الحدود المالية الموريتانية.. الإرهاب يعبر من هامش الخلاف الروسي الفرنسي
قبيل انطلاق العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا اختار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استقبال نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون على طاولة ضخمة، عكست ما أراده القيصر.
عبرت الطاولة الضخمة في الكرملين عن حجم التناقض بين موقف الرئيسين بوتين وماكرون أكثر مما أظهرت أن الحوار بينهما قائم وممكن. وفي هذه المسافة نجحت تنظيمات إرهابية بأفريقيا في العثور على مساحة مناورة وتسلل.
ويرى خبراء في الشأن الأفريقي أن الخلافات الحدودية بين مالي وموريتانيا تجد تفسيرها في سوء التفاهم القائم بين الإليزيه والكرملين.
نجاح وفشل
ورأى المحلل السياسي الموريتاني عبدالله إمباتي، الخبير في الشؤون الأفريقية، أنه بينما كان التعاون بين فرنسا وموريتانيا مثمرا على صعيد مواجهة الإرهاب، فشلت باريس في كسب ثقة الماليين بعد سنوات من الإخفاق في مواجهة التنظيمات المتطرفة.
وتتمسك موريتانيا بعلاقاتها التاريخية مع فرنسا بينما تسبب انقلابان في مالي باتساع هوة الثقة بين باماكو وباريس، وهو ما مكن الروس من التقدم لملء الفراغ.
ورغم أن موريتانيا ومالي وقعتا اتفاقيات تعاون أمني تهدف إلى تعزيز الاستقرار ومحاربة الإرهاب، فإن الحدود المشتركة بينهما تشهد اشتباكات وهجمات إرهابية بوتيرة متصاعدة، وتتسبب في خلافات بين الجانبين.
وأشار إمباتي إلى أن موريتانيا بدعم فرنسي نجحت في الحد من مخاطر الإرهاب منذ 2007.
خريطة الإرهاب
وأوضح في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، أن المتتبع لتاريخ الصراع من التنظيمات الإرهابية في المنطقة يدرك أن الجزائر نجحت في دفع العناصر الإرهابية إلى خارج الحدود، بينما تمكنت موريتانيا بفضل قوة جيشها المدعوم بقدرات فرنسا الاستخباراتية من إبقاء تلك التنظيمات خارج حدودها.
ولم تجد العناصر الإرهابية الموزعة على 3 تنظيمات رئيسية سوى التحالف وتأسيس قاعدة قوية في مالي التي لم يكن جيشها مؤهلا للمواجهة، على ما يقول إمباتي.
وشدد الخبير في الشؤون الأفريقية على أن دول الطوق المحيطة بمالي لم تهتم بمساعدتها داخليا في القضاء على الإرهاب، لكنها صبت جهودها على حماية حدودها، ولم تسمح بتسلل تلك التنظيمات.
ورسم إمباتي خريطة لتحالفات التنظيمات الإرهابية، إذ قال إن تنظيم القاعدة عمل في المنطقة تحت مظلتين؛ فرقة تسمى "إمارة الصحراء" بقيادة أبوطلحة الليبي، والأخرى تسمى "حركة أنصار الدين"، وتحت الضربات الأمنية في موريتانيا والجزائر لم يكن أمامهما سوى مد جسور التعاون مع "حركة تحرير ماسنا" في مالي لتتشكل "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين".
وأوضح المحلل السياسي أنه بالنظر لضعف قدرات الجيش المالي وتنامي قوة التنظيم الموحد فشلت فرنسا في أن تكون أكثر فاعلية في مواجهة الإرهاب.
الثقة المفقودة
وفي مرحلة لاحقة دخلت القوات الفرنسية في عملية "بارخان"، وكان ذلك في مطلع 2012، عندما اقتربت القاعدة من دخول باماكو وسارت على مشارفها، واستطاعت القوات الفرنسية إضعاف التنظيم، لكن دون القضاء عليه، وهو أمر رده إمباتي أيضا إلى طبيعة ساحة المعركة في مالي حيث الغابات التي توفر فرصة أفضل للاختباء حتى عن آليات الاستطلاع الفرنسية.
من جانبه، اعتبر الكاتب الصحفي درامي عبدالله أن ضراوة المنافسة بين روسيا وفرنسا حول مالي أسهمت إلى حد بعيد في توتر علاقاتها بموريتانيا.
وأعرب عبدالله عن اعتقاده بأن فرنسا التي طالما استخدمت السيف والذهب في شمال مالي فشلت في إقناع باماكو بجديتها في مواجهة الإرهاب، وهي الثغرة التي دخلت منها روسيا وحققت تقدما في الحرب على التنظيمات المتطرفة ما كرس تصور مالي عن السلوك الفرنسي في شمال البلاد.
وأشار عبدالله إلى أن باماكو تتحدث عن أدلة في جعبتها تكفي لحرق ما بقي من مصداقية فرنسا في القارة، لكنه شدد أيضا على أن موريتانيا تدرك أن علاقتها بمالي ضرورة ولن تسمح بأن تتسع الخلافات حد القطعية.
وتابع: النجاحات التي تتحقق بفضل التعاون الروسي في مالي يمكن أن تسمح بأرضية لإعادة بناء الثقة المفقودة بين الجانبين.
السلاح لا يكفي
من جهته، لم يستبعد الدكتور محمد تورشين الباحث السوداني في الشأن الأفريقي وجود العنصر الخارجي في التوترات على الحدود الموريتانية المالية.
وقال تورشين لـ"العين الإخبارية": "في ظل الاتهامات التي تطلق من هنا وهناك، وباعتبار أن موريتانيا لها صداقات واتفاقات مع فرنسا، زادت باماكو من اعتمادها على روسيا التي نجحت في ترسيخ وجودها في وسط أفريقيا، وتأمل أن تتمدد غربا".
وأوضح تورشين أن وجود فاغنر (الشركة الروسية العسكرية الخاصة) أسهم في إحداث ديناميكيات حقيقية لهذا الصراع، لافتا إلى توجيه موريتانيا اتهامات لمالي بالسماح لعناصر فاغنر بالتوغل داخل حدودها لدفع الإرهابيين بعيدا.
ورأى الخبير السوداني أن المقاربة العسكرية لن تكفي للقضاء على الإرهاب في مالي سواء كانت باماكو متحالفة مع فرنسا أو الروس، مشددا على ضرورة إعادة النظر في استراتيجية الحرب على الإرهاب لكي تتضافر القوة العسكرية مع أولويات تنظيم الموارد والإمكانات لبناء اقتصاد قوي، ونشر التعليم.