«العين الإخبارية» تقتفي آثار صاروخ مجدل شمس.. من ضغط زر إطلاقه؟
وسط مخاوف من أن يقود التصعيد بين حزب الله وإسرائيل إلى حرب شاملة، جاء الصاروخ الذي ضرب مجدل شمس، يوم السبت، ليصب الزيت على النار، مُخلفًا وراءه مستقبلا ملغومًا بوعود الانتقام، والاتهامات المتبادلة.
ويوم السبت، سقط صاروخ زُعم أنه أطلق من لبنان على ملعب كرة قدم في بلدة مجدل شمس العربية في مرتفعات الجولان التي ضمتها إسرائيل، مما أسفر عن مقتل 11 شخصًا، في هجوم وصفه الجيش الإسرائيلي بأنه «الأكثر دموية على المدنيين الإسرائيليين منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي».
إلا أن ذلك الصاروخ الذي تقول إسرائيل إنه أطلق من لبنان، محملة حزب الله المسؤولية عنه، نفت الجماعة اللبنانية مسؤوليتها عنه، مؤكدة أنها ليس لها أي علاقة على الإطلاق بالحادث، وهو ما رفضه جيش الدولة العبرية.
فمن أطلق الصاروخ؟
بحسب رواية الجيش الإسرائيلي، فإن جماعة حزب الله اللبنانية هي من أطلقت الصاروخ الذي أدى إلى مقتل 11 شخصًا، تتراوح أعمارهم بين 10 و20 عاما عندما أصيبوا في الملعب في بلدة مجدل شمس.
ويحتفظ العديد من سكان مجدل شمس بالجنسية السورية بعد عقود من احتلال المنطقة في الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967.
رواية الجيش الإسرائيلي المزعومة تستند إلى عدة أسباب، تطرقت إلى بعضها وسائل الإعلام الإسرائيلية؛ فصحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، قالت إن حزب الله أعلن مسؤوليته في البداية عن إطلاق وابل من الصواريخ على المنطقة وقاعدة عسكرية قريبة.
وأشارت إلى أنه مع ورود أنباء عن سقوط الصاروخ على البلدة الدرزية، وما أسفر عنه من قتلى وإصابات، تبرأ الحزب من الضرب، مؤكدًا أنه «ليس له أي علاقة على الإطلاق بالحادث».
إلا أن الجيش الإسرائيلي رفض هذا التأكيد، قائلاً إن الهجوم «نفذته جماعة حزب الله الإرهابية»، مستشهداً بـ«التقييمات التي أجراها الجيش الإسرائيلي والمعلومات الاستخباراتية الموثوقة المتاحة لدينا».
وقال الجيش الإسرائيلي إنه توصل إلى أن الصاروخ أطلقه حزب الله من منطقة تقع شمال قرية شبعا اللبنانية، مشيرًا إلى أن القائد بحزب الله علي محمد يحيى هو المسؤول عن إطلاق الصاروخ على مجدل شمس.
لماذا تصر إسرائيل على مسؤولية حزب الله عن الصاروخ؟
توقيت سقوط الصاروخ جاء بعد أن هاجم الجيش الإسرائيلي بعد ظهر السبت، ما وصفها بـ«الخلية المسلحة التابعة لحزب الله»، في مستودع للأسلحة في كفر كلا بجنوب لبنان. وقال الجيش إن عناصر الوحدة 869 لجمع المعلومات القتالية تعرفوا على العناصر عند دخولهم مستودع الأسلحة، وبعد وقت قصير تم تنفيذ غارة جوية.
وأكد حزب الله في وقت لاحق مقتل أربعة من عناصره وهم أعضاء في قوة النخبة التابعة له في الغارة.
تلك الواقعة، ربما قادت الجيش الإسرائيلي إلى استنتاج أن حزب الله هو الذي أطلق الصاروخ، بدافع «الانتقام» لمقتل عناصره.
يأتي ذلك، إضافة إلى أن إطلاق الصواريخ من حزب الله باتجاه شمال إسرائيل استمر طوال يوم السبت، حيث تسبب أحدها في إلحاق أضرار بمنزل في بلدة عرب العراشمة الحدودية في الصباح. ولم ترد أنباء عن وقوع إصابات في هذا الهجوم.
