بيرام أعبيد.. صعود يزيح "إخوان" موريتانيا عن صدارة المعارضة
أسلوب الحوار الذي انتهجه المرشح الرئاسي الموريتاني بيرام الداه أعبيد يعطي له مكانة أصابت تنظيم الإخوان بالذعر
شكّل النضال الحقوقي ضد العبودية ومخلفاتها في موريتانيا البوابة التي أطل منها الحقوقي بيرام الداه أعبيد على المشهد الموريتاني أواخر عام 2007 قبل أن يدخل غمار النشاط السياسي عبر بوابة الانتخابات الرئاسية الأخيرة ويحتل صدارة المشهد زعيما للمعارضة.
إطلالة المرشح المعارض الجديدة جعلته في موقع زعيم المعارضة لينزعها من أيدي حزب الإخوان "تواصل" الذي تسلل إليها على حساب رفاقه في المعارضة التقليدية بسبب غياب الأخيرة عن المشهد.
- موريتانيا.. خارطة سياسية جديدة تؤكد انهيار الإخوان
- موريتانيا بأسبوع.. حوار وطني يكسر الجمود وتصدعات بصفوف الإخوان
أعبيد خطف أضواء الساحة السياسية الموريتانية مؤخرا عبر انتهاجه أسلوب الحوار في دعوته التي أطلقها مباشرة بعد انتهاء الانتخابات الأخيرة إلى الأطراف السياسية إلى تبني هذا الخيار خدمة لمصلحة البلاد وتجربتها الديمقراطية.
وجدد الدعوة نفسها خلال حفل تكريم لطواقم حملته الانتخابية، مساء الإثنين، جمع مختلف الأطياف السياسية على طاولة واحدة، وهو حدث يؤكد جدية النهج الجديد للرجل نحو السلمية والاعتدال والحوار.
مكاسب انتخابية لخدمة الحوار
ودعا أعبيد السياسيين الموريتانيين، مساء الإثنين، إلى التنازل والجلوس على طاولة الحوار لوضع جميع النقاط عليها ومناقشتها ومحاولة السعي لإنجاح الحوار.
وقال بيرام، الذي كان يتحدث في جمع من أنصاره في قصر المؤتمرات بنواكشوط،: "إن النسبة التي حصل عليها هو والداعمون له في الانتخابات الرئاسية الأخيرة موضوع رهن أي حوار وتفاهم سياسي في البلاد".
وأكد أن موريتانيا بحاجة لهذه الأجواء الإيجابية، معبرا عن استعداده لتسخير جهوده وموقع ومكاسب تياره في الساحة السياسية من أجل ما وصفه بالتفاهم وجمع الأطراف.
وانتقد الحاصل على المرتبة الثانية في الانتخابات الرئاسية خيارات رفاقه في المعارضة، معتبرا أنها تنحصر بين تحقيق الفوز في الانتخابات أو قلب الطاولة، على حد تعبيره في إشارة إلى العنف.
وأوضح أن الديمقراطية تعني "التنازل" بين الفرقاء وأبناء الشعب الواحد والتيارات الديمقراطية لتحقيق المصالح العليا للبلاد، ولا تعني سحق الآخر ولا الاتكاء على القوة ولا روح الانتقام، على حد تعبيره.
صعود يصيب الإخوان بالذعر
الصعود السياسي والانتخابي لبيرام كانت قد عبرت عنه الانتخابات الرئاسية الأخيرة بحلوله في المرتبة الثانية بعد الرئيس المنتخب محمد ولد الشيخ الغزواني بنسبة الـ18% من أصوات الناخبين.
فالحضور المتزايد في المشهد السياسي الموريتاني لأعبيد وجه أكبر صفعة لجماعة الإخوان وحزبها السياسي المعارض، فضلا عن المنافسة الميدانية التي ظهرت فيها هزيمة الإخوان مؤخرا في الساحة على يد التيار الذي يقوده المرشح بيرام كانت للأخير تصريحات عن صلات سابقة ببعض شخصيات الإخوان كشف فيها دسائس التنظيم ومؤامراته ضد البلد ومنهجه في نقض العهود والطعن من الخلف للحلفاء السياسيين.
