مبادرة "صناع الأمل".. قصص ملهمة من العالم العربي
مبادرة صناع الأمل تسعى إلى نشر قصص من العالم العربي لأشخاص كانوا مصدر إلهام للآخرين الذين يتطلعون إلى تغيير مجتمعاتهم نحو الأفضل.
نجحت مبادرة "صناع الأمل" منذ مطلع مارس/آذار 2019، في استقطاب عدد كبير من المشاركات من مختلف أنحاء العالم العربي، ممن يتطلعون إلى المساهمة في نشر الأمل وصنع تغيير إيجابي.
وحتى اليوم تلقت مبادرة "صناع الأمل" آلاف قصص الأمل من أفراد ومجموعات، لديهم مشاريع ومبادرات، يسعون من خلالها إلى مساعدة الناس، وتحسين نوعية الحياة، أو المساهمة في حل بعض التحديات التي تواجهها مجتمعاتهم.
وتسعى مبادرة صناع الأمل إلى نشر قصص من العالم العربي لأشخاص كانوا مصدر إلهام للآخرين الذين يتطلعون إلى تغيير مجتمعاتهم نحو الأفضل، نستعرض بعض القصص التي تفتح نافذة أمل وتفاؤل وإيجابية في عالمنا العربي.
القصة الأولى: تبرع بماله ووقته مقابل بسمات رسمها على وجه الأطفال
يضفي خبر إصابة أحد أفراد العائلة بمرض السرطان حالة من الحزن والقلق، وقد يؤثر ذلك سلباً على الحالة النفسية للمريض، التي قد تتزامن مع أعراض جسدية نتيجة لإصابته بالمرض، إحداها وليس أقلها مرارة تساقط شعر الرأس لدى المريض من الذكور والإناث.
مصفف شعر مصري، صاحب صالون حلاقة متواضع وسط مدينة القاهرة، استشعر هذه المعاناة مصادفة، بعد أن شاهد لقطات فيديو متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي لطفل مصاب بالسرطان تغمره سعادة بالغة لحصوله على شعر مستعار يغطي رأسه.
الشاب سامح سلام، قرر تكرار التجربة في مجتمعه بالقاهرة، وامتهان مهنة صناعة الفرح على وجوه المصابين بالمرض من أطفال الأسر محدودة الدخل، الذين يصعب عليهم تحمل أعباء علاجات تجميلية تضاف إلى تكاليف العلاج، فقام هو بالتكفل بشراء لوازم صنع الشعر المستعار "الباروكة"، والحرص على صنعها بمواصفات وأحجام تتناسب مع المصابين بالمرض، وبمواد تتناسب مع الجسم، وتوفيرها في صالونه الخاص مجاناً للأطفال المصابين بمرض السرطان من الأسر محدودة الدخل، ليحول سامح دون شعور الطفل باليأس من الحياة والانطوائية خوفاً من رؤية الناس له دون شعر يغطي رأسه.
يسعى سلام من خلال ما يقوم به إلى رفع معنويات الأطفال المصابين بالمرض، فهو غير قادر على تقديم العلاج لهم، إلا أنه وحسب وصفه يحاول مساعدتهم على تجاوز محنتهم النفسية المتمثلة في المظهر العام، وبالتالي قد ينعكس هذا إيجابياً على الحالة الصحية، وهو ما يطمح إليه؛ حيث يستذكر كلام أب طفلة جاءت إليه يوماً ليقوم بوضع الشعر المستعار لها، فأخبره الأب عن سعادة ابنته ومدى التأثير الإيجابي الكبير على حالتها النفسية.
ويضيف سلام أنه رغم تحديات المشروع، إلا أنه يجد فيه سعادة ويلتمس منه طاقة إيجابية تعينه على قضاء أعماله اليومية، ويؤكد أنه يقوم بشراء المستلزمات اللازمة لصناعة الشعر المستعار من ماله الخاص، ويقوم والده الذي يمتهن مهنة صنع الشعر المستعار وبيعه بصنع الكمية التي يحتاجها سلام، وفق الطلبات الواردة، ليقوم هو بتركيبها مجاناً للمحتاجين.