فهل كان حزب الله مسؤولا عن الهجوم؟
نفت جماعة حزب الله مسؤوليتها عن إطلاق الصاروخ، قائلة في بيان مكتوب «تنفي المقاومة الإسلامية في لبنان نفيا قاطعا الادعاءات التي أوردتها بعض وسائل إعلام العدو ومنصات إعلامية مختلفة عن استهداف مجدل شمس، وتؤكد أن لا علاقة للمقاومة الإسلامية بالحادث على الإطلاق، وتنفي نفيا قاطعا كل الادعاءات الكاذبة بهذا الخصوص».
هل هناك ما يدعم رواية حزب الله؟
هناك سببان يدعمان رواية حزب الله عن صاروخ مجدل شمس إضافة إلى تحليل أمريكي ربما يدعم تلك الرواية، أحدها أن الصاروخ استهدف قرية يسكن فيها عرب، وهو سلوك لم يعتده الحزب، بل إنه (حزب الله) ينتقي أهدافه بعناية شديدة، ما يجعل رده «الانتقامي» يتأخر بعض الشيء، في أحايين، لا تستدعي الرد الفوري.
فيما السبب الثاني، يتمثل في أن حزب الله، دائما ما يعلن مسؤوليته عن أي هجوم يستهدف إسرائيل أو أجزاء من أي منطقة تعتبرها أراضيها، في محاولة لرفع معنويات جنوده، ولإثبات انخراطه في الحرب ضد إسرائيل، تخفيفًا عن حركة حماس في غزة، ولردع الدولة العبرية عن توسيع الحرب.
أما التحليل فذلك الذي تحدثت فيه صحيفة «فورين أفيرز» الأمريكية، قائلة، إن حزب الله لا يزال راغباً في تجنب الصراع الكامل مع إسرائيل، مشيرة إلى أنه من المرجح أن تستمر الجماعة اللبنانية في اختيار ضبط النفس وخفض التصعيد، وخاصة مع تراجع حدة العمليات الإسرائيلية في غزة.
لكن؟
توقيت ومكان الهجوم «يورطان» حزب الله؛ فالصاروخ الذي تقول إسرائيل إنه أطلق من الأراضي اللبنانية، يعني أنه -إذا صحت الرواية الإسرائيلية- أن الجماعة اللبنانية هي المسؤول الأول عنه، كونها المسيطر والجهة الرئيسية في الصراع مع الدولة العبرية.
فهل كان أحد أذرع إيران في المنطقة؟
هذا الخيار مستبعد، وغير مُرجح، لأسباب عدة؛ أبرزها أن إسرائيل زعمت أن الصاروخ أطلق من حزب الله، ما ينفي إمكانية تورط ما يوصف بـ«المقاومة الإسلامية في العراق»، أو مليشيات الحوثي عن ذلك الهجوم.
لكن؟
ورغم استبعاد ذلك السيناريو، إلا أنه قد يكون ممكنًا، لعدة أسباب، بينها أن تلك الجماعتين (المقاومة الإسلامية، مليشيات الحوثي) منخرطتان بالفعل في مناوشات مع إسرائيل.
وشنت تلك الجماعتان عدة هجمات على إسرائيل كان آخرها الطائرة المسيرة التي أطلقتها المليشيات اليمنية على تل أبيب، مما دفع الدولة العبرية للرد عليها، بمهاجمة أهداف في مدينة الحديدة، كانت النار الناجمة عنها «ترى في جميع أنحاء الشرق الأوسط»، بحسب تعبير مسؤول إسرائيل. ذلك الوضع، يعني أن الصاروخ قد يكون أطلق من تلك المليشيات بدافع الانتقام.
إلا أن سببًا آخر، قد يقود إلى تلك النتيجة، ويتمثل في: أنه قد يكون محاولة من أذرع إيران: (حماس، والحوثي، والمقاومة الإسلامية) لتوريط حزب الله في حرب مع إسرائيل، وخاصة وأن «حزب الله ضغط على حماس لحملها على قبول وقف إطلاق النار لكسر الجمود في المنطقة، وهو ما بدا في المرونة التي أبدتها حماس مؤخراً في المفاوضات مع إسرائيل»، رغم نفي الحزب ممارسته لذلك النوع من الضغط.
وفيما يحاول «حزب الله تجنب الصراع الكامل مع إسرائيل»، بحسب فورين أفيرز، أشارت الصحيفة الأمريكية، إلى أن وقف إطلاق النار الدائم بين إسرائيل وحماس من المرجح أن يمنع اندلاع حرب في لبنان: إذ يظل حزب الله ملتزماً بوقف الأعمال العدائية إذا توصلت إسرائيل إلى اتفاق لوقف حرب غزة.
