توصيات مؤتمر الحوار الوطني.. مالي تختار طريق الاستقرار

توصيات مهمة، خرج بها مؤتمر الحوار الوطني في مالي، لتدخل البلاد مرحلة جديدة بقيادة الجنرال أسيمي غويتا، الذي اقترح المشاركون في المؤتمر تنصيبه رئيسًا لولاية لـ5 سنوات قابلة للتجديد.
وتعبر الرسائل الصادرة عن هذا اللقاء الوطني، عن خيار غالبية شعبية ترى أن الاستقرار السياسي بات أولوية وطنية، في ظل الأزمات المتراكمة التي تواجهها مالي، من الإرهاب المتصاعد إلى الضغوط الخارجية والتدخلات السياسية والاقتصادية.
رفض الإملاءات الخارجية وتكريس السيادة
الباحث السياسي عبدالله ضيوف، وهو أستاذ محاضر في جامعة دان ديكو دانكولودو بمارادي، قال لـ"العين الإخبارية"، إن التوصيات تعبّر عن "رغبة شعبية واضحة في طيّ صفحة الفوضى السياسية التي عمّقت هشاشة الدولة منذ 2012"، مشيرًا إلى أن "الماليّين اختاروا سلطة قوية تنبع من الداخل وتواجه الإرهاب والضغوط الخارجية برؤية مستقلة".
وأضاف أن "غويتا لا يقدّم نفسه كمجرد قائد عسكري، بل رجل دولة تمرّس خلال المرحلة الانتقالية، واكتسب خبرة في الموازنة بين الأمن والحوكمة، ومن الطبيعي أن يُمنح الثقة لاستكمال البناء المؤسساتي وفق رؤية وطنية".
الأحزاب السياسية... مراجعة لا إقصاء؟
ومن أبرز توصيات مؤتمر الحوار الوطني، الدعوة إلى حلّ جميع الأحزاب السياسية وتشديد شروط تأسيسها مستقبلًا، وهو ما أثار استياء واسعًا لدى طيف من المعارضة، التي اعتبرت الخطوة خطرًا على التعددية.
لكن في المقابل، يرى باحثون مقربون من النظام أن هذه الدعوة تهدف إلى إعادة هيكلة المشهد السياسي الممزق.
من جانبه، قال الباحث في العلوم السياسية بوبكر كانتي، من جامعة باماكو، لـ"العين الإخبارية" إن "عدد الأحزاب في مالي تجاوز المعقول، وغابت عنها الفعالية".
وأضاف أن "التوصية بحلّها لا تعني قتل الحياة السياسية، بل إعادة بنائها على أسس مسؤولة تفرز نخبًا حقيقية".
وتابع قائلا إنه "في ظل التهديدات الإرهابية والتحديات الاقتصادية، بات من الضروري أن يكون للمشهد السياسي عمق وطني، لا مجرد واجهات حزبية تُستخدم وقت الانتخابات".
تعليق الانتخابات.. خيار اضطراري؟
وشملت توصيات الحوار الوطني أيضًا تعليق جميع الملفات الانتخابية إلى حين "استتباب الأمن"، وهو ما يعكس رغبة السلطة الانتقالية في التركيز على استعادة السيطرة على البلاد، خاصة في المناطق الشمالية والوسطى حيث تنشط الجماعات الإرهابية.
ويرى مراقبون أن هذا القرار قد يمنح الحكومة المؤقتة مساحة للتحرك بحرية، لكنهم يحذرون أيضًا من خطر أن تطول هذه المرحلة دون أفق زمني واضح.
وفي المقابل، يصرّ أنصار غويتا على أن "الديمقراطية لا تعني التسرّع في الاقتراع بينما البنادق لا تزال موجهة إلى صدور المدنيين".
إلى أين تتجه مالي؟
في ضوء هذه التوصيات، تدخل مالي مرحلة حاسمة في رسم ملامح جمهوريتها الجديدة.
ورغم الانتقادات، فإن لدى السلطة الانتقالية اليوم دعمًا شعبيًا في قطاعات واسعة ترى أن الأولوية القصوى تكمن في إرساء الأمن والسيادة، ولو على حساب بعض المبادئ الليبرالية التي لم تُترجم يومًا إلى واقع ملموس.
ويبقى السؤال: هل ستنجح الحكومة القادمة، بقيادة محتملة لغويتا، في تحقيق توازن بين السيادة والاستقرار السياسي من جهة، والانفتاح السياسي من جهة أخرى؟.. الإجابة ستتوقف على ما ستفعله السلطة بالثقة التي منحتها إياها هذه التوصيات، وعلى قدرتها في طمأنة الداخل والرد على الخارج بلغة مؤسساتية لا عسكرية فقط.
aXA6IDMuMTQwLjE5Ni4zIA==
جزيرة ام اند امز