"الإنسان" ماني.. أقوال يعقبها أفعال
السنغالي ساديو ماني نجم ليفربول أظهر جانبا إنسانيا مشرقا أكد على تصريحاته التي تحدث فيها دائما عن أهمية مساعدة أهله في موطنه الأصلي
وجّه الشكر للجميع، لم ينسَ أحداً من زملائه أو مدربه في المنتخب السنغالي أو فريق ليفربول الإنجليزي، ولا حتى أهل قريته الصغيرة "بمبالي"، ولكنه تذكر لوهلة أنه نسي شيئاً مهماً، وهو أن أهل هذه القرية ربما لا يجيدون الإنجليزية التي يتحدث بها عقب تسلمه جائزة أفضل لاعب في أفريقيا لعام 2019 من الاتحاد القاري للعبة بمدينة الغردقة المصرية، فانتقل سريعاً نحو الحديث بالفرنسية، ووجّه لهم الشكر على دعمهم الدائم له.
لم يكن هذا الموقف غريباً على اللاعب السنغالي الذي أسر بكلماته قلوب محبي كرة القدم، ليس فقط في قريته الصغيرة، ولا في بلده الأم، ولا حتى في القارة الأفريقية وحدها، ولكن في العالم كله.
المهاجم السنغالي وضع دائماً أهل بلده في مقدمة اهتماماته، وتحدث عنهم بشكل مستمر في جميع الاحتفالات العامة التي حضرها منذ وصوله إلى قمة المجد مع فريقه الإنجليزي خلال الفترة الماضية.
أفريقيا أم أوروبا؟
قمة المجد لأي لاعب كرة قدم في العالم تتمثل في الحصول على بطولة دوري أبطال أوروبا مع فريقه، أو كأس العالم مع منتخب بلاده، ماني حقق الأولى بعدما قاد ليفربول للفوز بالبطولة الأوروبية عام 2019 للمرة السادسة في تاريخه والأولى بعد غياب استمر 14 عاماً، ولكن ذلك على ما يبدو لم يكن المجد الذي يبحث عنه اللاعب.
قبل انطلاق بطولة كأس الأمم الأفريقية 2019 بمصر، عبّر ماني بكل صراحة عن رغبته في الفوز بالبطولة مع المنتخب السنغالي، ولو كان ذلك على حساب بطولة دوري أبطال أوروبا التي حصل عليها مع الفريق الإنجليزي.
ليس هذا دليلاً كافياً على انتماء ماني لبلاده، ولكن التبرير قد يكون كافياً، فالمهاجم السنغالي سارع بالقول إن الفوز بتلك البطولة سيجعل من العودة إلى العاصمة داكار أمراً رائعاً.
حوار إنساني
ماني كان قريباً من تحقيق حلم أمم أفريقيا عندما تأهل مع منتخب السنغال إلى المباراة النهائية، عقب الفوز على نظيره التونسي بهدف نظيف في الدور نصف النهائي، ليضرب موعداً مع نظيره الجزائري في المباراة النهائية.
قبل المباراة، دخل مجموعة من الصحفيين غير السنغاليين إلى معسكر "أسود التيرانجا" في العاصمة المصرية القاهرة، وطلبوا إجراء حوار مع ماني، ورغم بعض التحفظات الأمنية، إلا أن اللاعب أصر على الخروج والتحدث إليهم.
أحد الصحفيين الذين حضروا هذا اللقاء كان مراسل صحيفة "جارديان" النيجيرية، الذي نقل الكلمات التي ألقاها ماني، التي تمحورت حول علاقته بأبناء بلده بشكل عام وقريته بشكل خاص.
وقال ماني في تلك التصريحات متحدثاً عن أهل بلدته: "هم دائماً يساندونني من خلال دعائهم لي، قررت ألا أنساهم، ربما من خلال المساعدة التي اقدمها لهم يستطيع بعض الشباب أن يكسبوا معيشتهم، وأنا متأكد أنهم مع مرور الوقت سيكونون ناجحين، وسيستمرون من حيث توقفت أنا".
وأضاف: "أنا أفريقي، لا أشعر أنه من الجيد أن تنسى جذورك مهما كانت حالتك وتقدمك في الحياة، علينا أن نواصل دعم أهلنا نفسياً ومادياً، وأعتقد أن هذا الدعم قد يساعدهم على المدى البعيد لحل مشاكلهم".
في النهاية لم تُتوج السنغال بالبطولة، حيث تعرضت للهزيمة في المباراة النهائية أمام الجزائر بنتيجة 0-1، ولكن ظلت تصريحات ماني عالقة في أذهان السنغاليين، ومعوضة لهم عن فقدان تلك البطولة.
أهلي أهم من سيارات الفيراري
في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، نقلت العديد من الصحف الأوروبية حواراً مؤثراً آخر للنجم السنغالي عن أهل بلده، تساءل فيه عن مدى أهمية امتلاك العديد من المقتنيات غالية الثمن، معتبراً أن الأهم مساعدة أهله ورد جميلهم له.
وأوضح ماني: "لماذا يجب عليَّ اقتناء 10 سيارات فيراري، و20 ساعة ألماس، وطائرتين خاصتين، ما الذي سيفيدني ويفيد العالم من ذلك؟".
ماني رصد معاناته في الصغر: "لقد كنت جائعاً في الصغر، كان عليَّ العمل في هذا المجال، عانيت في الكثير من الأوقات، ولعبت كرة القدم حافي القدمين، ولم تكن لدي القدرة على التعلم وعلى فعل الكثير من الأمور".
