المفاجأة الحقيقية جاءت بعد ساعات فقط، حيث دخل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على خط الأزمة أمام المؤتمر العام لحزبه في أنقرة.
أعلن وزير المالية التركي برات البيرق أنه تقرر الاستعانة بشركة "ماكنزي" الأمريكية للاستشارات؛ لتقدم للعديد من المؤسسات الرسمية والوزارات خدمات إعادة برمجة وتخطيط لرفع مستوى الإنتاج وتخفيض الإنفاق العام.
عشرات الأقلام والمؤسسات الإعلامية المحسوبة على حزب العدالة والتنمية الحاكم تحركت للترويج لهذا المشروع والدفاع عنه وشن الحملات على المعترضين، لكن أهم المواقف الانتقادية جاءت على لسان الوزير البيرق نفسه، الذي وجه اتهامات للمعترضين على الخطوة بالجهل أو الإهانة، في محاولة للرد على الأصوات المعارضة في صفوف الأحزاب السياسية ووسائل الإعلام.
المفاجأة الحقيقية جاءت بعد ساعات فقط، حيث دخل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على خط الأزمة أمام المؤتمر العام لحزبه في أنقرة ليقول: "لا حاجة للاستعانة بالشركة الأمريكية، ما نملكه من خبرات ومؤهلات يكفينا".
اختبار "ماكنزي" عكس مرة أخرى صورة الاستماتة في الدفاع عن قرارات قيادات حزب العدالة والتنمية من قبل أصوات وأقلام لا تقرأ بموضوعية ما يجري، وهي سارعت للتخلي عن تأييدها للمشروع ما أن رفضه الرئيس التركي
سبب اعتراض أردوغان هو وجود كفاءات وطنية قادرة على القيام بهذه المهمة، لكن سبب قرار أردوغان، كما تقول المعارضة، هو تشهيرها بمخاطر خطوة من هذا النوع تضع الأرقام والمعلومات السرية في أهم المؤسسات الرسمية التركية تحت تصرف شركة أمريكية عالمية.
موقف أردوغان الصادم دفع بعض الأصوات في حزب العدالة والتنمية للقول إن هدف المعارضين هو إيقاع الفتنة بين أردوغان وصهره، وتتساءل عن أسباب صمت العشرات من الشركات والمؤسسات التركية التي تلقت دعم شركة "ماكنزي" في العقود الأخيرة. لكن المؤكد هو أن قرار الرئيس التركي الذي ترك صهره وزير المالية في منتصف الطريق ورغم تجميده للمشروع لم ينه النقاشات السياسية والإعلامية حول الموضوع، بل أشعل فتيل الأزمة بين الحكم والمعارضة التي ترى أنها سجلت انتصارا سياسيا لا يجوز التفريط فيه.
رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال كيليشدار أوغلو يقول إن أردوغان اضطر لإلغاء الاتفاق بعد أن أخفق في الكشف عن التفاصيل التي طلبها هو منه حول العديد من الملفات السياسية والاقتصادية واعتماد حزب العدالة والتنمية أساليب مزدوجة المعايير في التعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية. هناك انتقادات توجه لواشنطن وإدارة ترامب بسبب سياساتها التي تتعارض مع السياسات والمواقف التركية في ملفات ثنائية وإقليمية، لكن هناك في الوقت نفسه جهودا للاستعانة بشركات أمريكية لإخراج البلاد من أزماتها.. ما هذا التناقض؟!
أردوغان أبلغ حزبه ووزراءه بأن عليهم من الآن فصاعدا تلقي الخدمات الاستشارية من شركات تركية وطنية، لكن المعارضين يصرون هذه المرة على القول إن التراجع عن القرار وبهذه الطريقة يعكس طريقة وأسلوب إدارة الأمور في البلاد والمزاجية التي تسود وكيف يلجأ حزب العدالة إلى طلب دعم مؤسسة أمريكية بهذا الثقل، وفي الوقت نفسه يواصل الرئيس التركي شن حملاته اليومية ضد إدارة ترامب ومواقفها وقراراتها حيال تركيا؟!
