يورجن كلوب.. الوجه الآخر لمدرب عبقري أعاد هيبة ليفربول
تقرير خاص للعين الرياضية حول مسيرة الألماني يورجن كلوب اللاعب قبل أن يصبح مدربا وكيف أصبح علامة تجارية في بلاده.. طالع التفاصيل
إذا قادك الحظ يوما ما لمشاهدة التلفزيون الألماني أو النمساوي، فحتما ستقع عيناك على يورجن كلوب المدير الفني لليفربول الإنجليزي، مرتين أو أكثر كل ساعة؛ فتارة يحاول الرجل إقناعك بشراء سيارة أو مشروب غازي معين، وتارة أخرى يغريك بماكينة حلاقة جديدة للرجال.
هذا هو أحد أوجه كلوب أو "كلوبو" كما يعرف في ألمانيا، حيث يعتبر المدرب البالغ من العمر 53 عاما، الوجه الإعلاني الأشهر في الدول الناطقة بالألمانية، وعلامة تجارية رائجة بقوة، فضلا عن كونه محاضرا في الجامعة.
كلوب المعروف بشغفه وحماسه الكبيرين، لم يكن عاديا يوما ما، فهو المدرب الأفضل في العالم والأكثر شعبية خلال الوقت الراهن، وأفضل مطور للمواهب ومحفز من طراز عالمي، وأخيرا علامة تجارية، وفق مجلة فوكس الألمانية.
ورغم النجاح الكبير الذي حققه كلوب، إلا أنه حافظ على تواضعه وهدوئه، كما أكد غيدو شيفر زميله السابق في نادي ماينز الألماني، خلال تصريحات صحفية سابقة.
لكن كيف تطورت شخصية كلوب لتصبح بما هي عليه الآن؟ هذا ما تجيب عليه "العين الرياضية" في تقريرها، الذي يأتي بالتزامن مع رفع يورجن كأس الدوري الإنجليزي مساء يوم الأربعاء، كأول مدرب ألماني يتوج باللقب في التاريخ.
لاعب يصارع الهبوط
لم يكن كلوب لاعبا شهيرا، ولم يحظ بفرصة اللعب في دوري الدرجة الأولى الألماني "بوندسليجا"، وخاض 325 مباراة مع ماينز في الدرجات الأدنى، كان في أغلبها يصارع الهبوط مع الفريق.
والطريف أن كلوب لعب طوال مسيرته في كل مراكز الملعب، حيث بدأ كلاعب وسط ثم انتقل للدفاع والظهير الأيمن، ولعب في أحيان أخرى كمهاجم لاستثمار طوله الفارع، لكنه لم يلفت أنظار أندية البوندسليجا.
وحتى في أفضل يوم في حياته كلاعب كرة قدم، وتحديدا ١٣ أغسطس/ آب 1991، حين نجح في تسجيل ٤ أهداف في فوز فريقه 5-0 خارج ملعبه، لم يسانده الحظ للانتقال إلى الدرجة الأولى.
روبرت يونج مدرب ماينز آنذاك قال في تصريحات عقب المباراة: "العام المقبل، كلوب لن يكون معنا"، بينما صرح يورجن نفسه بقوله: "الآن أحلم بالانتقال للبوندسليجا"، ورغم ذلك لم يحاول أي ناد التواصل معه لضمه.
لكن مسيرة كلوب المتواضعة كلاعب وفشله في تحقيق حلم اللعب في البوندسليجا أو قيادة ماينز نحو التأهل، شكل حياته التدريبية منذ بدايتها، خاصة في فترة توليه قيادة الأخير.
كما أن كلوب كان دائم السخرية من حياته كلاعب، حيث قال في تصريحات صحفية إبان توليه تدريب بروسيا دورتموند: "أملك قدما تناسب دوري الدرجة الرابعة، وعقلا يناسب البوندسليجا".
يطارد الأحلام القديمة
بدأت الحياة التدريبية لكلوب عندما كان لاعبا وبالتحديد في عام 1995، حيث تعلم أهم درس شكل فلسفته التدريبية، وهو الجمع بين الحافز واستثمار السمات الشخصية لكل لاعب، والتنظيم والتكتيك، على يد فولفجانج فرانك الذي أصبح مدرب ماينز في هذا العام.
قام فرانك، أحد أتباع المدرب الشهير أريجو ساكي، بفحص صفات اللاعب وقرر أن أكثر ما يحتاج إليه هو "رأس" كلوب، وتفكيره السريع ومهاراته التنظيمية، لذلك جعل يورجن ظهيرا أيمن في واحدة من من خطط اللعب الثورية في ألمانيا آنذاك.
وفي أوائل عام 2001، كان ماينز يبحث عن مدير فني جديد يسير على نهج وخطط فرانك، لكي يصبح مديرًا فنيا. والبقية كما يقولون، هو التاريخ.
وباستخدام خطط فرانك الثورية في تنظيم 4-4-2، وتطوير خطط الضغط العكسي واللعب المباشر، نجح كلوب "المدرب" في قيادة ماينز للبوندسليجا في 2004 محققا حلمه القديم. كما قاد الفريق في الفترة بين 2004 و2008 لبلوغ الدوري الأوروبي في إنجاز غير مسبوق.
وفي هذا الإطار، قال كريستيان هايدل المدير الرياضي لنادي ماينز الذي عين كلوب مدربا للفريق وقتها، في تصريحات لـ"العين الرياضية": "إن قصة يورجن مع الفريق كانت استثنائية ولم تحدث في تاريخ التدريب".
