خبراء لـ"العين الإخبارية" عن رحلات المريخ: احتمالات النجاح والفشل متساوية
بينما ينتظر العالم وصول 3 مركبات فضائية هذا الشهر إلى كوكب المريخ، فإن قائمة الرحلات للكوكب تشير إلى أن احتمالات الفشل واردة.
ويجمع خبراء، استطلعت "العين الإخبارية" آراءهم على أن الرحلات إلى الفضاء بشكل عام، وليس إلى المريخ على وجه الخصوص، تحيط بها مخاطر كبيرة، تجعل فرص النجاح مساوية تماما لفرص الفشل، وعادة ما يتم تحقيق النجاح بعد محاولات جانبها التوفيق.
ويقول الدكتور إجناسيو تروجيلو، الباحث في "معهد الفضاء الفلكي" في جزر الكناري بإسبانيا لـ"العين الإخبارية": "كما أن اختراع الطائرة جاء بعد سلسلة من الإخفاقات، فيجب أيضا أن نتوقع حدوث إخفاقات على طريق الوصول إلى المريخ، ويكفي مثلا أن نعرف أن الاتحاد السوفيتي السابق أطلق 10 محاولات فاشلة خلال 11 عاما بداية من عام 1960 حتى 1971، منها أكثر من محاولة عام 1971، قبل أن يكتب له النجاح في المحاولة الأخيرة من ذلك العام".
محاولات سوفيتية فاشلة
كانت أولى المحاولات الفاشلة للاتحاد السوفيتي السابق، تلك التي تتعلق بالمركبة الفضائية (كورابل 4) في 10 أكتوبر/تشرين الأول عام 1960، حيث دمرت في أثناء الإطلاق، وفشلت في الوصول إلى مدار الأرض.
كما واجهت (كورابل 5)، التي تم إطلاقها في 14 أكتوبر/تشرين الأول من العام ذاته، بعد 4 أيام من الإطلاق الأول الفاشل، المصير نفسه، وخطت (كورابل 11) عام 1961 خطوة أكثر تقدما بتحطمها بعد تجاوز مدار الأرض فقط.
أما المركبة (المريخ 1) التي أطلقت عام 1962، فقد وصلت إلى مدار حول الأرض وما بعده، ولكن بعد 5 أشهر تقريبًا، وفي 21 مارس/آذار 1963 توقف الاتصال بالمركبة بشكل دائم بينما كانت على بعد 65.9 مليون ميل (106 ملايين كيلومتر) من الأرض.
واستمرت المحاولات السوفيتية الفاشلة، من خلال (كورابل 13) في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 1962، والتي تجاوزت مدار الأرض، ولكن واجهت مشكلة قاتلة عندما غيرت مسارها نحو المريخ وسقطت في النهاية مرة أخرى على الأرض، على شكل قطع.
وتوقفت المحاولات عامين حتى عادت في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 1964 من خلال ( زوند 2)، والتي لم يكتب لها النجاح أيضا، بسبب توقف الاتصال بالمركبة.
وبعد هذه المحاولة الفاشلة توقفت المحاولات حتى عادت عام 1969 بمحاولتين فاشلتين مجددا، وكانت الأولى من خلال المركبة (المريخ 1969A) في 21 مارس/آذار، والتي فقدت في عملية إطلاق فاشلة، وتبعها محاولة أخرى في 2 أبريل/نيسان من خلال المركبة (المريخ 1969 B)، وفقدت أيضا في عملية إطلاق فاشلة.
عام النجاح السوفيتي
ولم تصب هذه المحاولات الفاشلة الاتحاد السوفيتي باليأس، ففي عام 1971 استأنف محاولاته للوصول إلى المريخ، ومن بين 3 محاولات، كتب له النجاح في المحاولة الأخيرة.
وكانت المحاولة الأولى الفاشلة في 10 مايو/أيار 1971 من خلال المركبة الفضائية (كوزموس 419)، والتي تجاوزت فقط المدار الأرضي.
أما المحاولة الثانية فقد كانت أكثر تقدما، وإن كتب لها الفشل في النهاية، وكانت من خلال المركبة الفضائية (المريخ 2)، والتي أطلقت في 19 مايو/أيار 1971، ووصلت إلى مدار المريخ، ولكن تحطمت مركبة الإنزال على سطح الكوكب ولم تعد صالحة للعمل.
