إلى 32 جنيها، مؤكدا أن الإجراءات لن تستمر أكثر من أسبوع، وهو ما لم يحدث وما تزال السياسة النقدية التقشفية مستمرة.
ويترقب عملاء البنوك، تنفيذ توجيهات للرئيس السوداني عمر البشير صادرة الأحد، تقضي بتمكين أصحاب الودائع المصرفية من سحب أموالهم مع حفظ التوازن حتى لا ترتفع الأسعار.
ودافع نائب رئيس لجنة الشؤون الاقتصادية في برلمان السودان الأمين حسين آدم، بشدة عن حزمة الإجراءات النقدية ووصفها بالناجحة تماما.
وقال الأمين لـ"العين الإخبارية" إنه لولا تحجيم السيولة لوصل سعر الدولار الأمريكي إلى 60 جنيها بسبب المضاربات الكبيرة التي شهدتها السوق الموازية للنقد الأجنبي الشهر الماضي، نافيا عدم وجود معاناة للعملاء في سحب ودائعهم بالقدر المتداول، مؤكدا أن النقد المتوفر لدى المصارف يكفي احتياجات أصحاب الودائع.
وأقرت لجنة ضبط سعر الصرف بالسودان التي يرأسها رئيس الجمهورية عمر البشير أواخر يناير/كانون الثاني الماضي، إجراءات تهدف لامتصاص السيولة وتقليص الحجم المتداول من النقود، في محاولة للسيطرة على سعر الصرف واستعادة العافية للعملة الوطنية "الجنيه" التي شهدت تدهوراً مريعاً مقابل النقد الأجنبي.
وجاء القرار بعد أن أدت ميزانية تقشفية إلى تصاعد كبير في أسعار السلع الاستهلاكية والدولار الأمريكي مقابل الجنيه السوداني، مع ارتفاع لمعدلات التضخم إلى نسبة فاقت 52% حسب آخر إحصائية رسمية.
ونشبت على إثر هذا التدهور الاقتصادي، احتجاجات سلمية في أنحاء متفرقة من السودان، وانتهت باعتقالات واسعة شملت سياسيين ونشطاء وصحفيين.
aXA6IDE4LjE5MS4xNjIuNzMg
جزيرة ام اند امز