سيناريوهات اللحظات الأخيرة.. من يترأس الحكومة اللبنانية الجديدة؟
قبل ساعات من انطلاق الاستشارات النيابية في قصر بعبدا لتسمية رئيس الحكومة الجديد، تتسارع اجتماعات الكتل النيابية لحسم موقفها من هذا الاستحقاق، فيما لا يزال هناك قسم في طور التشاور.
ووفق أحكام الفقرة الثانية من المادة 53 من الدستور، يسمي رئيس الجمهورية رئيس الحكومة المكلف بالتشاور مع رئيس مجلس النواب، بالاستناد إلى استشارات نيابية ملزمة يطلعه رسمياً على نتائجها.
وتختلف آلية اختيار رئيس الحكومة عن انتخاب رئيس الجمهورية، حيث يفوز المرشح الحاصل على أكبر عدد من أصوات النواب، دون الحاجة إلى نصاب معين.
تحركات مكثفة
ووفقا لما رصدته "العين الإخبارية"، تركت كتل نيابية اجتماعاتها مفتوحة إلى موعد الاستشارات النيابية الملزمة الإثنين، بينها التيار الوطني الحر واللقاء الديمقراطي.
وفي حديث لـ"العين الإخبارية"، قال النائب بلال عبدالله عضو اللقاء الديمقراطي: "مشاورتنا مستمرة، ولن نصرح قبل انتهاء الاستشارات النيابية لتسمية رئيس حكومة، وفوضنا رئيس الحزب تيمور جنبلاط بالأمر".
فيما التقى نواب المعارضة وعددهم 31 نائبا، مساء الأحد، لتعزيز المشاورات بعد يوم من إعلانهم تسمية المرشح فؤاد مخزومي لرئاسة الحكومة .
وعن اجتماع المعارضة، أوضح النائب فادي كرم عضو تكتل الجمهورية القوية (الذراع النيابية لحزب القوات) في حديث لـ"العين الإخبارية" أن "الاجتماع ضمن النقاش بين نواب المعارضة حول موقف مرشحهم بين المتنافسين، ومدى إمكانية تأمين أصوات جديدة من تكتلات أخرى".
فيما ترك رئيس جهاز العلاقات الخارجية في نفس الحزب (القوات)، الوزير السابق ريشار قيومجيان، الباب مفتوحا لأسماء أخرى، قائلا : "القوات اللبنانية لن تألو جهداً للوصول إلى تفاهمات توفّر أكبر عدد من أصوات النواب لمرشح يسعى لتشكيل الحكومة".
وأضاف: "نحن سمينا النائب فؤاد مخزومي لأنه جزء من المعارضة ومواقفه السياسية وعلاقاته الدولية معروفة، إلا أن المشاورات مستمرة في فريقنا السيادي المعارض للتوصل إلى اسم يتقدم على رئيس الوزراء نجيب ميقاتي الذي يطرح اسمه حزب الله".
4 متسابقين بارزين
وتتنافس 4 أسماء لرئاسة الحكومة، وهم، رئيس حكومة تصريف الأعمال الحالي نجيب ميقاتي والنائب ورجل الأعمال فؤاد مخزومي والنائب إبراهيم منيمنة، فيما دخل القاضي نواف سلام رئيس محكمة العدل الدولية، على خط المتنافسين في الساعات الماضية.
وإلى جانب الأسماء المذكورة، أعلن النائب أشرف ريفي، أنه مرشّح لرئاسة الحكومة في المرحلة الجديدة وأيضا عاد اسم سعد الحريري، رئيس الحكومة السابق ورئيس تيار المستقبل، ليتردد في الأوساط السياسية كأحد المرشحين المحتملين رغم ابتعاده عن المشهد السياسي منذ 2022.
ويحظى ميقاتي بدعم عدد من القوى السياسية، أبرزها، الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل)، وتكتل "الاعتدال الوطني" يضم 3 نواب، إضافة إلى تكتل "التوافق الوطني" الذي يضم 5 نواب، بعد أن أعلن في بيان مقتضب حصلت "العين الإخبارية" على نسخة منه، أنه يتجه لتسمية ميقاتي لتشكيل الحكومة المقبلة خلال الاستشارات النيابية الملزمة.