وجاءت المحاولة الأخيرة في العام نفسه وكتب لها النجاح، وإن كان نجاحا منقوصا، من خلال المسبار (المريخ 3)، الذي تم إطلاقه في 28 مايو/أيار 1971، وهو مركبة إنزال ومركبة مدارية، ووصلت إلى الكوكب الأحمر في 3 ديسمبر/كانون الأول، وعمل المسبار لبضع ثوان فقط على السطح قبل أن يفشل، لكن المركبة المدارية عملت بنجاح.
ورغم هذا النجاح الجزئي، والذي يعني أن برنامج الفضاء السوفيتي بات على الطريق الصحيح، شهد عام 1973 ثلاث محاولات أخرى، منها محاولتان فاشلتان، ومحاولة لم يكتب لها نجاح كامل .
ثم كانت هناك محاولتان فاشلتان في 1988، ومحاولة فاشلة أخرى بعد أن تفكك الاتحاد السوفيتي، قامت بها روسيا عام 1996، وتجدد الفشل من خلال محاولة صينية روسية مشتركة عام 2011، ثم تجدد الفشل مرة أخرى في مهمة مشتركة مع وكالة الفضاء الأوروبية عام 2016.
فشل بعد نجاح
وكانت أولى محاولات عام 1973 من خلال المركبة (المريخ 4)، والتي تم إطلاقها في 21 يوليو/تموز، وكان من المفترض أن تدخل المدار حول المريخ في عام 1974، ومع ذلك، حالت مشاكل في الكمبيوتر دون حدوث الاندماج المداري.
وأعقب ذلك إطلاق المركبة (المريخ 5) في 25 يوليو/تموز 1973، وحققت نجاحا غير مكتمل، حيث دخلت المدار حول المريخ بنجاح، ومع ذلك، فقد فشلت بعد بضعة أسابيع، أما آخر محاولات عام 1973، فكانت من خلال المركبة (المريخ 6)، والتي تم إطلاقها في 5 أغسطس/آب، والتي فقد الاتصال بها أثناء استعدادها للهبوط، وذلك بسبب عيب في التصميم.
وعادت المحاولات السوفيتية مجددا في عام 1988، بمحاولتين فاشلتين، الأولى (فوبوس 1) في 7 يوليو/تموز، عندما تسبب عطل في الكمبيوتر في فقدانها أثناء الطريق إلى المريخ، والثانية (فوبوس 2)، وهي آخر مسبار فضائي صممه الاتحاد السوفيتي، وتم تصميمه لاستكشاف أقمار المريخ "فوبوس" و"ديموس"، وتم إطلاقه في 12 يوليو/تموز 1988، ودخل مدار المريخ في 29 يناير/كانون الثاني 1989.
وقبل فترة وجيزة من المرحلة الأخيرة من المهمة، والتي كان من المفترض خلالها أن تقترب المركبة الفضائية من سطح "فوبوس" على مسافة 50 مترًا، فقد الاتصال بالمركبة الفضائية، وتم تحديد سبب الفشل على أنه عطل في الكمبيوتر.
وحاولت روسيا بعد تفكك الاتحاد السوفيتي تنفيذ محاولة أخرى في 16 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1996 من خلال المركبة (المريخ 96)، ولكن حدث فشل في الإطلاق.
ثم حاولت مجددا بالتعاون مع الصين من خلال المركبة "فوبوس جرونت"، والتي أطلقت في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، وكانت تستهدف إعادة عينة من تربة فوبوس، أحد أقمار المريخ، ولكن تقطع بها السبل في مدار الأرض، وفشلت محاولات وضعها في المسار نحو المريخ.
ودخلت في 14 مارس/2016 في مهمة مشتركة مع وكالة الفضاء الأوروبية لإطلاق المركبة الفضائية (شياباريلي)، وفقدت المركبة خلال مراحل الهبوط الأخيرة.
3 أسباب للفشل
كل هذه المحاولات يمكن وضعها داخل إطار 3 أسباب رئيسية، وهي الأخطاء الهندسية وأخطاء البرامج وأحيانًا الحظ السيِّئ كما يؤكد تروجيلو.