ولا يزال سامح سلام يمارس مهنته الإنسانية في زرع الأمل في نفوس فاقديه من الأطفال المرضى، رغم استخدام تمويله للمشروع من ماله الخاص، إلا أنه يسعى لزيادة عدد المستفيدين من المشروع ونشر الفكرة في المدن والبلدات المجاورة.
القصة الثانية.. مركز جنات الاجتماعي لإيواء مريضات السرطان.. محطة المسافرات نحو الشفاء
في المملكة المغربية مترامية الأطراف التي يتجاوز عدد سكانها 35 مليون نسمة، تشكل العاصمة الرباط بمرافقها الطبية المجهزة بمختلف الاحتياجات والمتطلبات الطبية، والعدد الكبير من الأطباء المتخصصين المقيمين فيها، وجهة لمختلف سكان المملكة من محافظاتها البعيدة والقريبة لتلقي العلاج من السرطان.
وبعد أن حل هذا المرض ضيفاً ثقيلاً على أسرة السيدة خديجة القرطي، فأصاب زوجها الذي اضطرته رحلة العلاج الطويلة إلى التنقل سعياً وراء العلاج، قررت أن تأخذ زمام المبادرة، وانطلقت من هذه المحنة بعزيمة قوية ومعنويات مرتفعة لإحداث فارق فعلي في مساعدة الآخرين على التصدي للمرض، والتعامل مع تأثيراته العميقة على الحياة اليومية للمصابين به، خاصة من النساء اللواتي لا عون لهن ولا سند، فأسست مركز جنات الاجتماعي منذ أعوام عديدة لإيواء مريضات السرطان، من أجل التخفيف عمن تضطرهن رحلة العلاج للحضور إلى العاصمة من مناطقهن البعيدة في مدن وقرى المملكة.
ويقدم المركز المؤلف من 3 طوابق خدمة الإقامة المجانية لما بين 20 و25 نزيلة يومياً من مريضات السرطان اللواتي يأتين من مختلف أرجاء المملكة المغربية، ليتعالجن في العاصمة، وتستفيد المريضات من خدمات المركز لإتمام علاجهن في مستشفيات وعيادات العاصمة التخصصية وحتى عودتهن إلى منازلهن.
وتأمل السيدة خديجة القرطي، التي تترأس جمعية جنات لإيواء مرضى السرطان، أن تستمر هذه المبادرة لخدمة المزيد من مريضات السرطان على مستوى المملكة، بالاستفادة من دعم الخيرين والحريصين على البذل والعطاء والمساهمة في العمل الاجتماعي والإنساني الهادف الذي يعزز تماسك المجتمع وتلاحمه وتكافل فئاته المختلفة.
ويحمل المركز رسالة تمكين خاصة بطلتها المرأة وغايتها المرأة، في صحتها وعافيتها وصون كرامتها، تساندها في ذلك منظمات خيرية وطبية وإنسانية عديدة من المجتمع المحلي ألهمتها خطوة السيدة خديجة، فدعمت المستفيدات من مركزها وتبرعت بتحمل جانب من نفقات الإقامة أو العلاج أو كليهما لنزيلات المركز.
وقد حظيت هذه المبادرة بدعم واسع من المجتمع المحلي ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة، واستضافت العديد من البرامج التلفزيونية السيدة خديجة، للتعريف بالمبادرة وتسليط الضوء على قصص النجاح والتعافي والشفاء التي سجلتها على مدى سنوات.
وتغتنم السيدة خديجة مختلف المناسبات الإعلامية التي تظهر فيها بتواضع جم، لتشجع على المساهمة في دعم مريضات السرطان بشتى السبل لتخفيف معاناتهن، وإشعارهن بمدى التضامن الاجتماعي معهن.
كما توظف منصات التواصل الاجتماعي لتشجيع الشباب المغربي والمنظمات الخيرية والإنسانية على الانضمام لجهود المركز، لتعزيز صحة المجتمع والتوعية بأهمية دعم فئاته الهشة، وفي مقدمتها المريضات المصابات بالسرطان، اللواتي يحتجن إلى رعاية صحية ومجتمعية مستدامة تكفل لهم التماثل للشفاء والنهوض من جديد وبدء حياة جديدة.
