رئاسيات موريتانيا.. الإخوان يشقون صف المعارضة حول المرشح الواحد
الإخوان أصروا على محاولة فرض أحد المرشحين وعدم ترك أي خيارات أخرى بما فيها الترشيح من داخل المعارضة ذاتها لا مستوردا من خارجها
بعد إعلان الرئيس الموريتاني محمد ولد عبدالعزيز عدم ترشحه لولاية رئاسية ثالثة، أعلنت أحزاب المعارضة الرئيسية عزمها التقدم بمرشح موحّد للانتخابات الرئاسية.
من جانبها أصرت جماعة الإخوان في موريتانيا عبر حزبها المسمى "تواصل" على محاولة فرض أحد المرشحين، وعدم ترك أي خيارات أخرى بما فيها الترشيح من داخل المعارضة ذاتها لا مستوردا من خارجها.
وعلى الرغم من صعوبة المفاوضات وما يفترض أن تكون سرية للمداولات بين أطراف المعارضة حول الأسماء المطروحة، إلا أن إخوان موريتانيا اختاروا تفجير الموقف السياسي بين شركائهم السياسيين المعارضين من خلال بيان زعم أن الأطراف المعارضة طرحت الوزير الأول الأسبق سيدي محمد ولد بوبكر ووزير العدل الأسبق محفوظ ولد بتاح، كمرشحين يجري بينهما الخيار.
بيان الإخوان يعني ضمنيا، وفق مراقبين، اختيار ولد بوبكر، بالنظر إلى تضاؤل فرصة ولد بتاح الذي تم حل حزبه "اللقاء الديمقراطي" (معارض) مؤخرًا.
البيان أثار غضب المعارضة وأصدروا بيانات وتصريحات تكذب مزاعم الإخوان وتؤكد أن المداولات لم تطرح أسماء الشخصيتين بشكل حصري، بل كشف رئيس حزب اتحاد قوى التقدم المعارضة محمد ولد مولود الذي كان أحد خيارات المعارضة أن الإخوان يصرون على استبعاده من الترشح باسم المعارضة.
في المقابل، أعلنت الأغلبية الحاكمة في موريتانيا دعمها وزير الدفاع الحالي محمد ولد الغزواني للانتخابات الرئاسية.
انتهازية الإخوان
الكاتب والمحلل السياسي أحمد الشنقيطي قال في تصريحات لـ"العين الإخبارية": "إن إصرار الإخوان على فرض المرشح ولد بوبكر على المعارضة يأتي كمحاولة "لتطويق" هذا المرشح واستقطابه إلى جانبهم على حساب بقية تشكيلات المعارضة على اعتبار أنه قد يكون منافسا حقيقيا لمرشح الأغلبية الحالية وهو استحواذ قد يمكنهم مستقبلا من الحضور الفاعل في السلطة إذا فاز المرشح".
وأكد الشنقيطي أن سلوك "الانتهازية" لدى الإخوان و"التنكر" للحلفاء يجعلهم دائما في مواقف "مريبة" وتؤدي إلى تفجر الخلاف داخل المعارضة في الأوقات الحرجة للمعارضة، مبينا أن هذه الواقعة المتعلقة بالموقف من ولد بوبكر ليست الأولى بل هناك مواقف مشابهة للطعن من الخلف نفذها الإخوان ضد من يفترض أنهم حلفاؤهم.
وتوقع المحلل السياسي مواءمة ولد بوبكر بين مختلف الرؤى والتطلعات لمختلف التشكيلات الداعمة له، لافتا إلى أن المرشح يدرك جيدًا سلوك "الانتهازية" المعروف للإخوان التي قد تلعب دورا طاردا لبقية التشكيلات المعارضة من الاقتراب للمرشح.
بدوره، قال الكاتب السياسي محمد فال محمد الأمين إن حزب إخوان موريتانيا "تواصل" يثبت دوما أنه عقبة الديمقراطية في البلد، لافتا إلى أن بيان الإخوان الأخير الذي فجر الخلاف بين المعارضين، يؤكد أنهم العقبة في أي قرار تتخذه المعارضة الديمقراطية.
وانتقد الأمين، في تصريحات صحفية، قيام الإخوان بنشر المداولات السرية لنقاشات المعارضة بخصوص المرشح الموحد.