ويضيف: "يظهر الحظ السيِّئ في البرنامج السوفيتي بوضوح في مهمة (المريخ 3)، والتي هبطت على سطح المريخ، ثم بدأت في إرسال صورة إلى وحدات التحكم الأرضية، ولكن بعد حوالي دقيقتين على سطح المريخ، تعطلت أنظمة المركبة الفضائية، وربما كان السبب عاصفة ترابية اندلعت، ويعتقد أن الغبار ربما تسبب في تفريغ كهربائي أضر بمعدات اتصالات المسبار".
والأمر ليس قاصرا على الاتحاد السوفيتي، فالولايات المتحدة صاحبة أكبر سجل من النجاح في الرحلات إلى المريخ، كانت على موعد مع بعض المحاولات الفاشلة، كما يوضح تروجيلو.
واستهلت أمريكا محاولاتها في الاتجاه نحو المريخ بالفشل، وكان ذلك عبر المركبة الفضائية (مارينر 3)، والتي أطلقت في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 1964، لالتقاط صور للمريخ، ولكن حالت مشكلة فنية دون مواصلة مهمتها، ورغم أن الإطلاق كان ناجحًا في البداية، إلا أن مشكلة في فصل المركبة عن صاروخ الإطلاق تسبب في توقفها عن الاستجابة عندما نفدت طاقة بطارياتها.
21 صورة من المريخ
ولم تمر أيام حتى كتب للمهمة التالية (مارينر 4) النجاح، وأطلقت هذه المركبة الفضائية في 28 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1964، ونجحت في الوصول إلى سطح المريخ وأرسلت 21 صورة، واستمر النجاح عام 1969 مع المركبتين (مارينر 6) و(مارينر7 )، وتم إطلاقهما في 15 فبراير/شباط، وأرسلت الأولى 75 صورة، والثانية 126 صورة.
وبعد هذا النجاح، كانت الولايات المتحدة على موعد مع فشل شبيه بالبدايات في 9 مايو/أيار عام 1971، حيث حدثت مشكلة في إطلاق المركبة (مارينر 8)، وخلال العام نفسه، وتحديدا في 30 مايو/أيار، يتم إرسال المركبة (مارينر 9) بنجاح، وترسل 7 آلاف و329 صورة.
وكانت الولايات المتحدة على موعد عام 1975 مع مهمتين ناجحتين، الأولى هي (فايكينج 1)، وتم إطلاقها في 21 أغسطس/آب، وهي المهمة الأطول على سطح المريخ واستغرقت 6 سنوات، وكانت المهمة الثانية هي (فايكينج 2) في 9 سبتمبر/أيلول، ونجحت في إعادة 16 ألف صورة وبيانات شاملة عن الغلاف الجوي وتجارب التربة.
ورغم هذا النجاح الكبير الذي تحقق عام 1975، فإن وكالة الفضاء الأمريكية لم تستطع الحفاظ على استمرار هذه المسيرة الناجحة، وكانت على موعد مع الفشل مجددا من خلال مهمة (مارس أوبسيرفر)، التي أطلقت في 25 سبتمبر/أيلول 1992، وفقدت قبل الوصول إلى المريخ.
وعادت الوكالة الأمريكية لتحقق النجاح مع مهمة (الماسح الشامل للمريخ) وهي مركبة فضاء روبوتية تم إطلاقها في 7 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1996، وأنتجت أكبر عدد من الصور في مهام كوكب المريخ، وحققت نجاحا في العام نفسه مع مهمة "مارس باثفايندر"، التي أُطلقت في 4 ديسمبر/كانون الأول 1996 .
3 مهام فاشلة و8 ناجحة
وخلال عامي 1998 و1999، كانت على موعد مع 3 مهمات فاشلة، قبل أن تعاود النجاح في 8 مهام متتالية بداية من 2001.
وكانت المهمات الفاشلة هي (مارس كلايمت أوربتر)، التي أطلقت في 11 ديسمبر/كانون الأول عام 1998، و(مركبة الهبوط على قطب المريخ ) التي أطلقت في 3 يناير/كانون الثاني عام 1999، و(ديب سبيس 2) التي أطلقت في 3 يناير/كانون الثاني عام 1999.
ولم تتمكن جميع هذه المركبات من الوصول للمريخ، وبعدها جاء النجاح في 8 مهام بدأت من 2001 حتى 2018، وكانت أولها مهمة (مارس أوديسي) التي أطلقت في 7 إبريل/نيسان 2001، وأرسلت صورا عالية الجودة للمريخ.