القصة الثالثة. ."مطلوب".. مبادرة ثقافية فلسطينية من أجل جيل قرائي واعٍ
كيف تقاوم بالوعي؟ كيف تجعل الحروف قناديل مضيئة في عتمة العسف والحصار؟ كيف تصنع من الكلمات أجنحة تحمل الأمل وتخترق سحب الظلمة الحالكة، وتنسج من المعرفة ثوباً مطرزاً بمفردات القيم الإنسانية والانفتاح على ثقافات العالم وفضاءاته الرحبة، تكتسيه الأجيال الجديدة كي لا تنسى هويتها؟ هذا هو "المطلوب".
و"مطلوب" مبادرة لا تشبه غيرها، انطلقت في فلسطين لفك الحصار عن الكتاب المحارب بالإجراءات التعسفية التي تقف حجر عثرة أمام أحلام الأجيال المتعطشة للقراءة، وطلب العلم ونهل المعرفة ومد جسور التواصل الثقافي والإنساني مع العالم الخارجي.
وتجمع المبادرة بشكل دوري طلبات 17 مكتبة فلسطينية، موزعة بواقع 11 مكتبة في مدن الضفة الغربية الرئيسية مثل رام الله ونابلس وطولكرم وأريحا، 6 مكتبات في قطاع غزة، لتسهم في تأمين احتياجاتها من الكتب التي يرغب بها القراء، والأهم من ذلك توصيلها إلى داخل الأراضي الفلسطينية، متخطية مختلف العقبات الكثيرة والتعقيدات الشديدة التي يتم وضعها على دروب إدخال الكتاب المفيد إلى فلسطين.
وبالتعاون بين جمعية مكتبيون ومؤرشفون من أجل فلسطين ومؤسسة تامر للتعليم المجتمعي في فلسطين، تستجيب المبادرة لطلبات المكتبات التي تحدد الكتب التي ترغب بشرائها، ثم تدرج عناوين الكتب المطلوبة على موقعها الإلكتروني، ثم تبدأ باستقبال تبرعات الأفراد من مختلف أنحاء العالم لشراء وشحن الكتب المطلوبة، لتقوم المبادرة بتنسيق توصيل الكتب إلى المكتبات التي طلبتها في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وباستخدام حلول رقمية ولوجستية مبتكرة؛ تختصر المبادرة بتعاونها مع منظمات دولية وإنسانية وثقافية من مختلف أنحاء العالم، الوقت الطويل والجهد المضني والمشقات الكبيرة التي يتكبدها أصدقاء الكتاب ومحبو القراءة في فلسطين، للحصول على الكتب التي يحجبها الاحتلال، ليواصل سياسة التجهيل والإفقار المعرفي والتعتيم الفكري.
ولعل أبرز ما يميز المبادرة التي تواصل النمو، قدرتها على تغيير مفهوم التبرع بالكتب القديمة الذي كان سائداً لفترة طويلة لدى العديد من المؤسسات الداعمة للقراءة حول العالم؛ حيث تركز "مطلوب" على استقطاب التبرعات المدروسة والموجهة التي تعمل على توفير أحدث الكتب التي يرغب بها القراء فعلاً، بدل تقديم كتب زائدة عن حاجة قد تكون لغاتها غير معروفة للقراء في فلسطين أو تكون موضوعاتها قديمة أو لا تكون بالضرورة ضمن أولويات القراء.
وفيما تركز المرحلة الأولى من المبادرة على توفير الكتب التي يطلبها الأطفال وطلاب وإدارات المدراس والمؤسسات التعليمية، يتطلع القائمون عليها إلى توسيع إطارها مستقبلاً لتشمل جميع المراحل العمرية والاهتمامات المعرفية والثقافية والأدبية.
aXA6IDE4LjExOC4xOTMuMjgg جزيرة ام اند امز