«التجنيد باليانصيب».. أزمة تعصف بحكومة ميرتس

وسط مساع ألمانية لإعادة بناء جيش قادر على مواجهة التهديدات المتنامية، وفي خضم «عزوف واضح» عن التطوع في الخدمة العسكرية، طرحت حكومة برلين مقترحا أثار انقسامًا حادًا.
المقترح الذي أثاره المستشار فريدريش ميرتس، بإعادة التجنيد الإلزامي بنظام «القرعة العسكرية» تسبب في أزمة سياسية داخلية متصاعدة في ألمانيا، وفقا لصحيفة «التليغراف» البريطانية.
انقسام حكومي
وتعمل حكومة ميرتس -التي تضم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ والحزب الديمقراطي الاجتماعي المنتمي إلى يسار الوسط- على إعداد نظام جديد للخدمة العسكرية يستند في الأساس إلى التطوع، بغية جذب عشرات الآلاف من المجندين الجدد.
لكن سرعان ما دبّ الخلاف بين الحزبين حول فعالية هذا النظام؛ حيث يرى حزب ميرتس أن التجنيد الطوعي لن يسدّ النقص العددي في الجيش، ويطالب بإدخال "قرعة جزئية" تلزم بعض الشباب بالخدمة، في المقابل يتمسك الحزب الديمقراطي الاجتماعي بموقفه الرافض لأي شكل من أشكال الإلزام، مؤكدًا أن الخدمة يجب أن تبقى طوعية بالكامل.
فيتو مفاجئ
الأزمة تفجّرت هذا الأسبوع بعد استخدام وزير الدفاع بوريس بيستريوس، المنتمي إلى الحزب الديمقراطي الاجتماعي، حق النقض ضد مقترح التجنيد بالقرعة، معلناً رفض حزبه "دعم أي نظام يتضمن التجنيد الإجباري ولو جزئياً".
وعقب ذلك، ألغت الحكومة بشكل مفاجئ مؤتمراً صحفياً كان مقرراً مساء الثلاثاء للإعلان عن تفاصيل ما سُمّي بـ
"نظام التجنيد المخفف"، في مؤشر واضح على عمق الانقسام داخل الائتلاف.
وقال بيستريوس أمام البرلمان (البوندستاغ): "نحن منقسمون حول أفضل السبل لجعل النظام المقترح قابلاً للتطبيق، وهذا أمر طبيعي في نقاش ديمقراطي"، داعياً إلى حوار "صريح ومنفتح" خلال الأسابيع المقبلة للتوصل إلى تسوية.
إعادة بناء الجيش
منذ توليه منصبه في مايو/أيار الماضي، جعل ميرتس من إعادة بناء الجيش الألماني أولوية وطنية، متعهداً بتحويل "البوندسفير" إلى أقوى جيش تقليدي في القارة الأوروبية.
غير أن خطة الخدمة الطوعية التي طرحها وزير الدفاع تُواجه انتقادات متزايدة، إذ يرى خصومها أنها غير كافية لتحقيق هدف رفع عدد القوات من 180 ألف جندي إلى 260 ألفاً، إضافة إلى إنشاء قوات احتياط تضم 200 ألف آخرين.
من الماضي للحاضر
كانت ألمانيا قد ألغت التجنيد الإلزامي عام 2011، بعد أن اعتُبر غير ضروري في مرحلة ما بعد الحرب الباردة. لكن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا عام 2022 أعادت الجدل إلى الواجهة، مع تصاعد الدعوات لإعادة النظر في القدرات الدفاعية للبلاد.
وفي ظل رؤيته لأوروبا أكثر استقلالية عن المظلة الأمريكية، شدد ميرتس على أن "أوروبا يجب أن تكون قادرة على الدفاع عن نفسها من دون الاعتماد الكامل على واشنطن"، خصوصاً بعد تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المشككة في التزام بلاده بحلف الناتو.
ألمانيا عادت؟
منذ فوزه في الانتخابات مطلع العام، رفع ميرتس شعار "ألمانيا عادت"، متعهداً بإعادة برلين إلى موقع القيادة في المنظومة الأمنية الأوروبية، بعد عقود من الدور المحدود خلف فرنسا وبريطانيا.
وقد سمحت حكومته بزيادة تاريخية في ميزانية الدفاع، تجاوزت 1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، في محاولة لسد فجوات التسليح والتدريب التي تراكمت على مدى سنوات.
ومع احتدام النقاش حول التجنيد، يجد ميرتس نفسه أمام تحدٍ مزدوج: إقناع الشركاء داخل الائتلاف بجدوى الإصلاح، وإقناع الرأي العام الألماني -الذي لا يزال متوجساً من كل ما يرتبط بالقوات العسكرية- وأن إعادة التجنيد ليست عودة إلى الماضي، بل خطوة ضرورية لحماية الحاضر والمستقبل.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuODYg جزيرة ام اند امز