بين المعارضين من يقول إن الهدف الحقيقي من اتفاقية بهذا الشكل هو محاولة كسب دعم العواصم الغربية والمؤسسات الدولية في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها تركيا، وأن هذه الخطوة لو نفذت كانت ستضع تركيا في موقف صعب وتفتح المجال أمام اطلاع الشركة الأمريكية على معلومات حساسة تتعلق بعمل وقرارات المؤسسات الرسمية والوزارات التركية. لكن ميرال أكشنير، رئيسة حزب "إيي" اليميني المعارض، تذهب إلى أبعد من ذلك، عندما تقول بشماتة "نتمنى ألا يقال لنا إن الصهر هو من خدعنا هذه المرة ".
اختبار "ماكنزي" عكس مرة أخرى صورة الاستماتة في الدفاع عن قرارات قيادات حزب العدالة والتنمية من قبل أصوات وأقلام لا تقرأ بموضوعية ما يجري، وهي سارعت للتخلي عن تأييدها للمشروع ما أن رفضه الرئيس التركي. لكن الواضح تماما أن هذا الملف لن يغلق بسهولة من قبل المعارضة التي تردد أن الرئيس التركي نفسه كان على معرفة بالخطوة لكنه تراجع عنها عندما اكتشف حجم الرفض والاعتراض على هذا المشروع.
قرار التراجع الذي أعلنه الرئيس التركي لا يمكن فصله عن الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعيشها تركيا، لكن السبب الحقيقي قد يكون اقتراب موعد الانتخابات المحلية في البلاد، حيث يريد حزب العدالة والتنمية أن يتوجه إلى الصناديق بأقل الخسائر والأضرار في ملفات الداخل. لكن أزمة "ماكنزي" تسببت شئنا أم أبينا بانقسامات حادة ليس فقط بين الحكم والمعارضة، بل بين قيادات وقواعد الحزب الحاكم والأقلام الكثيرة التي تدعمه والتي كتبت هذه المرة تحذر من ارتكاب خطأ فادح سيكون له الكثير من ارتداداته السلبية على الحزب، وفي مقدمتها الكاتب الإسلامي عبدالرحمن ديلي باك، الذي قاد حملة الاعتراضات ورفض هذه الخطوة في مثل هذه الظروف الصعبة التي يعيشها الحزب.
أردوغان قلب الطاولة لأنه شعر بأن أضرار خطوة من هذا النوع ستكون أكثر وبكثير من فوائدها. لكن هناك من سقط مرة أخرى في الامتحان وبينهم العديد من الأقلام ووسائل الإعلام التي التحقت بعملية الاصطفاف السريع والمبكر والانحياز إلى موقف سياسي دون التدقيق في أسبابه وأهميته وإيجابياته وسلبياته.
نجحت المعارضة التركية هذه المرة في الوصول إلى ما تريد وألزمت الحزب الحاكم بالتخلي عن خطة الاستعانة بشركة الاستشارات الأمريكية، لكنها لا تريد التوقف عند ذلك، فبعض الأصوات بدأ يطالب من تسبب بتحميل البلاد هذا العبء المالي والسياسي بأن يدفع الثمن.
الوزير البيرق لم يعلق بعد على قرار الرئيس أردوغان وتجاهل المسألة تماما، لكن المعارضة، وكما يبدو، لن تتخلى عن هذه الفرصة لمواصلة الضربات، علها تسجل بعض الأهداف في مرمى العدالة والتنمية هذه المرة. لا أحد يعرف كيف ستكون ارتدادات هذه الأزمة على قرار المواطن التركي الذي يستعد خلال أشهر للتوجه إلى صناديق الانتخابات المحلية.
كيليشدار أوغلو يقول إنه بعد هذا الإنجاز للمعارضة سيأتي الدور الآن على طائرة الرئاسة القطرية التي قُدمت هدية لتركيا، مطالبا بإعادتها فورا إلى الدوحة، مذكرا القطريين بأن هناك فرصا وطرقا أخرى للتعبير عن دعم أنقرة والوقوف إلى جانبها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة