هجرة الأطباء.. نزيف مستمر يفاقم الأزمة الصحية بغزة
الأزمة الاقتصادية التي تخنق قطاع غزة واستمرار الانقسام بين "حماس" و"فتح"دفعا الكثير من أصحاب الكفاءات إلى الهجرة
تعاني غزة من أزمة صحية بسبب الاحتلال الإسرائيلي يزيد من تفاقمها هجرة عشرات الكفاءات الطبية التي وجدت نفسها مضطرة للبحث عن فرص أفضل في الخارج.
ودفعت الأزمة الاقتصادية التي تخنق قطاع غزة، واستمرار الانقسام بين "حماس" و"فتح"، وما نجم عن ذلك من تردي رواتب الموظفين، الكثير من الفلسطينيين ومنهم الأطباء في غزة خاصة الشباب وأصحاب الكفاءات إلى الهجرة بحثًا عن فرص أفضل.
"سأتغيب عن الوطن مضطراً لفترة من الزمن قد تطول لعدة سنوات".. هذه الكلمات التي كتبها الطبيب الفلسطيني منتصر إسماعيل استشاري أمراض القلب والأوعية الدموية في قطاع غزة، ليعكس حال العشرات من زملائه الأطباء.
وعبر إسماعيل عن أمله ألاّ تطول مدة الغياب وأن يعود لأرض الوطن "عندما تتوفر للموظف عموماً وللطبيب، خصوصاً فرصة الحياة الكريمة له ولأسرته دون أن يحاربه أحد في رزق أبنائه ويمنع عنه أبسط حقوقه".
قرع أجراس الخطر
ووفق خبراء، تركت هجرة الكفاءات والأطباء منهم على وجه الخصوص آثارا سلبية على الوضع الصحي الذي يعاني بالأساس من جملة أزمات كبيرة، في ظل حالة طوارئ تكاد لا تتوقف نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية وما تخلفه من ضحايا.
وبحسب الدكتور بكر أبوصفية، القيادي في "الجبهة الشعبية"، غادر قطاع غزة منذ 13 عاما (سيطرة حماس على القطاع في 2007) نحو 320 ألف مواطن، لم يعد عشرات الآلاف منهم للقطاع.
وقالت مصادر فلسطينية إن ما لا يقل عن 35 ألف فلسطيني هاجروا من غزة منذ 2018.
ويقول أبوصفية، وهو طبيب ومتابع لأزمة الأطباء بغزة لـ"العين الإخبارية": "مجرد هجرة كفاءات طبية من البلد فهذا يقرع جرس الإنذار"، مشيرا إلى الخطورة المترتبة على مغادرة أطباء جراحة القلب المميزين من غزة والكفاءة العلمية والعملية من الاستشاريين في الباطنة والأعصاب والعظام والأنف والأذن والحنجرة وغيرهم.
ويؤكد أن "الطبيب والممرض والمريض ضحية النظام الصحي الموجود في البلد ليس لهذا النظام علاقة بصحة المواطن".
ضعف النظام الصحي
وشهريا هناك 2000 تحويلة لمرضى من غزة للعلاج في مستشفيات خارج القطاع وتتركز تحويلاتهم على مستشفيات الضفة والقدس وإسرائيل والأردن ومصر.
ويعزو أبوصفية ارتفاع أعداد المرضى المحولين إلى ضعف النظام الصحي الذي يسمح بتحويل المرضى خشية فشل الأطباء في تقديم العلاج الفعال لهم، وذلك كي لا يتحمل النظام الصحي مسؤولية الفشل فيرى في التحويلات فرصة للتحلل من المسؤولية عن أي مضاعفات للمرضى، مؤكدا أن الاصل ألاّ يزيد عدد المرضى المحولين على 200 حالة في القطاع، وقال: "هذا النظام الصحي المترهل ساهم في دفع عدد من الأطباء المميزين للهجرة".
أزمة الرواتب
ويتقاضى الأطباء في غزة سواء المعينين من السلطة الفلسطينية أو سلطات حماس، رواتب متدنية مقارنة بالرواتب التي يحصلونها في حال حصلوا على فرص خارجية.
طبيب متخصص في جراحة القلب فضل عدم ذكر اسمه، أكد في حديثه لـ"العين الإخبارية" أن هجرة الأطباء تتركز بين الشباب ممن هم في سن الـ40 إلى 48 عاما، فضلا عن الأطباء الملتحقين حديثا بالسلك الصحي.