ويستند ميقاتي إلى خبرته الواسعة في إدارة الشأن الحكومي، إذ سبق له تولى رئاسة الحكومة في 3 فترات مختلفة: الأولى عام 2005 حين قاد حكومة للإشراف على الانتخابات النيابية، والثانية في 2011، والثالثة منذ 2021.
في المقابل، أعلنت "قوى المعارضة"، التي تضم تكتلات "القوات اللبنانية" والكتائب وتكتل تجدد ونوابا مستقلين بمجموع 31 نائبا، تأييدها لترشيح النائب، فؤاد مخزومي. وأكدت في بيان، أن هذا القرار يأتي "بعيداً عن إرث المحاصصة والفساد"، ويستهدف "فتح صفحة جديدة في موقع رئاسة الحكومة".
كما دخل على خط المرشحين بشكلٍ مفاجئ، القاضي نواف سلام، بعد أن أكد الأخير أمام عدد من النواب الذين تواصلوا معه أنه على استعداد لتولي رئاسةِ الحكومة، إذا حاز الأصوات المطلوبة في الاستشارات النيابية.
وأعقب ذلك إعلان عدد من النواب دعمهم له من بينهم النائب أسامة سعد، والنائب ميشال ضاهر، وقال ضاهر على منصة "إكس" عن الاستشارات النيابية: "أكيد لن أسمي ميقاتي وسأسمي نواف سلام" .
كما قال النائب نعمة إفرام، في بيان : "الخميس الماضي شهد نهاية التموضع القديم لما هو معارضة وموالاة. نحن اليوم أمام إعادة تموضع جديدة ستحدّد مع الأيّام وفقاً لما جاء في خطاب القسم".
وأردف: "في هذا الإطار، يُمكن اعتبار نواف سلام فرصة جديدة لخلط الأوراق والانتقال إلى زمن جديد ومسار نحو تطبيق خطاب القسم بحزم وروح إيجابية بعيداً عن التجاذبات السياسية والكيدية".
ومن ضمن المرشحين، النائب عن دائرة بيروت الثانية إبراهيم منيمنة، إذ أعلن استعداده لقيادة الحكومة المقبلة، مؤكدا التزامه بتنفيذ برنامج إصلاحي شامل.
ويركز منيمنة المدعوم من بين النواب التغييريين، برنامجه على معالجة الأزمة الاقتصادية وإعادة هيكلة القطاع المصرفي.
مرشح توافقي
وتعقيبا على ذلك، قال النائب بلال الحشيمي لـ"العين الإخبارية": إذا تفاهمت قوى المعارضة مع التغييريين والمستقلين على المرشح فؤاد مخزومي، فإنها ستتمكن من إسقاط المرشح المدعوم بشكل رئيسي من حزب الله وحركة أمل، والذي يحظى أيضاً بدعم قسم من النواب السنة وجزء من المسيحيين. ويبقى التعويل على موقف اللقاء الديمقراطي (9 نواب) والتيار الوطني الحر (18 نائبا).
وفي حساب أولي وتقريبي للأرقام حتى الساعة، نبه الحشيمي إلى أن "ميقاتي لديه 41 صوتاً، ومخزومي 32 نائباً، فيما للقاضي نواف سلام 16 صوتاً".
وأكد أن "التوافق ضرورة، فإذا أرادت المعارضة إحداث تغيير فعلي، فإن الالتفاف حول مرشح واحد هو السبيل لتحقيق ذلك".
بدوره، قال الدكتور طارق أبوزينب، الباحث والمحلل السياسي اللبناني، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن النظام السياسي يعتمد على توازنات طائفية دقيقة، حيث يتولى رئيس الحكومة من الطائفة السنية، وفي هذا الإطار، يبرز النائب فؤاد مخزومي كمرشح يفتقر إلى الدعم التقليدي من القوى السنية مثل تيار المستقبل وغيره من التيارات السنية البارزة.
