9 مارس.. ذكرى خطاب ملكي مغربي قطع الطريق أمام المخربين
لم يكن خطابا كسابقيه، ولم يكن حدثا عابرا ينسى عبر الزمن، بل كان خطابا ملكيا تاريخيا، قاد فيه عاهل البلاد، ثورة لأجل المغاربة، وبمعيتهم.
في الشارع المغربي، مُظاهرات منذ العشرين من فبراير / شباط 2011، ترفع مطالب عديدة. وفي العالم العربي، ثورات واحتقانات، أنظمة تسقط، وأجندات تخريبية تستعد لنشر سمومها بين أبناء الشعب الواحد.
خطاب استثنائي
لم يسبق له أن وجه خطاباً في هذا التاريخ، إذ أعلن الديوان الملكي عن الموعد، وشُدت الأنظار إلى شاشات التلفاز، والكُل ينتظر ماذا سيقول الملك بشأن حراك الشارع، الذي رفع فيه أبناء الوطن مطالب عديدة، وتربصت به تنظيمات راديكالية، تتحين الفرصة لخدمة أجندات خارجية.
"أيها المواطنون، أيتها المواطنات، صاحب الجلالة يُخاطبكم"، يعلن الصوت الرخيم بداية الخطاب، ليظهر العاهل المغربي، الملك محمد السادس، وعلى يمينه ولي العهد الأمير مولاي الحسن، ويساره شقيقه الأمير مولاي رشيد، والنشيد الوطني يُعزف في الخلفية.
لحظات وطنية خالدة، عكست الاستجابة السريعة لأعلى سلطة في البلاد لنبض الشارع، وحنكته التي قادت ثورة ثانية للملك رفقة الشعب، ضد المُخربين، ولأجل مغرب الديمقراطية والمؤسسات.
13 دقيقة، ظلت خالدة في أذهان المغاربة، أعلن فيها الملك عن حزمة من الإجراءات، أهمها، تعديل الدستور، وتنزيل الجهوية الموسعة، ليختم بالآية الكريمة "إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب".
انتهى الخطاب الملكي، فكان أبناء الشعب المغربي كعادتهم خلف ملكهم وقيادتهم، فتراجعت الاحتجاجات، لتغلق الباب أمام المُخربين، الذين وجدوا أنفسهم أمام حقيقة لا مفر منها، تفيد أن الملك استجاب لمطالب الشعب، وما ظل من شعارات في مظاهرات معزولة، ما هو إلا محاولات لخدمة أجندات غير بريئة.
لم يكترث المغاربة بأصوات الفُرقة والتخريب، إذ انهمكوا بمختلف مكونات المجتمع، سياسيين، ونقابيين، وفاعلين مدنيين، في إعداد دستور جديد، يُؤسس لمرحلة جديدة من مغرب المؤسسات والحريات.
دستور عرض على استفتاء عام شارك فيه 72.65 بالمائة من المغاربة، وحظي بموافقة 98,49 ٪ من الناخبين، بأغلبية ساحقة، سحبت البساط من تحت أرجل الطامعين في ضرب استقرار البلاد وتخريبها.
خطاب مرجعي
واليوم، بعد أكثر من عقد من الزمن على الدستور الجديد، لازال المغاربة يتذكرون هذا الخطاب التاريخي، ويُشددون على أنه، وإن طال الزمن، سيظل خطاباً مرجعيا، ومؤسساً لمرحلة جديدة في تاريخ البلاد.
وفي هذا الصدد، قال محمد بودن، رئيس مركز الأطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية، إن هذا الخطاب مرجعي ووثيقة مؤسسة في المسار الدستوري الوطني.
وأضاف بودن في تصريح لـ"العين الإخبارية"، أنه جاء بفعل "إرادي من أجل جعل جدول أعمال البلاد متعدد المحاور خاص فيما يتعلق بالشأن الحقوقي والاقتصادي والاجتماعي والمؤسساتي والمسار الديمقراطي".
كما أن "الخطاب مثل نقطة تحول وذكاء استراتيجي من قبل الملك محمد السادس في إطار قراءته العميقة وتحليله للسياق الاقليمي، وفي إطار الدفع اللازم للتجربة الدستورية المغربية التي تبقى تجربة غنية بعد الدساتير التي مر منها المغرب".
فصل للسلطات
وقد تناول الخطاب، يضيف بودن، مختلف النقاط التي تخص التحولات وخاصة منها فصل السلط وصلاحيات البرلمان باعتباره يمثل إرادة الأمة".
كما أبرز الخطاب "الدور الجديد للسلطة التنفيذية وخاصة منها رئاسة الحكومة وانبثاقها عن انتخابات مجلس النواب (الغرفة الاولى بالبرلمان المغربي)".
وأبرز المتحدث ذاته، أن الخطاب "أسس لمرجعة حقوقية ظهر صداها في الدستور، حيث تم إحداث مؤسسة دستورية جديدة تهم حقوق الإنسان والتقنين والطابع التشاركي للديمقراطية".
وأشار رئيس مركز الأطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية، إلى أن "دستور 2011 وصف بدستور الحقوق والحريات".
وأكد بودن، أن "الخطاب الملكي واكب نقاش واسعا بخصوص الجهوية المتقدمة (نظام إداري ترابي)، والمسار الذي قطعته وما ينبغي فعله لجعل الجهات في صدارة الوحدات الترابية".
وأضاف أنه "جعل الحكامة وربط المسؤولية بالمحاسبة مبدأ أساسي في عمل أساسي في دولة المؤسسات ودولة الحق والقانون".
بُعد نظر
في الإطار ذاته، أبرز بودن، أن الخطاب وضع "أجندة ارادية اصلاحية لتطوير عمل المؤسسات والحياة الدستورية في المغرب بما يستوعب مختلف الديناميات الاحتجاجية بفعل تأثر المغرب بمحيطه".
وأضاف "كان من اللازم أن يكون التفاعل مختلف، بالنظر إلى أن الملكية في المغرب هي المحرك والمؤطر والموجه والحكم، فلابد أن يحصل تدخل من أعلى مستوى بخطاب تاريخي مشهود".
وأشار المتحدث عينه، إلى الملك محمد السادس قد "جعل من المغرب بالفعل استثناء على مستوى امتصاص بعض الصدمات والتصدي لبعض التحديات بما يلزم".
وأبرز أن المغرب "اليوم أصبح محط إشادة من قبل مختلف القوى الكبرى في العالم، فالولايات المتحدة الأمريكية مثلا تبرز الأجندة الاصلاحية للملك محمد السادس، خاصة في ما يتعلق بالجوانب الحقوقية وجوانب الحريات العامة".
قطع الطريق
من جهة أخرى، أشار المتحدث نفسه، إلى أن خطاب العاهل المغربي، محمد السادس، قطع الطريق أمام كل الأفكار والمخربين.
وأبرز بودن أن "العرض الذي جاء في الخطاب فكك حجج بعض الأطراف التي ليس غرضها الإصلاح فقط".
وأشار رئيس مركز الأطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية، إلى أن تواصل الملك المغربي "فكك مخططات هذه الجهات وجعل مضمونها هشا وبأرضية غير مثنية".
كما اعتبر بودن أن "الخطاب الملكي، وثيقة مرجعية ومثن مهم للمحللين والقراء والمتتبعين على المستوى الإقليمي والعربي وكذا في العالم".
وأضاف أن "التجربة المغربية نموذجية في نظر عدد من مراكز الأبحاث سواء في الولايات المتحدة الأمريكية أو أوروبا".
aXA6IDE4LjIyNS4xOTUuNCA= جزيرة ام اند امز