وأرجع الهجرة لعدم وجود راتب مجزي يحفظ كرامة الأطباء إضافة إلى عدم وجود حماية للأطباء وتقدير لوضعهم لذلك تجدهم يغادروا؛ بحثا عن استقرار وظيفي واحترام المجتمع وتبادل خبرات متقدمة غير متوفرة بالشكل المطلوب في غزة.
إقرار بالأزمة
ويقر الدكتور عبدالسلام صباح مدير عام المستشفيات بوزارة الصحة في غزة بالأزمة، مشيرا إلى وجود عجز كبير في عدد الأطباء.
وقال صباح لـ"العين الإخبارية": "مرافق الوزارة فيها 1400 طبيب، ونحتاج إلى 300 - 400 طبيب لسد الفجوة الموجودة حاليا".
وحول حقيقة أزمة الرواتب يوضح صباح أن من بين الـ1400 طبيب العاملين بالصحة في غزة 800 يتقاضون رواتب من السلطة ومن هؤلاء نحو 500 أحيلوا قبل حوالي سنتين للتقاعد المالي، (أي يستمرون بالعمل ولكن يتقاضون راتبا تقاعديا دون أي مستحقات أخرى) والـ600 طبيب الآخرون يتلقون رواتبهم من غزة وفعليا لا يستلمون سوى 40% من قيمة رواتبهم المتدنية أساسا.
ويقول صباح إن من 70 إلى 80 طبيبا غادروا القطاع بينهم عدد من أصحاب التخصصات النوعية، مشيرا إلى أن أطباء آخرين قدموا إجازات مؤقتة ينتظر عودتهم للعمل، مشيرا إلى وجود أعداد من الأطباء غير مرتاحين لأوضاع البلد عموما والرواتب خصوصا.
وأكد أن مغادرة غزة السبب الرئيسي فيها الرواتب الضعيفة التي يتقاضاها الطبيب، والسبب الثاني هو عدم وجود تغطية مالية للشواغر الطبية، بالإضافة إلى تلقي أطباء لعروض خارجية فيها امتيازات كبيرة فيضطرون للالتحاق بها وترك الصحة.
وأشار إلى أن التعيينات الجديدة للأطباء تتم من خلال عقود مدتها سنة يتقاضى بموجبها الطبيب 1200 شيكل شهري (حوالي 344$) فقط وهي غير مغرية خصوصا لطبيب يحمل البورد.
حماس تتحمل المسؤولية
ويلقي أسامة النجار، الناطق باسم وزارة الصحة الفلسطينية، باللائمة في الأزمة على حركة "حماس".
وقال النجار لـ"العين الإخبارية": "القطاع الصحي الذي تتحكم في مفاصله حماس، استبدل مدراء المستشفيات ورؤساء أقسام من خيرة الكوادر الطبية بأطباء لا خبرة لهم".
وأضاف: "لقد أقصت (حماس) الكفاءات عن المواقع المهمة ووضعوهم في مواقع عمل لا تليق بخبراتهم ووضعوا أطباء حسب الولاءات التنظيمية في المواقع الأساسية وهذا عامل خطير ساهم في تدمير القطاع الصحي ودفع أطباء كثر للهجرة".
وأكد أن "حماس" منعت 3 آلاف موظف من وزارة الصحة من العودة لأعمالهم بعدما سيطرت على غزة 2007 بين هؤلاء 500 طبيب خبير.
وقال: "هؤلاء فقدهم القطاع الصحي مرة واحدة ساهموا في تردي الخدمات المقدمة للمرضى وجاء بدلا عنهم أطباء ما زالت خبرتهم محدودة ولم يتلقوا خبرة طبية كافية من سابقيهم تؤهلهم للقيام بالمهام الموكلة لهم".
وكشف عن دراسة أجرتها الوزارة تبين أن عددا كبيرا من الأطباء الذين خرجوا لاكتساب خبرات علمية جديدة لم يعودوا بعد إكمال دراساتهم التخصصية، وذلك لعدم تغير السياسات القائمة في القطاع الصحي بغزة.
aXA6IDMuMjEuMjEuMjA5IA==
جزيرة ام اند امز