ذلك الوضع والاتجاه من حزب الله لـ«تبريد الأوضاع ولو بشكل مؤقت»، يبدو أنه لا يروق لإيران وأذرعها في المنطقة، مما قد يرجح أن إحدى تلك الأذرع قد تكون متورطة في إطلاق ذلك الصاروخ.
لكن لماذا لا يكون من القبة الحديدية؟
رغم وجود شواهد قد تشير إلى تورط حزب الله أو أحد أذرع إيران في إطلاق ذلك الصاروخ، إلا أنه لا يوجد هناك ما يرجح رواية أن يكون الصاروخ أطلق من القبة الحديدة، وذلك لأسباب عدة.
الأول، أن صاروخًا أطلقته القبة الحديدية، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، فشل في اعتراض صواريخ أطلقتها حركة حماس من قطاع غزة، وسقط فوق منطقة سكنية وسط إسرائيل.
وبحسب تقارير إعلامية إسرائيلية، نشرت -آنذاك- فإن صاروخ القبة الحديدية سقط في مدينة ريشون لتسيون قرب تل أبيب، ما قد يدعم رواية أن يكون الصاروخ سقط من القبة الحديدية.
دعم تلك الرواية، استند -كذلك- إلى أن منظومة القبة الحديدية المثبتة على السفن، والمعروفة باسم C-Dome، أسقطت يوم السبت، طائرة بدون طيار تابعة لحزب الله كانت متجهة على ما يبدو نحو البنية التحتية للغاز قبالة سواحل إسرائيل، بحسب «تايمز أوف إسرائيل».
وبحسب الجيش الإسرائيلي، فإن إحدى سفن البحرية من طراز ساعر 6 اعترضت الطائرة بدون طيار على مسافة كبيرة من حقل كاريش للغاز، مشيرًا إلى أنه لا يزال يحقق فيما إذا كانت الطائرة بدون طيار محملة بالمتفجرات أو تستخدمها حزب الله للمراقبة.
ومع إطلاق حزب الله صواريخ عدة يوم السبت ومحاولة القبة الحديدية اعتراضها، قد يكون أحدها ضل طريقه، وضرب البلدة العربية.
تلك الرواية يدعمها تصريح مسؤول أمريكي لـ«أكسيوس»، قائلا إن مسؤولين في حزب الله أبلغوا الأمم المتحدة أن الحادث كان نتيجة سقوط صاروخ إسرائيلي مضاد للصواريخ على ملعب كرة القدم.
لكن إن صحت تلك الرواية، فلماذا تزعم إسرائيل غير ذلك؟
منذ الثامن من أكتوبر/تشرين الأول، يهاجم حزب الله بلدات ومواقع عسكرية إسرائيلية على طول الحدود بشكل شبه يومي، حيث تقول الجماعة إنها تفعل ذلك لدعم غزة وسط الحرب هناك، في سلوك استغلته الدولة العبرية لإلصاق التهمة بالجماعة اللبنانية، في «محاولة لشيطنتها أولا»، ولـ«نفي أي إخفاق إسرائيلي ثانيا»، وخاصة وأن أصداء السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لا زالت تدوي في جنبات إسرائيل، وسط مطالبات بتحقيق، تعطل حكومة بنيامين نتنياهو إجراءه.
ليس هذا فحسب، بل إن إلصاق التهمة في حزب الله، سيدر على إسرائيل الكثير من التعاطف، في الوقت الذي تعاني فيه عزلة دولية، وسيجلب لها الدعم من حليفتها الأولى (أمريكا)، التي وجهت -عبر نائبة الرئيس كامالا هاريس- رسائل صارمة لرئيس حكومة الدولة العبرية، على هامش زيارته للعاصمة واشنطن مؤخرا.
سبب ثالث يتمثل في أن نتنياهو، يحاول الفرار من الانتقادات والغضب الذي طال خطابه أمام الكونغرس والذي تجاهل إلى حد كبير، مصير الأسرى الذين اختطفتهم حركة «حماس»، في واقع كان الصاروخ بمثابة طوق النجاة له، فألصق التهمة بجماعة حزب الله، لجلب الدعم الشعبي له ولحكومته، التي كثرت المطالب بضرورة إقالتها وإجراء انتخابات جديدة.
برأيك.. من أطلق الصاروخ؟
aXA6IDE4LjE5MS4xNzguMTYg جزيرة ام اند امز