"دمى الماريونيت".. فن يجد صداه في غزة
الماريونت فن يجمع بين الرسم والخياطة والكتابة والنطق والتحريك والمسرح، وفريق "خيوط" يتدرب على الديكور وبناء المسرح والكتابة الساخرة
بدأ فريق "خيوط" مشواره في قطاع غزة تحت شعار "الحياة رغم الدمار والحصار ممكنة"، مقدماً عروضه المسرحية للأطفال وعائلاتهم.
أبطال هذه العروض دمى من القماش والكرتون المقوى، تحركها خيوط ناعمة وتصدر عنها أصوات متنوعة، وتروى القصص من حيث تحركها الأصابع في الخفاء.
مهدي كريرة، صاحب الـ40 عاماً، منسق ومدرب ومدير فريق "خيوط"، شغوف بالدمى، حيث أخذت منه جل اهتمامه منذ أن كان طفلاً، فسايرها لتكبر في داخله، ويصبح صانعاً لها، وكاتب الكلام لها، ورسام أشكالها، ورابط خيوطها ومحركها.
يقول "كريرة" لـ"العين الإخبارية": "الدافع الحقيقي لتوجهي إلى صناعة عرائس الماريونيت أن هذا الفن غير موجود في قطاع غزة، رغم أنه موجود كفن قديم وعتيق في تاريخ فلسطين والوطن العربي".
وأضاف: "أحببت إحياءه بشكل مختلف وحديث يجاري تطوره في العالم وفق ما لدي من إمكانيات وقدرات، ولهذا شكلت فريق (خيوط)، المكون من 10 فتيات وشابين، دربتهم على الرسم والقص والخياطة والتشكيل والكتابة الإبداعية".
وتابع: "دربتهم أيضاً على طريقة النطق بألسنة الدمى، وطريقة تحريكها بشكل ينسجم والكلام والحركات، وإيماءات الجسد، ونجحت في تكوين هذا الفريق الوحيد بمسرح الدمى في قطاع غزة، وكل ذلك بإمكانيات فردية وطموح شخصي".
وعن الماريونيت قال "كريرة": "فن يجمع بين الرسم والخياطة والكتابة والنطق والتحريك والمسرح، فهو وطن لكل هذا، وفريقي يتدرب على الديكور وبناء المسرح والكتابة الساخرة، ومتابعة تطور هذا الفن عالمياً".
وأوضح: "تم فتح قناة على مواقع الإنترنت لعرض أعمالنا، كما أننا نتجول في محافظات قطاع غزة لتنفيذ عروضنا المسرحية، ولاقينا قبولاً منقطع النظير، خاصة عند الأطفال الذين يحضرون مع عائلاتهم بغية الضحك والتسلية، والكبار يتلقفون القضايا المطروحة، والتي تتشكل من همومهم وأمانيهم ومعاشهم".
ويواجه فريق "خيوط" الكثير من الصعوبات، خاصة تلك المتعلقة في إيجاد جهات التمويل، لتطوير العروض بإدخال قضايا كبرى تهم المواطن الفلسطيني.
ولأن الدعم لا يتجاوز الحد الأدنى، يتم إنفاقه غالباً على شراء المواد الخام، وجلسات تدريب الفريق، ولأن ثقافة شراء تذاكر العروض معدومة في قطاع غزة، فيضطر الفريق إلى الاستعانة بممولين محليين أو مؤسسات تريد أن تطرح قضايا عامة من زواياها.
وقال "كريرة": "قدمنا أكثر من مشروع لوزارة الثقافة الفلسطينية، وبعض المؤسسات الدولية لتنفيذها، وتطوير فن دمى الخيوط، وكان لنا صولات وجولات في هذا الميدان، ولكن كلها قيد الانتظار، وبعض المؤسسات الدولية والمحلية قدمت تمويلاً لطرح قضايا خاصة وهادفة بالنسبة لها وتم تنفيذها، ولاقت قبولاً واستحساناً لدى الجمهور المحلي".
وأضاف: "نسعى خلال عام 2020 إلى تكثيف عروضنا، ومواصلة هذا الفن، رغم كل ما نجده من معيقات وقلة إمكانيات، لأننا نؤمن أن هذا الفن أحيا البسمة كما أنه حرك الراكد في عقول مشاهدينا".
فريق خيوط الذي يتخذ من مقر الاتحاد العام للفنانين التعبيريين مكاناً لعمله، لا يفقد الأمل بمواصلة مشواره نحو الانتشار بشكل أوسع، والتعريف به بطريقة إبداعية، رغم العوائق الكثيرة.
وقال "كريرة": "رسالتنا شاملة تتضمن القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، ولا تنتهي عند نقطة في آخرها، بل في كل عرض نطرح قضية مهمة، ونستقبل الأفكار بدون تردد إذا كانت تخدم مسرحنا".
وأكد: "لسنا داخل أي تجاذبات في المجتمع، بل نحمل رسالة سامية مفادها أن هذا الفن مع الحياة الكريمة، والعيش المشترك، والمبني على الثقة والتعايش، ولسنا مع الخلاف المؤدي للاشتباك وسفك الدماء، فنحن مع بناء الإنسان قبل بناء المكان، وغزة أكثر منطقة في العالم تحتاج لهذا الفن لأن سكانها يعيشون المتناقضات بكل تفاصيلها".
وتابع: "في غزة لا يعرفون متى تكون الحياة مستقرة وآمنة، ولا متى تسخن من تحت أقدامهم وسقوف منازلهم، وتعابيرنا عن شعبنا يحملنا أمانة كبرى، فالدمى بخيوطها وأصواتها الآتية من خارج حناجرها تقول إن الحياة رغم الدمار والحصار ممكنة".
ويحلم "كريرة" وفريقه "خيوط" أن يتطور مسرح الدمى في قطاع غزة، ولا يخشى من المنافسة، بل يريدها لتحقيق حلمه الكبير في أن يتثقف المجتمع المحلي بجميع أنواع الفنون، ويتواصل مع الكون بعمارته وتطوره، وينسى ركام الدمار وأصوات الأسلحة المنفرة للحياة.
ولهذا يقول "كريرة": "أتمنى أن أتجول في عواصم العالم، وأعرض فني مع فريقي، في مسارح دولية وعربية كبيرة، كالشارقة والقاهرة".
واختتم: "نحن في فلسطين قادرون على بلوغ الغاية الأجمل، وإخراج ما هو أنقى من أرواحنا وعقولنا للبشرية، فلسنا خلف متاريس رملية طوال الوقت لكي نتصدى للرصاص والقذائف، بل نحن في الخطوط الأمامية مع فنوننا لنقول للعالم إننا نعيش الحياة ما استطعنا إليها سبيلا".