فيما قالت سيلكه بانك، المتحدثة باسم نادي ماينز في تصريحات خاصة أيضا: "يورجن شخص رائع ومدرب ممتاز، استطاع تحقيق نجاحات كبيرة معنا".
وتابعت: "كانت مسيرة كلوب التدريبية مع ماينز غير عادية، وتعكس أفكاره وعقليته كمدرب، ونجاحه خالد في عقول مسؤولي النادي ومشجعيه، إننا كنادي ومشجعين ومدينة (ماينز) فخورون جدا بما يحققه، ويسعدنا نجاحه".
وحول تصريح كلوب بأنه يرغب في العودة لماينز عقب نهاية عقده الحالي مع ليفربول في 2024، قالت بانيك: "جميعنا هنا ينتظر هذه اللحظة بشغف".
رحلة أسطورية
في 2008، بدأت رحلة جديدة لكلوب مع بروسيا دورتموند، حيث قاد الفريق في أول مواسمه للمركز السادس في ترتيب البوندسليجا بعد سنوات من التخبط والأزمات المالية.
ثم حصد كلوب لقب الدوري المحلي مع دورتموند عامين متتاليين بداية من 2010، وتأهل لنهائي دوري أبطال أوروبا في 2013 وخسر أمام بايرن ميونيخ بهدفين مقابل هدف.
رحلة كلوب مع دورتموند كانت أسطورية، لأنها انتشلت النادي الذي كان على شفا الإفلاس، ووضعته في مصاف كبار اللعبة في أوروبا، بامكانيات محدودة وميزانية انتقالات لا تقارن بأي فريق كبير في القارة، وفق مجلة فوكس الألمانية.
وفي إفادة لـ "العين الرياضية"، ذكر قسم الاتصال والإعلام في نادي دورتموند أن: "كلوب هو قائد رحلة صعود الفريق إلى واجهة كرة القدم الأوروبية، ويملك شخصية غير عادية".
وأضاف القسم "النادي والمشجعون فخورون بيورجن، وينظرون له بتقدير واحترام شديدين لدوره مع الفريق".
ومع ليفربول، بدأ كلوب مسيرته في 2015، بالتعهد بالفوز ببطولة خلال 4 سنوات، ودعا المشجعين للتحول من الشك للإيمان بقدرات الفريق.
وخلال رحلته مع الناديين، نجح كلوب في تطوير اللاعبين بشكل مبهر، وقاد لاعبين شباب وواعدين ليكونوا في قمة الكرة العالمية، مثل روبرت ليفاندوفسكي ماركو رويس وماريو جوتزه ومحمد صلاح وروبرتو فيرمينو وساديو ماني، وغيرهم.
الوجه الآخر
كلوب ليس مدربا فذا ومطورا للمواهب فحسب، بل إنه واجهة إعلانية وعلامة تجارية في التسويق بالدول الناطقة بالألمانية، كما سلف الذكر.
وكانت بداية هذه القصة غير مألوفة، وفي عام 2008، رفض نادي هامبورج الألماني التعاقد مع كلوب بعد وصول المفاوضات معه لمرحلة متقدمة للغاية، بسبب "مظهره الخارجي غير المناسب لخطط النادي التسويقية"، وفق صحيفة هاندلس تسايتونج الألمانية.
وكان كلوب في ذلك الوقت يرتدي الجينز الواسع، ولا يهذب ذقنه وأسنانه غير منتظمة، ولا يعبأ من الأساس بالمظهر الخارجي، وفق الصحيفة ذاتها.
لكن المدرب الألماني أحدث فيما بعد ثورة كبيرة في تسويق صورته، وبعد زيارة طبيب أسنان أكثر من مرة، بجانب بعض الاهتمام بالمظهر والاستفادة من شعبيته الجارفة، تحول كلوب إلى أهم وجه إعلاني ناجح.
ووفق صحيفة دي فيلت الألمانية، كان كلوب أو "كلوبو" يجني 2.3 مليون يورو سنويا من الإعلانات في 2014، ثم تخطت أرباحه الـ5 ملايين خلال الفترة الأخيرة.
ويسيطر يورجن على الفقرات الإعلانية الناطقة بالألمانية، وبات الناس يعرفون أي سيارة يفضلها كلوب، وفي أي بنك يضع أمواله، وأي مشروب يتناول، بفضل ظهوره المستمر في الإعلانات.
وبالإضافة إلى ذلك، يلقي كلوب الذي حصل في ١٩٩٥ على شهادة جامعية في التربية الرياضية، محاضرات بين حين وآخر للطلبة في جامعة كولونيا الألمانية عن تأهيل وإدارة الفرق الرياضية.
بطل ثلاثي الأبعاد
مع تتويجه مع ليفربول بطلا للدوري الإنجليزي مساء يوم الأربعاء في ملعب آنفيلد، أصبح كلوب بطلا مع 3 أندية مختلفة.
وعن ذلك، قال في تصريحات للصحفيين يوم الثلاثاء: "عملت لدى ٣ أندية رائعة واستمتعت بكل لحظة، وكونت العديد من الصداقات، لو رغبت بحضور مباراة، فأنا أعلم أن الأبواب ستكون مفتوحة أمامي".
كما أن المدير الفني الألماني سيصعد منصة التتويج بعد يوم من فوزه بلقب أفضل مدرب في العالم في تصويت تجريه سنويا مجلة كيكر الألمانية.