فيما اعتبر الكاتب والمدون الموريتاني شيخنا ولد محمد فال، أن الموقف الأخير للإخوان من المرشح الموحد الذي أثار امتعاض وغضب أقرانهم في المعارضة، يكشف عن خلافات قوية داخل التنظيم.
وأشار محمد فال في تدوينة بحسابه على "فيسبوك" إلى أن إخوان موريتانيا يواجهون ما وصفها بـ"الخلافات البنيوية الداخلية والتناقضات المناطقية والناخبية والتكتيكية"، تضاف إلى خنق شديد يواجهه الحزب منذ فترة، بعد أن جفف نظام الرئيس محمد ولد عبدالعزيز مؤخرا الكثير من مصادر تمويله الخارجية.
طموح الرئاسة
لم يُعرف المرشح المحتمل لرئاسيات 2019 الموريتانية سيدي محمد ولد بوبكر خارج دائرة رجال السلطة، حيث قاد حكومات موريتانيا وتقلد مناصب مهمة بين 1992 و2016.
"ولد بوبكر" رجل اقتصاد خريج جامعة أورليان الفرنسية، ولد في 31 مايو/أيار 1957 في مدينة "أطار" شمالي موريتانيا.
سافر إلى فرنسا عام 1980 لإكمال دراسته التي عاد منها سنة 1982 بدبلوم الدراسات العليا في القانون الاقتصادي من جامعة أورليان.
توّج مساره الوظيفي الذي بدأ منتصف الثمانينات مستشارًا لوزير الاقتصاد والمالية، بتعيينه من طرف الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع (2005-1984) سنة 1992 وزير أول للحكومة المنبثقة عن أول انتخابات تعددية شهدها البلاد أواخر عام 1991.
من العمل الحكومي، انتقل الرجل بعد سنتين إلى العمل السياسي الحزبي الميداني حيث عُين أمينا عاما للحزب الجمهوري الديمقراطي الاجتماعي الحاكم آنذاك، ثم وزيرا أمينا عاما لرئاسة الجمهورية، فمديرا لديوان رئيس الجمهورية.
بعد الإطاحة بالرئيس الأسبق ولد الطايع سنة 2005، عاد سيدي محمد ولد بوبكر مجددًا لواجهة العمل الحكومي، فعيّن من طرف المجلس العسكري الذي حكم البلاد بين 2005 و2007 وزيرا أول للحكومة الانتقالية التي أشرفت على تنظيم الانتخابات التشريعية والرئاسية في 2007.
وبعد المرحلة الانتقالية 2005-2007 بدأ "ولد بوبكر" مسيرة دبلوماسية خارجية سفيرًا في كل من إسبانيا ومصر التي شغل فيها أيضا مندوبًا لموريتانيا لدى جامعة الدول العربية، بالإضافة إلى فرنسا، ثم الولايات المتحدة الأمريكية حيث عمل بنيويورك مندوبا لبلاده لدى الأمم المتحدة.
ومع اقتراب استحقاقات الرئاسة المزمع تنظيمها منتصف 2019 بدأت أحلام الجلوس على الكرسي الرئاسي تداعب الوزير الأول الأسبق، حيث غادر مقاعد الأغلبية الحاكمة حاليا في البلاد التي اختارت وزير الدفاع ولد الغزواني مرشحا لها، وفتح ولد بوبكر قنوات التنسيق مع المعارضة.
وكانت وجهته الأولى إخوان موريتانيا ليصدم بعمق خلافات داخل المعارضة حول قبوله كمرشح موحد لها وحول الموقف أصلا من خيارات الإخوان السياسية.
كانت تحفظات أطراف عديدة في المعارضة الموريتانية على تاريخ الرجل في الأنظمة السابقة كافية لوضع عقبة أمام قبوله مرشحا موحدا.
ومنتصف يناير/كانون الثاني الماضي، أعلن الرئيس الحالي محمد ولد عبدالعزيز عدم ترشحه لولاية رئاسية ثالثة، حيث تنتهي ولايته الرئاسية الثانية منتصف 2019، وينص الدستور على ولايتين رئاسيتين فقط.