أم كلثوم.. قيثارة الشرق العابرة لكل الأزمان
عرف المرض الطريق إلى أم كلثوم في 1954 عندما أصيبت بالغدة الدرقية والثانية عام 1970 عندما أصيبت بالتهاب في الكلى
بمرور الأيام والسنوات، تغيرت الأذواق تظهر أنماط وأشكال غنائية كثيرة، إلا أن الاستماع لصوت كوكب الشرق "أم كلثوم" أمر اتفقت عليه كل الأجيال، فرغم رحيلها عام 1975 لا يزال صوتها يملأ الدنيا، وكلمات أغنياتها يرددها عشاقها على مر العصور.
ولدت "فاطمة إبراهيم السيد البلتاجي" الشهيرة بـ"أم كلثوم" في 31 ديسمبر 1898 بقرية طماي الزهايرة بمحافظة الدقهلية، وسط أسرة فقيرة، إذ كان والدها مؤذنا لمسجد القرية ويعمل أيضا منشدا دينيا في المناسبات السعيدة للوفاء باحتياجات أسرته.
رغم ضيق الحال حرص الأب على تعليم ابنته، فألحقها بكتاب القرية، وتعلمت تلاوة القرآن الكريم وورثت عن والدها حلاوة الصوت وحب الإنشاد، وعندما بلغت الـ12 عاما بدأ والدها يصطحبها معه في حفلات الإنشاد.
استطاعت الطفلة الصغيرة أن تجذب الأنظار بسرعة بسبب جمال صوتها وحضورها، وشيئا فشيئا حلت محل والدها وباتت تشكل المصدر الرئيسي لدخل الأسرة.
عام 1916 توجه أبو العلا محمد وهو أحد أهم الملحنين في الربع الأول من القرن العشرين، وزكريا أحمد أحد عمالقة الموسيقى العربية، لإحياء حفلة في مركز السنبلاوين، وحضرت "ثومة" الحفلة لحبها الشديد للغناء.
عقب انتهاء الحفل تعرف والد "ثومة " على أبو العلا محمد وزكريا أحمد وعندما سمعا صوت ابنته طلبا منه السفر إلى القاهرة لأنها مدينة الفن والشهرة، وتردد الأب كثيرا في القيام بهذه الخطوة حتى اقتنع بالأمر وترك محافظة الدقهلية وسافر للقاهرة عام 1922.
غنت "ثومة" في بيوت الأثرياء والمشاهير وكانت أولى حفلاتها في ليلة الإسراء والمعراج بقصر عز الدين يكن باشا، ومن فرط إعجابه بها أهداها خاتما ذهبيا و3 جنيهات.
الظهور في بيوت الأثرياء فتح طريق الشهرة أمام "كوكب الشرق" وتوالت حفلاتها في مسرح البوسفور في ميدان رمسيس ومسرح حديقة الأزبكية.
أدركت "ثومة" أن الموهبة وحدها لا تضمن لها الاستمرار والتوهج لذا تعلمت أصول الموسيقى والعزف على آلة العود، بمساعدة أمين المهدي ومحمود القصبجي ومحمود رحمي، وفي عام 1924 قدمت أول أسطوانة لها وغنت خلالها قصيدة "حقك أنت المنى والطلب" وحققت هذه الأسطوانة مبيعات كبيرة.
بعد ذلك تعرفت أم كلثوم على الشاعر الكبير أحمد رامي والموسيقار محمد القصبجي الذي أقنعها بضرورة تكوين فرقة موسيقية خاصة بها، وبالفعل عام 1926 تخلت ثومة عن فرقة والدها وشقيقها خالد وغيرت طريقة ملبسها وارتدت ملابس عصرية.
في عام 1928 لمعت أم كلثوم بعدما قدمت أغنية "إن كنت أسامح وأنسى الأسية" وراحت أسطوانتها تحقق أعلى المبيعات وفي 31 مايو 1934 تم اختيارها لتكون أول مطربة تغني في الإذاعة المصرية.
في عام 1935 تعرفت أم كلثوم على رياض السنباطي وكان هذا الملحن العبقري نقطة تحول في مشوارها الفني، إذ قدمت معه 40 أغنية وساهم في الارتقاء بذوقها في اختيار الكلمات والألحان.
رغم الأضواء والانشغال الدائم وقعت "ثومة" في الحب وتزوجت من الدكتور حسن السيد الحفناوي عام 1954 ولكنها لم تهمل عشقها للغناء، وتوهجت في فترة الخمسينيات وقدمت مجموعة من الأغنيات الرائعة منها النشيد الوطني "والله زمان يا سلاحي" بالإضافة إلى "عرفت الهوى منذ عرفت هواك، حانت الأقدار، الرضا والنور، على عيني بكت عيني، هجرتك".
حرصت الرائعة أم كلثوم على التواصل مع كل الأجيال وكانت حريصة على التعاون مع ملحنين جدد واستعمال آلات موسيقية حديثة، ولذا ظلت أعمالها خالدة حتى هذه اللحظة.
ومن الملحنين الذين تعاملت معهم، الرائع بليغ حمدي الذي قدم لها الفنان الكبير محمد فوزي وأثمر هذا التعاون عن إنتاج فني بديع وكانت البداية بأغنية "أنت فين والحب فين"، كما تعاونت مع الموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب بعد تدخل الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر في خمس أغنيات وكانت البداية بـ"أنت عمري".
واهتمت أم كلثوم أيضا بالسينما وقدمت عبر شاشتها 6 أفلام أبرزها "وداد، نشيد الأمل، سلامة، دنانير، فاطمة".
وعرف عن أم كلثوم وطنيتها وعشقها لتراب مصر وأكبر دليل على ذلك دعمها الجيش المصري عقب حرب 1967، فلم تستسلم وراحت تغني وتقيم حفلات من أجل دعم المجهود الحربي وغنت على مسرح الأولمبيا في باريس عام 1967 وأبهرت العالم.
حصلت أم كلثوم عبر مشوارها الفني الحافل بالعطاء على العديد من الجوائز والتكريمات منها وسام الرافدين من قبل الحكومة العراقية عام 1946، وسام النهضة من ملك الأردن عام 1975، ووسام الجمهورية من رئيس تونس الراحل الحبيب بورقيبة عام 1968.
وحصلت أيضا على العديد من الألقاب منها "صاحبة العصمة، الست، كوكب الشرق، قيثارة الشرق، فنانة الشعب، الجامعة العربية، شمس الأصيل".
عرف المرض طريقه إلى أم كلثوم في عام 1954 عندما أصيبت بتضخم في الغدة الدرقية، وأثر الأمر على عينيها ودفعها لارتداء نظارة سوداء.
وفي عام 1970 أصيبت بالتهاب في الكلى ومنعها هذا المرض من الظهور في حفلات بعد عام 1971 وفي 3 فبراير 1975 ماتت أم كلثوم بسبب قصور في القلب، وخرج الملايين لتشييع جثمانها في مشهد مهيب لن يسقط من وعاء الذاكرة.
aXA6IDMuMTQyLjE3MS4xMDAg جزيرة ام اند امز