«معركة وجود» بين مالي والقاعدة.. توازن ميداني معقد
معركة من نوع جديد تدور رحاها في مالي بين باماكو وجماعات إرهابية مرتبطة بتنظيم القاعدة.
التقارير الإعلامية تتحدث عن سقوط وشيك لعاصمة مالي، باماكو، في يد الجماعات الإرهابية، لكن خبراء متخصصين في الساحل الأفريقي يرون أن الصورة أكثر تعقيدًا.
من جانبه، قال الباحث المالي والاستراتيجي الأفريقي ديمبا فال، لـ"العين الإخبارية"، إن استراتيجية الجماعات الإرهابية تركز على ضرب الاقتصاد عبر تعطيل خطوط الإمداد وليس على شن معركة حضرية لاحتلال عاصمة كبيرة.
وقال فال إن الجماعات "تعتمد على تعطيل الطرق، واستهداف صهاريج الوقود، وقطع المحاور التجارية الحيوية"، بهدف خلق ركود اقتصادي وتوتّر شعبي يدفع نحو اهتزاز السلطة المركزية.
الوضع الميداني.. أين يتركز النفوذ؟
وأضاف أن "المشاهد الميدانية تظهر أن نفوذ الجماعات المسلّحة يتركّز بشكل رئيسي خارج باماكو، خصوصًا في مناطقَ عند مفاصل طرق النقل إلى العاصمة، فمحيط كايس يتعرض لهجمات متكررة على طرق ونقاط تموين على محاور ريفية، والطريق الوطني RN1 باتجاه السنغال يتعرض لقطع متكرر للشاحنات وحرق معدات لعرقلة حركة البضائع، أما نيورو دو الساحل ونينو فيتعرضان لعمليات خطف وهجمات محدودة تكرّس الخوف وتزيد من تكلفة النقل".
وتابع قائلا: "لا توجد حتى الآن مدينة كبرى مهيمن عليها بالكامل من قبل الجماعات؛ نمط السيطرة يظلّ قروياً وطرقياً، أكثر من كونه سيطرة مدنية حضرية متكاملة".
أما الخبير السياسي المالي المتخصص في شؤون الساحل الأفريقي حمدي جُوارا فقال لـ"العين الإخبارية"، إنه "لا توجد نية لتنظيم القاعدة للسيطرة على باماكو كما يتم الترويج لذلك في وسائل الإعلام المعادية"، موضحًا أن ما حدث لم يكن حصارًا حقيقيًا للعاصمة، بل رد فعل على قرار حكومي بتقليل إمدادات الوقود لبعض المناطق.
ومع ندرة المواد الأساسية، اتجه الإرهابيون إلى استهداف الطرق الرئيسية وصهاريج نقل المحروقات انتقامًا من النظام، دون تسجيل أي هجوم داخل باماكو أو ضواحيها.
وأضاف جُوارا أن "الوضع يشهد حاليًا تحسناً ملحوظاً على المستوى الأمني والاقتصادي".
ويرفض جُوارا سيناريو نية القاعدة لاحتلال باماكو، موضحا أنه رغم الضغوط والانتقادات، اتخذت السلطات المالية خطوات عملية للرد على تهديدات الجماعات الإرهابية، وحماية القوافل، ومرافقة عسكرية للقوافل التجارية وتأمين نقاط التفتيش الأساسية، وفتح طرق بديلة، بتفاهمات مع شركات لفتح وإصلاح المحاور المتضررة وإعادة تأهيل الطرق، وهذه الإجراءات حدت من حدة الأزمة، وإن كانت التكلفة الاقتصادية والاجتماعية لا تزال مرتفعة.
سيناريوهات متوقعة
وطرح الخبير المالي سيناريوهين للرد؛ الأول استمرار حرب اقتصادية تؤدي إلى ضغوط شعبية ومفاوضات سياسية، مع بقاء سيطرة الدولة على العاصمة باماكو.
والسيناريو الآخر هو تفاقم نقص الإمدادات، وانهيار الخدمات الأساسية، وانفلات أمني قد يفتح الباب لأزمة سياسية أو انقلاب جديد.
وتتعاظم المخاوف داخل مالي منذ أشهر، إذ تنفذ جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" المرتبطة بتنظيم القاعدة سلسلة من الهجمات المتتابعة.
وفي الأسابيع الأخيرة، قامت مجموعات مسلّحة تابعة للجماعة بقطع طرق رئيسية تستخدم عادة لنقل الصهاريج والشاحنات، مما أدى إلى اضطراب الإمدادات نحو العاصمة وأكبر المدن المالية.
وهذه الاستراتيجية تهدف بالأساس إلى خنق اقتصاد بلد لا يمتلك منفذاً بحرياً، وبالتالي يعتمد كليًا على الطرق التجارية القادمة من موانئ دكار (السنغال)، أبيدجان (ساحل العاج)، ونواكشوط (موريتانيا) لإدخال الوقود، والأسماك، والفواكه والخضراوات.