ويقوم النظام السياسي في لبنان على تقاسم المناصب الرئاسية الثلاثة بين الطوائف الرئيسية؛ إذ يتولى الموارنة رئاسة الجمهورية، وتؤول رئاسة الحكومة إلى السنة، فيما يرأس الشيعة مجلس النواب، في معادلة سياسية رسخها "اتفاق الطائف".
ورأى أبوزينب، أن مخزومي إذا لم يحصل على تأييد محلي، أو دعم من القوى الإقليمية المؤثرة، سوف يواجه ترشيحه تحديات كبيرة، مرجعا ذلك إلى أن "قرارات لبنان السياسية ترتبط بتوازنات معقدة على الصعيدين الداخلي والإقليمي، ما يجعل من الصعب تبني أي مرشح لا يحظى بتوافق داخلي وإقليمي".
كما أشار إلى علاقة فؤاد مخزومي بحزب الله، قائلا إنه حاول الحفاظ على موقف براغماتي في التعامل مع الحزب، متجنبًا الصدام معه، ومع مرور الوقت، ظهرت تغيرات ملحوظة في مواقفه، حيث بدأ يعلن عن معارضته لبعض ممارسات الحزب، خاصة في ما يتعلق بدوره في تعطيل الإصلاحات الحكومية .
إصلاحات جذرية
وبشأن ما يتعلق بإعادة تكليف ميقاتي بتشكيل الحكومة، يرى المحلل السياسي أن اللبنانيين ينظرون إلى هذه الخطوة بأنها مجرد تعزيز للوضع القائم دون تقديم حلول جذرية للأزمات المستمرة، رغم خبرته السابقة في رئاسة الحكومة.
ويضيف: "هناك مخاوف من أن ميقاتي سيكتفي بتقديم حلول سطحية لا تمس جوهر الأزمة، مما سيعمق الدوامة التي تعيشها البلاد، تكليف رئيس الحكومة الحالي، يعكس عند البعض استمرار نفس الوجوه السياسية التي فشلت في معالجة الأزمة المعيشية والسياسية التي يعاني منها اللبنانيون، وارتباطه الوثيق أيضا بالقوى السياسية التقليدية يعزز الشكوك حول قدرته على تجاوز المصالح الطائفية والشخصية التي تحكم البلاد".
لبنان يواجه أزمة اقتصادية خانقة، وميقاتي، في فتراته السابقة كرئيس حكومة، لم ينجح في تقديم حلول فعالة للانهيار المالي والنقدي، بحسب أبوزينب.
ويؤكد أن لبنان يواجه حاجة ماسة لإصلاحات جذرية في كافة قطاعات الدولة، ومن الضروري تكليف شخصية سنية معتدلة، قادرة على مواكبة المرحلة التاريخية الحالية، و"أن يظهر إرادة حقيقية في إصلاح النظام السياسي الفاسد".
حظوظ الوافد الجديد
ولم يستبعد المحلل السياسي اللبناني، الدكتور ميشال الشماعي، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إمكانية فوز ميقاتي، بشرط توحد أصوات الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر واللقاء الديمقراطي مع الأصوات المستقلة التي صوتت للرئيس جوزيف عون.
قبل أن يستدرك: "إلا أنه في حال نجحت المعارضة في حشد 71 صوتا، كتلك التي حشدتها في الدورة الأولى من جلسة انتخاب الرئيس بمجلس النواب، فسوف ينتصر مرشحها مخزومي".
وحول الوافد الجديد نواف سلام لرئاسة الحكومة، يرى المحلل الشماعي أن "التوجه سيكون لصورة جديدة لرئاسة الحكومة، وقد يكون القاضي نواف سلام أبرزها تماشيًا مع روحية العهد الجديد"، لافتا إلى أنّ "الضغوطات الدولية تتصاعد لإنتاج حكومة تترجم عمليًا خطاب القسم".
aXA6IDE4LjIyMC4xOTYuNjgg جزيرة ام اند امز