طبيب نفسي عن "القتل باسم الحب": مصر تعرضت لغزوة باسم الدين حولت ثقافتها إلى مسخ (حوار)
توالت وقائع القتل باسم الحب في مصر والوطن العربي خلال الأيام الماضية، وسط تزايد المخاوف من تحولها إلى ظاهرة، فهل من يحب يقتل؟
ولم تكن جريمة ذبح الطالبة نيرة أشرف الواقعة الوحيدة التي هزت مصر والوطن العربي خلال آخر شهرين، إذ تبعها العديد من الضحايا النسائية اللاتي دفعن أرواحهن ثمنا للحب المغلف بالانتقام.
الدكتور جمال فرويز، أستاذ الطب النفسي في مصر، في حواره مع "العين الإخبارية" رفض ما يسمى "القتل باسم الحب"، باعتباره تصرفا انتقاميا بعيدا كل البعد عن جوهر الحب.
وتحدث الطبيب المختص عن معنى الحب الحقيقي وعلامات العلاقات العاطفية الصحية، وأثر غياب دور الأسرة والجهات التربوية والثقافية في المجتمع على تدهور القيم والمثل العليا وتفشي العنف والقتل، وإلى نص الحوار:
هل من يحب يقتل؟
لا يوجد ما يسمى "القتل باسم الحب"، هذا مجرد تبرير وما يحدث هو انتقام للكرامة وليس انتقاما للحب.
وسواء نتفق أو نختلف فالواقع يقول إن مصر تعرضت من فترة السبعينيات لغزوة من ثقافة أخرى دخيلة على ثقافتنا الغنية بالحب والخير والسلام طوال عمرها، وكانت تتحدث باسم الدين فلم نستطع رفضها.
وعندما تم دمج ثقافتنا مع الثقافة الأخرى أصبح لدينا مسخ ثقافي، فلا نحن استفدنا من ثقافتنا القديمة ولا استفدنا من الثقافة الدخيلة علينا، لذا تغيرت سلوكيات وأخلاقيات كثيرة في المجتمع المصري ناتجة عن هذا المسخ الذي يتكون من ازدواجية دينية وانهيار ديني، انهيار سلوكي، انهيار أخلاقي، وانهيار قيمي.
ما سبب جرائم القتل التي تحيط بنا؟
الانهيار القيمي، حيث إن القيم تضم تحت مظلتها قيمة الإنسان، قيمة الروح، قيمة الصديق، قيمة الأخ، قيمة الأم، قيمة الأب، قيمة التعامل مع الآخر وما إلى ذلك.
كل ما سبق افتقدناه وإن لم يكن بنسبة 100% لكن بنسبة أصبحت ملحوظة، لذا بدأنا نرى الأم أو الأب الذي يقتل أطفاله، الزوج الذي يقتل زوجته، الحبيب الذي يقتل حبيبته عندما ترفضه وهكذا، وهذا يوضح مدى الانهيار القيمي والثقافي الذي وصلنا إليه.
هل الأسرة مسؤولة عن هذا التدهور الأخلاقي؟
التربية تلعب دورا أساسيا في تنشئة الطفل بشكل سوي، وكذلك القرب منهم ومصاحبتهم وفتح قنوات حوار دائمة مع الأبناء، وحال إهمال الأب أو الأم لهذا يحدث ما نراه الآن.
وللأسف، أصبح دور الأب والأم مفقودا لأسباب عديدة، وبالتالي أصبحنا نرى مصائب من الأبناء لأنه لم يكن هناك من يعطيهم المثل العليا، فدائما هناك سقف للخير وآخر للشر وهذا مفتقد بالنسبة للأولاد حاليا.
وبالتالي تكون نتيجة غياب المثل الأعلى للأولاد أن يتحول شخص قتل فتاة بدعوى حبها إلى مثل أعلى لهم، خاصة لمن يعيش نفس الموقف فيكرر نفس الفعل.
ما دور السوشيال ميديا في جرائم القتل باسم الحب؟
تسليط الضوء على بعض الحالات الفردية للقتل سواء في الإعلام أو على مواقع السوشيال ميديا لحصد الكثير من الكومنتات واللايكات يحول الشخص إلى بطل قومي في أعين الآخرين، فنرى تكرار مثل هذه الجرائم باسم الحب.
وهل هذا هو الحب؟
ما يحدث على الساحة من جرائم ترتكب باسم الحب لا علاقة له بالحب، هي مجرد حب تملك أو رغبة في فتاة تعجبه والدليل على ذلك أن أغلب قصص الحب تنتهي بالطلاق في السنة الأولى من الزواج.
الحب هو تبادل مشاعر بين إنسان وآخر لا أستطيع أن أفتح عيني ولا أجده أمامي، والحب ليس مجرد إعجاب بل تلاق روحي وفكري وجسدي بين طرفين.
وللأسف كثير من الشباب حاليا يدعون الحب لمجرد أن يعجب بجسد الفتاة، أو أنها تمنعت عليه أو رفضته فيرغب في الارتباط بها منها ليقيم معها علاقة ويكسر عينها ثم يتركها، لكن المحب الحقيقي لا تحركه رغباته ولا يسعى للمس محبوبته.
ما علامات العلاقات العاطفية الصحية؟
تصبح علاقة الحب صحية عندما يضحى طرف أو يتنازل من أجل الطرف الآخر، مثلا عندما يكون لي مصلحة في شيء ما يريده الطرف الآخر يجب أن أتنازل لأني أحبه، أو مثلا أتقبل وجوده مع آخر لأن هذا أفضل له أو لها.
ما علامات العلاقات العاطفية السامة أو ما يطلق عليه toxic؟
أهمها أن تكون العلاقة غير مبررة، أي يكون فيها تباين سلوكي أو أخلاقي أو اجتماعي أو تعليمي، ومثال على هذا واقعة سلمى بهجت حيث كانت الفتاة تنجح في مسارها التعليمي في مقابل فشل الشاب، الذي كان يرمي بفشله عليها بدعوى أنه ضحى. لماذا يلومها على فشله رغم أنها قصة تخصه هو ولا تخصها هي لأنه من في يده أن ينجح. نحن دائما نرمي أخطاءنا على الآخرين.
من الأطراف المتهمة في تفشي ظاهرة القتل؟
الإعلام أحد الأسباب الرئيسية، فلم يلعب دوره المنوط به في هذه القضية نتيجة لهث بعض المواقع الإخبارية وراء الشو الإعلامي والتريند، أيضا السوشيال ميديا كاذبة ما يهمها اللايكات والكومنتات ولا ينبغي الانسياق وراء ما تروج له.
ويندرج غياب دور المؤسسات التربوية في المجتمع مثل وزارة التربية والتعليم ضمن الأسباب الرئيسية، وكذلك مؤسسات الثقافة والشباب والرياضة والأزهر والكنائس التي لا تلعب الدور المنوط بها، ويجب أن تقوم بدورها وتركز على الأخلاقيات والسلوكيات وتركز على فئة الشباب سواء في أرض الواقع أو على السوشيال ميديا.
هل ما يحدث في مصر يصنف حوادث فردية أم ظاهرة؟
للأسف مصر على وشك دخول معترك سيئ، وما يحدث الآن ليس هو المشكلة الحقيقية لأنها مجرد حالات فردية، لكنها علامات إنذار تخبرنا أن القادم أسوأ.