ماكرون في واشنطن.. هل تذيب مدفأة بايدن جليد التحالفات؟
على حرارة مدفأة المكتب البيضاوي في البيت الأبيض، يضبط العالم مقياس توقعاته لحرب أوكرانيا وشتاء أوروبا أملا في دفء يذيب ثلوج المعارك على الأرض وخلف الأبواب.
ملامح تشكلها زيارة "الدولة" التي يقوم بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الولايات المتحدة هي الأولى له في عهد الرئيس جو بايدن.
زيارةٌ مهمة برمزيتها ودلالتها، يسعى ماكرون من خلالها إلى دفع مساعيه الدبلوماسية بشأن الحرب الدائرة في أوكرانيا منذ تسعة أشهر.
فتحية الـ 21 طلقة والاستقبال الذي سيُمنح لهكذا زيارة، اعتبارا من اليوم الأربعاء ، يعكسان بحسب مراقبين، مرونة العلاقة القديمة جدا ولكن المتوترة أحيانا بين فرنسا والولايات المتحدة.
كما تشير الزيارة إلى تجدد مركزية أوروبا بالنسبة للمصالح الأمريكية منذ حرب أوكرانيا قبل تسعة أشهر.
وهو ما يؤكده تشارلز كوبتشان أستاذ الشئون الدولية بجامعة جورجتاون، في حديث له مع مع صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.
يقول كوبتشان "زيارة الدولة مهمة من الناحية الرمزية مثل عودة العلاقة عبر الأطلسي إلى مركز الإستراتيجية الأمريكية في العالم ، ومن الملاحظ أن الدولة التي حصلت على الإيماءة الأولى هي فرنسا ، وليست ألمانيا أو بريطانيا".
واشنطن من جهتها، ستحاول تجنب أي بيان بارد اللهجة أو أي احتكاك يمكن أن يؤثر على زيارة الضيف الفرنسي.
وهو ما ترجمه الناطق باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي، الذي أشاد بالرئيس الفرنسي، واصفا إياه بـ"الديناميكي".
وأكد كيربي أن فرنسا هي "في صلب" كل القضايا الدولية، سواء نفوذ الصين المتعاظم أو الحرب في أوكرانيا، لافتا إلى أن الرئيس بايدن "رأى أن فرنسا "أكثر دولة مناسبة" لتنظيم أول زيارة دولة منذ تولي الرئيس الديموقراطي الرئاسة.
ورغم التوقعات بأن زيارة ماكرون هذه لن تحظى بنفس الزخم الذي نالته في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، إلا أن باريس لم تخف سرورها تجاهها، معتبرة إياها "شرفا يُمنح لفرنسا وليس لأي دولة أوروبية أخرى".
"أوروبا قوية"
مساعي ماكرون لبعض "البنية الأمنية" الجديدة لأوروبا والمزيد من "الحكم الذاتي الاستراتيجي" للقارة بدلا من الاعتماد المستمر على الولايات المتحدة في الدفاع، شكْل مصدر إزعاج لإدارة بايدن في بعض الأحيان، لكن في الوقت الذي تحتاج فيه الولايات المتحدة إلى أوروبا قوية ، ليس لديها محاور أكثر قوة من الرئيس الفرنسي.
فبريطانيا همشت نفسها من خلال خروجها من الاتحاد الأوروبي، والذي كلفها أثمانا كبيرة، أما مستشار ألمانيا أولاف شولتز، الذي تربطه بماكرون علاقة غير مستقرة ، لم يطور أي شيء يشبه السلطة الأوروبية الواسعة لسلفه أنجيلا ميركل.
وفي هذا الصدد، قالت الباحثة الضيفة في معهد بروكينغز في واشنطن سيليا بولان، لوكالة فرانس برس، إن زيارة الرئيس الفرنسي للولايات المتحدة تأتي في إطار التقارب الذي بدأ يحصل منذ ذلك الحين.