وأضاف: "الآن بعد أن تعلمت الكثير من الأشياء بفضل كرة القدم يمكنني مساعدة أهلي".
وأتم: "لست في حاجة إلى السيارات الفارهة أو المنازل الفاخرة أو حتى الطائرات، أفضل أن يحصل أهلي على جزء مما أعطتني إياه الحياة".
اعتذار البطل
بعد فوزه بجائزة أفضل لاعب أفريقي في عام 2019، جدد ماني حديثه عن أهمية بطولة كأس الأمم الأفريقية، معتبراً أنه يفضلها على الحصول على تلك الجائزة الفردية، في إشارة جديدة إلى أهمية أهل بلده بالنسبة له.
يأتي ذلك على الرغم من كون ماني هو السنغالي الثاني الذي يحصل على جائزة أفضل لاعب أفريقي بعد الحاج ضيوف، الذي حصل عليها مرتين في عامي 2001 و2002.
ولم يكتفي ماني بذلك، بل إنه حرص على الاعتذار للسنغاليين عن عدم قدرته على السفر إلى السنغال في الوقت الحالي، للاحتفال معهم بتلك الجائزة، في ظل انشغاله بخوض مباراة مع ليفربول أمام توتنهام بالجولة الـ22 من منافسات الدوري الإنجليزي الممتاز.
ماني أكد أنه سيعمل على زيارة السنغال في أقرب وقت ممكن، من أجل الاحتفال مع أهله بتلك الجائزة، معتبراً أن هذا أمر مهم للغاية بالنسبة له، مؤكداً أنه لن ينسى فضل كل من ساعده من أجل الوصول إلى تلك المرحلة.
أقوال يعقبها أفعال
ليس هناك أكثر من لاعبي الكرة الذين يملأون الدنيا ضجيجاً للتدليل على حبهم وانتمائهم لبلدهم الأصلي، ولكن هل يكون هذا الحب حقيقياً؟ الأفعال دائماً تؤكد صحة الأقوال أو تنفيها.
ولعل أبرز ما يميز ماني أنه لم يتوقف عند حد الأقوال، ولكنه دلل على ذلك بأفعاله، وهذا ما يتضح من خلال تصرفاته التي استمرت على مدار الفترة الماضية.
"قمت ببناء مدارس وملعب، وقمنا بمنح الملابس والأحذية والطعام للناس الذين يعانون من الفقر الشديد"، بهذه الكلمات عبّر ماني عن المساعدات التي يقدمها لأهله في السنغال.
وأضاف: "أقوم بمنح 70 يورو شهرياً لجميع الناس الذي يعانون من الفقر في السنغال، وهو ما يساعدهم على الاتقاء بمستويات عائلاتهم".
وفي أبريل/نيسان الماضي، قدّم النجم السنغالي 200 ألف جنيه إسترليني للمساعدة على بناء مدرسة ثانوية في بلدته، في ظل اعترافه بدور التعليم في تطوير حياة الأفراد، وفقاً لما أكده في أكثر من مناسبة.
ماني الإنسان
الأمر لم يتوقف عند حد المساعدات الاقتصادية، فقد نقلت مواقع التواصل الاجتماعي على مدار الفترة الماضية العديد من مقاطع الفيديو التي تظهر الجانب الإنساني من اللاعب السنغالي.
في العام الماضي، تداول النشطاء مقطع فيديو لماني، وهو يساعد أحد العاملين بغرف خلع الملابس الخاصة بالمنتخب السنغالي على نقل بعض المتعلقات الخاصة بـ"أسود التيرانجا" من حافلة الفريق، في ظل عدم قدرة العامل على حملها بمفرده.
فيديو آخر ظهر للنجم السنغالي، خلال العام الماضي أيضاً، ظهر فيه وهو يقوم بتنظيف دورات المياه الموجودة في مسجد نادي ليفربول، ليحظى بالكثير من التعليقات الإيجابية التي تغنت بتواضعه.
وفي إحدى مباريات ليفربول بالموسم الماضي، قام ماني بدعوة أحد صبية الملاعب، ومنحه القميص الخاص به، قبل أن يحتضنه ويقوم بتحيته.
ولعل آخر تلك اللقطات وأحدثها بعد تتويجه بجائزة الأفضل في أفريقيا، عندما رفض وصفه بـ"الملك"، قائلاً: "لا لا لست ملكاً".
رد الجميل
كل تلك اللقطات الرائعة التي قام بها ساديو ماني جعلته معشوقاً للجماهير السنغالية، وهو ما اتضح خلال تسلمه جائزة أفضل لاعب في أفريقيا لعام 2019.
قناة "RTS1"، أكبر القنوات السنغالية حرصت على نقل الحفل على الهواء مباشرة، للاحتفاء بحصول نجم ليفربول على الجائزة للمرة الأولى في تاريخه.
ونقل الاتحاد الأفريقي لكرة القدم "كاف" عبر حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" صورة للشعب السنغالي في مدينة بمبالي، وهم يتجمعون حول التلفاز لمتابعة فوز ماني بالجائزة.
ما نشره "الكاف" كان تأكيداً لما قاله ماني عقب فوزه بالجائزة، حين أكد أنه يدرك أن أهالي قريته يحرصون على متابعته من خلف الشاشات.
وبعد الحفل، كان ماني العنوان الأول لجميع الصحف السنغالية، التي أفردت له أغلفتها الرئيسية، بالإضافة إلى صفحات عدة من الداخل للحديث عن هذا الإنجاز.
aXA6IDE4LjE5MS42Mi42OCA= جزيرة ام اند امز