هجوم باماكو وتمدد الإرهاب.. أسئلة عالقة في «سياق مفخخ»
بدا واضحا أن حصيلة القتلى لم تكن هدف هجوم باماكو، بقدر ما كانت رمزية التوقيت هي الرسالة الأبرز لضربة وهدف كانا مخططين مسبقا على الأرجح.
ففي عاصمة مالي، البلد الأفريقي المضطرب، لا يزال الوضع الأمني غير واضح بعد هجوم إرهابي استهدف، الثلاثاء، أكاديمية لتدريب الشرطة الخاصة ومناطق استراتيجية أخرى.
وأسفرت الهجمات عن مقتل أكثر من 70 شخصا وإصابة أكثر من 200 بجروح، في واحدة من أثقل الخسائر في صفوف قوات الأمن خلال السنوات الأخيرة.
وأفاد مصدر أمني لوكالة فرنس برس عن مقتل 77 شخصا وإصابة 255 آخرين بجروح، بينما أشارت وثيقة رسمية إلى مقتل نحو 100 شخص، ذاكرة أسماء الضحايا.
وأعلنت صحيفة "لو سوار دو باماكو" على صفحتها الأولى الخميس، عن "تشييع نحو خمسين من طلّاب الدرك".
ولم تعلن السلطات العسكرية الحاكمة عن حصيلة بشرية محدّدة لهذه العملية التي لم تشهد العاصمة مثيلا لها منذ عام 2016، في حين تتعرّض مناطق أخرى في البلاد لهجمات شبه يومية.
القصة
قبل فجر الثلاثاء، هاجم الإرهابيون مدرسة الدرك، كما اقتحموا المطار العسكري المجاور، وسيطروا مؤقتا على جزء من المنشأة بما في ذلك الجناح الرئاسي حيث يصل ويغادر رئيس الدولة وضيوفه.
وتُظهر صور نشرتها جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين»، التي تنبت الهجمات، عناصرها وهم يدمّرون أجهزة موجودة في المكان.
ويعتقد محلّلون أنّ هذا التنظيم المرتبط بالقاعدة أراد إظهار قدرته على استهداف الأمكان التي يريدها.
وندّد رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي محمد، الخميس، "بشدّة" بالهجمات التي شهدتها باماكو، كما أطلق "نداء عاجلا لتعزيز التعاون الاستراتيجي الإقليمي والدولي في الحرب ضدّ عودة ظهور الإرهاب" في غرب أفريقيا.
وأمس الأربعاء، أعربت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) التي انسحبت مالي من صفوفها في بداية العام، عن "إدانتها" الهجمات و"أكدت التزامها الراسخ بأي مبادرة" مؤيدة للسلام.
«رمزية» التوقيت
اعتبرت الأمم المتحدة أن توقيت الهجوم كان على الأرجح رمزيا، مضيفة أنه "يشير -أيضا- إلى أن الهجوم والهدف المحدد كانا مخططين مسبقا على الأرجح".
ووصفت الحادث، في مذكرة لموظفيها، بأنه "استعراض قوي للقوة" من قبل التنظيم الإرهابي.
من جانبهم، يرى خبراء أن الهجوم يسلط الضوء على استراتيجية الإهابيين القائمة على التوسّع والمضايقات، من خلال محاولة تقديم برهان على قوتهم في مدينة تتجنّب عادة الهجمات الكبرى، عبر ثكنات للشرطة العسكرية ومطار عسكري.
وجاء ذلك في وقت تتركّز الأنظار على شمال مالي، حيث يحاول الجيش استعادة الهيمنة في بعض المناطق.
وقال باحث من شمال أفريقيا طلب عدم الكشف عن هويته لوكالة فرانس برس، "إنها رسالة مزدوجة: نحن هنا، نضرب حيث نشاء، بما في ذلك المواقع الاستراتيجية".
وسدد الهجوم ضربة قوية لجهود المجلس العسكري الذي يتولى السلطة في الدولة الواقعة بغرب أفريقيا بعد انقلابين في 2020 و2021.
وأعلن المجلس أن الوضع تحت السيطرة فيما يستمر انتشار الإرهابيين المرتبطين بتنظيمي القاعدة وداعش في منطقة الساحل منذ سنوات.
إمكانيات ودعاية
قال المحلل لدى "تكنولوجيا ضد الإرهاب" كاس ويبر، لفرانس برس، إن "موقع وطبيعة الهجوم يظهران الإمكانيات العملياتية الكبيرة لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين ومدى انتشارها".
واعتبر أن الجماعة بعثت أيضا برسالة إلى الحكومة المالية والجيش عبر السعي لتجنّب التسبب بسقوط ضحايا مدنيين.
وأضاف أن الهجوم يوجّه رسالة "للحكومات المجاورة أيضأ مفادها أن الجماعة قادرة على تنفيذ هجمات مشابهة في بلدان مجاورة".
وأطلق قادة مالي عملية عسكرية واسعة في شمال البلاد، حيث خسرت مجموعات انفصالية مسلحة وإرهابيون السيطرة على عدد من المناطق منذ العام الماضي.
"ضبابية في كل مكان"
يرمز الهجوم الذي وقع فجر الثلاثاء أيضا إلى تقدّم الإرهابيين جنوبا، علما بأن هدفهم المعلن هو الوصول إلى خليج غينيا عبر مهاجمة البلدان الساحلية.
وأفاد الباحث الشمال الأفريقي بأن "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في استراتيجية استنزاف طويلة الأمد. الشمال ملاذ (لهم) وهم يتقدّمون باتّجاه الجنوب".
وأفاد خبير غربي متخصص في شؤون المنطقة أن الجماعة الإرهابية قادرة على القيام "بالأمر ذاته في موبتي (شمال باماكو) أو في كايس (جنوب غرب)".
وقال "سيخلقون حالة من الضبابية في كل مكان ويظهرون أن لديهم حرية حقيقية في التحرّك"، مشيرا إلى أنها "استراتيجية الضغط الدائم والمضايقات" دون وجود أي نية لديهم للسيطرة على باماكو.
وتبدو مالي، على غرار جارتيها النيجر وبوركينا فاسو، غير قادرة على وضع حد لهذا الاتجاه، وبات خيارها الوحيد، بحسب ويبر، هو منع تقدّم الإرهابيين في الجنوب عبر التعاون مع البلدان الساحلية.
وأردف "هذا ما يحصل عندما تكون هناك فوضى، لا حدود لطموحات الإرهابيين".
aXA6IDQ0LjE5Mi45NS4xNjEg جزيرة ام اند امز