تمبكتو.. "هزمت" كولومبوس وشوهها الإرهاب
يقول سكان تمبكتو متحدثين عن الشاي على طريقتهم إن الكوب الأول يكون قويا كالموت والثاني متوسطا أما الثالث فهو جميل كالحب.
لكن لتسبر أغوار المشروب، عليك بتذوق الثلاثة، هكذا يقولون وهكذا يترشفون الشاي ببطء يفرضه المزاج والعادة بتلك المدينة الرابضة على سفح الصحراء وبين مخالب التطرف.
تقترب الشمس من المغيب في الأفق، وقبل أن يرتفع أذان المغرب، تدب الحركة بمفاصل المدينة الواقعة شمالي مالي، وتتناثر أشباح المارة تسير على الأقدام في شوارع رملية، غير مدركين إن كان ذلك الرمل هو ما يحرك شهيتهم للتمشي أم أنه ما يدفعهم عنه.
لكن الثابت هو أن تلك الرمال هي ما يصنع خصوصية المدينة، فهي تقف شاهدا على زحف الصحراء الكبرى، وهي نفسها ما يخط محنها منذ أن طوقتها مخالب الإرهاب بدءا من 2012.
تلقب بـ"جوهرة الصحراء"، ومع أن لا شيء يوحي اليوم بالرفاهية أو الثراء في تلك المنطقة، إلا أنها لا تزال تتمسك بألقاب منحها إياها التاريخ، فهي المدينة التي كانت في العصور الوسطى ملتقى لطرق التجارة المربحة في القارة السوداء، وإحدى أغنى مدن العالم في ذلك الوقت.
لكنها ودعت منذ فترة كل ذلك، فباتت مدينة شاحبة رابضة على سفح التطرف، قبل أن تحاصرها عناصر "نصرة الإسلام والمسلمين" فرع القاعدة في مالي، وتغلق كل طرق" التي تؤدي إلى الدخول والخروج منها.
وليست هذه المرة الأولى التي تغرق فيها المدينة في ظلام التطرف، فمنذ أكثر من عقد تعاني من هجمات الإرهابيين ممن دمروا أضرحتها وشوهوا معالمها، وتقريبا كانت مشاهد الدمار هي كل ما يعرفه العالم عنها، حتى أن كثيرين يعتقدون أنها لم تكن يوما في حال أفضل.
قبل كولومبوس؟
يُعتقد أن مانسا موسى واحد من أعظم زعماء إمبراطورية مالي في غرب أفريقيا وأشهر زعمائها المسلمين بالقرون الوسطى، وقد أصبحت تمبكتو وجامعة مسجد سانكوري في عهده مركزا علميا مهما وقبلة للدارسين.
وتحت حكمه، بلغت مالي أوج قوتها، وامتد عمر دولته 25 عاما يرجح أنها بدأت إما عام 1307 أو عام 1312 حيث أن هناك اختلاف بين الباحثين حول دقة التاريخ.
ومن نقوش الماندينكا، وهي العرقية المستقرة منذ القدم بالمنطقة، يمكن تقفي آثار مملكتهم في البرازيل والبيرو والولايات المتحدة.
وبحسب المسار المبني على تلك النقوش وعلى الأثر اللغوي للماندينكا يبدو أنهم تواصلوا في البدء بالبرازيل قبل أن يعبروا أنهار أمريكا الجنوبية إلى اليابسة بالاتجاهين الغربي والشمالي.
ومع أنه يصعب تقدير التأثير الذي تركه الماندينكا على الأمريكيتين الشمالية والجنوبية، لكن المؤكد هو أنهم أدخلوا الإسلام لأمريكا وإن لم يعش حتى العصر الحالي، ما يعني أنه يمكن أن تكون تمبكتو هي من مدت جسور هذا الدين إلى ذلك المكان النائي.
جوهرة
ذات يوم كان الملح والذهب والعاج والسلع الأوروبية الثمينة مثل الكتان والعطور والزجاج كلها تعبر من تمبكتو، وكانت تضم في القرن السادس عشر ميلادي نحو 100 ألف نسمة.
المدينة كان منارة علم، حيث كانت تضم نحو 200 مدرسة وجامعة استقطبت الدارسين من أماكن بعيدة مثل غرناطة وبغداد، كما عرفت بمكتباتها ومخطوطاتها التي لا تقدر بثمن.
وفيها أيضا، مخطوطات نادرة تعود إلى العصر الذهبي للمدينة، بينها سيرة النبي محمد على أوراق من ذهب، إضافة إلى أطروحات علمية لشخصيات إسلامية عاشت في تلك الحقبة الزمنية.
لكن المدينة تعرضت لنكبتين، الأولى حين غزتها رمال الصحراء الكبرى فردمتها، والثانية حين امتدت إليها نيران الإرهاب لتدمرها وتشوه ماضيها وحاضرها، وتحاصرها في أتون معضلة العصر.
تجرعت تمبكتو كوب شايها الأول والثاني معا فكانا قويين قاسيين كالموت فعلا، بانتظار أن تحصل ذات يوم على كوبها الثالث.
aXA6IDMuMTQyLjUzLjE1MSA=
جزيرة ام اند امز