وكشف أعبيد في تصريح لإحدى القنوات المحلية محاولة الإخوان استغلال نضاله الحقوقي من أجل الحصول منه على دعم لأنشطتهم التخريبية خلال ما سمي بالربيع العربي.
وتحدث عن محاولة القيادي في التنظيم الذي كان معتقلا قبل أيام على خلفية قضية أعمال الشغب الأخيرة أحمد ولد الوديعة ترتيب لقاء بينه وبين الزعيم الروحي للتنظيم في موريتانيا محمد الحسن ولد الددو من أجل الحصول على دعم لفتاوى الددو - يقول بيرام- الداعية إلى الخروج عن الحكام.
وأعرب أعبيد عن مفاجأته كون التنظيم وحزبه "تواصل" أول من تبرأ من مواقفه بعد ذلك عندما تم سجنه في قضية ما عرف بمحرقة الكتب في موريتانيا سنة 2012، مؤكدا أن قائدين في حزب التنظيم "تواصل" كانا معه في ليلة الحادث ولم ينكرا.
السياسة من بوابة الحقوق
جنوح المرشح الموريتاني المعارض بيرام الداه أعبيد للحوار ومجمل مواقفه السلمية المعتدلة التي أعقبت أحداث شغب رئاسيات يونيو/حزيران الأخيرة التي شهدتها بعض مدن البلاد، لفتت الانتباه إلى انقلاب واضح في مواقف شخصية ظلت موضع جدل بسبب مواقفها المثيرة من المسألة الحقوقية.
ولد بيرام في الـ12 يناير 1967 بمدينة رصو جنوب موريتانيا، درس المدرسة الابتدائية وحصل على شهادة "الباكلوريا" في الآداب، قبل أن يتابع دراساته مجال الأدب الفرنسي بجامعة نواكشوط ثم مجال الحقوق في الجامعات السنغالية ويحصل على درجة الماجستير في المجال نفسه.
وبيرام الداه أعبيد هو مدافع عن حقوق الإنسان في موريتانيا، ورئيس مبادرة المقاومة من أجل الانعتاق المعروفة اختصارا بـ"الإيرا" التي اشتهرت في السنوات الأخير من خلال دفاعها عن قضايا العبودية، وهو كذلك عضو في كثير من المنظمات الداخلية والدولية الناشطة في هذا المجال.
ودخل بيرام التاريخ السياسي الموريتاني ناشطا في الحزب الجمهوري الحاكم في موريتانيا سنوات تسعينيات القرن الماضي، ليظهر بعد ذلك داعما قويا للمرشح الرئاسي الزين ولد زيدان وجماعته السياسية سنة 2007، قبل أن يبدأ في العام نفسه النضال الحقوقي ضد العبودية في موريتانيا.
وحصل خلال مسيرة الحقوقية على العديد من الجوائز في المجال كان أهمها جائزة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان سنة 2013، ثم جائزة مدينة "فايمار" الألمانية سنة 2011 التي تعد أرفع جائزة لحقوق الإنسان في ألمانيا.
يستوقف التحول الملاحظ في مواقف بيرام من الراديكالية إلى الاعتدال المراقبين للمشهد الموريتاني، ويعد الكاتب والإعلامي الموريتاني محمد الأمين خطاري أن بيرام الذي كان يصنف راديكاليا مارقا حتى وقت قريب من قبل البعض أصبح اليوم همزة الوصل بين المعارضة والنظام.
أما الكاتب والوزير السابق محمد ولد أمين فيعد أن دخول المعارض بيرام ورفاقه "المطبخ السياسي" هو أمر جلل سيلقي بظلاله إيجابيا على مستقبل موريتانيا، على حد تعبيره.
كانت السلطات الموريتانية عقدت 9 يوليو/تموز الجاري أول لقاء لها مع المعارضة للتحضير لحوار وطني من أجل إنهاء "الأزمة" التي دخلت فيها البلاد بعد الانتخابات الرئاسية.