وترى الباحثة أنه من مصلحة الأمريكيين أن يحافظوا على علاقة وثيقة مع الحليف الفرنسي.
الحرب على الطاولة
الحرب في أوكرانيا ستكون في قلب محادثات بايدن وماكرون ، مع وجود اختلافات طفيفة من المؤكد أن تطفو على السطح ، سواء في كيفية إنهاء القتال أو كيفية تقاسم عبء التأثير القاسي للصراع على الاقتصادات الغربية.
وبينما أكد ماكرون أن أوكرانيا تستعيد سيادتها الكاملة، متعما موسكو بـ"غزو إمبراطوري" ، أصر مرارا على أن الحرب يجب أن تنتهي على طاولة المفاوضات ، وليس في ساحة المعركة.
وقال الرئيس الفرنسي مؤخرا إنه سيتحدث قريبا مرة أخرى مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين ، وهي محادثة حافظ عليها طوال الحرب.
أما الرئيس بايدن، فكان أكثر تأكيدا على حاجة أوكرانيا للفوز في الحرب ، وأصرّ على أن الأوكرانيين فقط هم من يمكنهم تحديد موعد وقف القتال ، على الرغم من أنه في الأسابيع الأخيرة ، مع اقتراب فصل الشتاء ، اكتسبت فكرة التفاوض بعض التقدم.
غضب الغواصات تخمده الدبلوماسية
في الأسبوع الذي سبق زيارة ماكرون للولايات المتحدة ، أعرب وزراء ومسؤولون فرنسيون عن سخطهم المتزايد مما يرون أنه منافسة اقتصادية غير عادلة من الولايات المتحدة.
فقد مرّ 14 شهرا فقط منذ أن استدعت فرنسا لفترة وجيزة سفيرها في واشنطن غاضبا من صفقة سرية توصل إليها بايدن لمساعدة أستراليا على نشر غواصات تعمل بالطاقة النووية.
والاتفاق الذي شاركت فيه أيضا بريطانيا ، ألغى عقدا فرنسيا سابقا لتوفير غواصات تقليدية. لكن الدبلوماسية المكثفة قادت إلى تهدئة الخلاف.
منافسة اقتصادية
لكن في المقابل، ظهرت اختلافات اقتصادية أخرى منذ ذلك الحين. فأوروبا لا تتمتع بأي من الاكتفاء الذاتي لأمريكا في مجال الطاقة وتتحمل العبء الأكبر من ارتفاع الأسعار الذي تسببت فيه الحرب ، حيث تسعى جاهدة لإيجاد مصادر جديدة للنفط والغاز.
على وجه الخصوص ، استهدفت فرنسا جوانب من قانون خفض التضخم لإدارة بايدن ، بما في ذلك الإعانات الضخمة للصناعات الخضراء الأمريكية ، والتي تعتقد باريس أنها قد تدفع الشركات الأوروبية إلى الانتقال إلى الولايات المتحدة.
وفي هدا الصدد، نقلت الصحيفة الأمريكية عن أحد مستشاري ماكرون دون الكشف عن اسمه: "نريد شكلا مخلصا واستراتيجيا للمنافسة"، مشيرا إلى أن الكلمة الطنانة للمسؤولين الفرنسيين هي "تزامن" الاستجابة الاقتصادية للحرب.
وكان وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لو مير، قد صرح لتلفزيون فرانس 3 يوم الأحد الماضي أن "الصين تفضل إنتاجها الخاص ، وتفضل أمريكا إنتاجها الخاص"، مضيفا "ربما حان الوقت لأن تفضل أوروبا إنتاجها".
فمن "أوروبا القوية" إلى الحرب في أوكرانيا، يضبط العالم مقياس توقعاتهم على مدفأة في البيت الأبيض، يراد منها ضخ الحرارة في جسد القارة العجوز، أملا في شتاء دافئ يذيب ثلوج المعركة أيضا بين موسكو وكييف.