ثم مهمة المركبة الفضائية (سبيريت)، وأطلقت في 10 يونيو/حزيران 2003، و(أبورتيونيتي) أطلقت في 8 يوليو/تموز 2003، (مارس ريكونيسانس أوربيتر) في 12 أغسطس/آب 2005، (فينيكس) في 4 أغسطس/آب 2007، (مختبر علوم المريخ) في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، (مافن) في 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2013، (إنسايت) في 5 مايو/أيار 2018.
وإضافة إلى المحاولات الأمريكية والسوفيتية ثم الروسية من بعدها، كانت هناك محاولات يابانية وهندية وأخرى تابعة لوكالة الفضاء الأوروبية، وكانت الهند هي صاحبة النجاح، بينما فشلت المهمة اليابانية، والأوروبية.
وكانت المهمة اليابانية الفاشلة عبر المركبة (نوزومي) التي أطلقت في 3 يوليو/تموز 1998، ولم تصل إلى المريخ بسبب أعطال كهربائية، وبعدها فقدت المركبة الأوروبية " بيجل 2" التي أطلقت في 2 يونيو/حزيران 2003 عند الهبوط على سطح المريخ.
وكانت المهمة الهندية الناجحة من خلال المركبة (مانجاليان) والتي أطلقت في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2013، واستطاعت استكشاف ميزات سطح المريخ ومعادنه وغلافه الجوي.
الوافد الجديد
ويعود العالم إلى محاولة استكشاف المريخ مجددا من خلال 3 مهام أطلقت في شهر يوليو/تموز الماضي، أبرزها مهمة دولة الإمارات، الوافد الجديد على مهام استكشاف المريخ، حيث تستهدف من خلال إطلاقها لمسبار الأمل الوصول إلى مدار المريخ، وتقديم صورة شاملة عن مناخ الكوكب الأحمر.
أما المسبار الأمريكي (برسيفيرنس)، يسعى إلى الهبوط على سطح الكوكب، بينما يستهدف المسبار الصيني "تاينون 1" إلى القيام بمهمة مزدوجة في مدار المريخ وعلى سطح الكوكب.
ومن المقرر أن تصل هذه المهام الـ3 إلى الكوكب خلال شهر فبراير/شباط الجاري، غير أن وصولها بأمان إلى هدفها والشروع في أداء المهام التي أرسلت من أجلها يظل يحيط به بعض المخاطر مثل ما حدث في الرحلات السابقة إلى الكوكب الأحمر والتي بدأت في عام 1960.
ويقول الدكتور علاء النهري، نائب رئيس المركز الإقليمي لتدريس علوم وتكنولوجيا الفضاء بالأمم المتحدة لـ"العين الإخبارية": "رغم التفاؤل بوصول هذه المهام، ولا سيما مسبار الأمل الذي أتابع رحلته باهتمام بالغ، فإن احتمالات الإخفاق تظل قائمة في أي مهمة".
ويوضح:"إطلاق المهام الـ3 تم بنجاح، وهي الآن تسير بنجاح أيضا باتجاه المريخ، ويبقى مرحلة استلام مدار المريخ، وهي مرحلة صعبة، تتطلب تخفيض سرع هذه المركبات الفضائية باستخدام أنظمة الدفع المزود بها، وإذا حدثت أي مشكلة في هذه الأنظمة، يمكن أن تفشل في الولوج إلى المدار".
ويضيف: "أشعر بالتفاؤل بنجاح مسبار الأمل في مهمته، ولكن إذا لا قدر الله لم ينجح في الولوج إلى المدار وتحقيق المهمة العلمية التي أرسل من أجلها، فإن ما تحقق حتى الآن يعد نجاحا في حد ذاته".
وبينما فشلت مهام كثيرة في مرحلة الإطلاق، فإن مسبار الأمل نجح في تلك المرحلة، ثم أصبح يسير بنجاح باتجاه المريخ.
ويقول النهري: "هذا يعني أن الإمارات خطت خطوات مهمة جدا في طريق النجاح، بل يمكن اعتبار أن ما تحقق حتى الآن يعد نجاحا جزئيا للمهمة، ونتمنى اكتمالها".