المملكة العربية السعودية أثبتت من خلال قدرتها على جمع الدول الخليجية والعربية والإسلامية أنها رقم صعب في المعادلة العربية والإسلامية.
تزامناً مع ليلة القدر شهدت مكة المكرمة قمماً ثلاثاً دعت إليها المملكة العربية السعودية؛ اثنتان منها قمم طارئة والثالثة قمة اعتيادية للدول الإسلامية. السؤال الذي ينتظر طرحه هو هل نجحت القمم العربية والخليجية وكذلك الإسلامية؟ إذا ما عدنا إلى ما كانت تريده المملكة العربية السعودية يمكن أن نلاحظ أن القمة الخليجية وكذلك القمة العربية قد نجحتا بامتياز في ما حددته المملكة من سقف لهذه القمم. ودعونا نشير في عجالة إلى أبرز النقاط التي يمكن الإشارة إليها بالبنان في هذه القمم.
أخيراً فإن لسان الجميع هنا في مكة المكرمة كان يلهج بأن اللهم اجعل هذا البلد آمنا وسائر بلاد المسلمين وابعد عنه شر الحاقدين والذين يريدون به سوءا وخذهم أخذ عزيز مقتدر.
النقطة الأولى وبعيداً عن الموضوع الأساسي الذي ركزت عليه هذه القمم فإن المملكة العربية السعودية أثبتت من خلال قدرتها على جمع الدول الخليجية والعربية والإسلامية أنها رقم صعب في المعادلة العربية والإسلامية، وأن كل المحاولات التي شهدناها خلال السنوات والشهور الماضية للنيل من دور المملكة قد باءت بالفشل، وأن المملكة العربية السعودية لديها قوة ناعمة ولديها تأثير هائل على محيطها العربي والإسلامي، وهي بحق تمثل القاعدة الصلبة للنظام الإقليمي سواء كان الخليجي أو العربي أو الإسلامي. ومحاولة الاستحواذ على دور المملكة لا يمكن أن ينجح، فهي تمتلك البعد الحضاري والبعد الثقافي والبعد الديني الحاضر بقوة. إذا ما عدنا إلى دعوة المملكة العربية السعودية للقمة الخليجية الطارئة وكذلك للقمة العربية الطارئة فإن ما بين الدعوة والانعقاد، أياماً قليلة استطاعت من خلالها المملكة أن تحظى بموافقة كل الدول الخليجية وكل الدول العربية للحضور، وهذا يعتبر إنجازاً للدبلوماسية السعودية.
الإنجاز الثاني وهو قدرة المملكة العربية السعودية على الانتقال من قرارات القمة التي غالباً ما كانت غائمة وعائمة إلى قرارات واضحة تدين النظام الإيراني بالاسم، وهذا في الحقيقة يعتبر إنجازاً كبيراً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الوضع السيئ الذي تمر به الأمة العربية أمام تفجر الأزمات في أكثر من بلد عربي وأمام تباين الرؤى حول ملفات الأمن القومي العربي ومنها الملف الإيراني، وبالتالي اقتناع الدول العربية بالوصول إلى هذا البيان يعتبر إنجازاً بحد ذاته، بيانات القمة الخليجية وكذلك القمة العربية أبانت إيران معزولة في المنطقة في مقابل توحد الرؤى ما بين الدول العربية والخليجية حول اعتبار إيران تهديداً للأمن القومي، وأكثر من ذلك التعبير بشكل واضح عن نمط ذلك التهديد وهو دعم المليشيات الإرهابية وعلى رأسها مليشيا الحوثي، بالإضافة طبعاً إلى نقاط القلق الأخرى التي تتمحور حول الملف النووي والبرنامج الصاروخي ومحاولة الهيمنة على المنطقة.
لم يكن هدف القمة الخليجية وكذلك القمة العربية هو فتح معركة شاملة مع النظام الإيراني وإنما كان الهدف هو توحيد الرؤى لدى الدول العربية وتحديد مصدر الخطر الذي يهدد الأمن الخليجي وكذلك الأمن العربي. وبالتالي تبني الموقف الذي عبر عنه الأستاذ عادل الجبير، وهو أن المملكة العربية السعودية لا تريد حرباً مفتوحة مع النظام الإيراني، وهذا ما تم التعبير عنه خليجياً وعربياً ولكن أيضاً كما ذكر الوزير الجبير فإن المملكة وشقيقاتها الخليجية والعربية كما عبرت البيانات مستعدة للذهاب بعيداً في الدفاع عن أمنها القومي في الرد على أي تهديد خصوصاً أن إيران عبر مليشياتها أصبحت تهديداً لطرق الملاحة الدولية وكذلك للممرات البحرية التي يمر منها النفط الخليجي، خصوصاً بعد ما حدث قبالة ساحل الفجيرة.
تبقى هنالك نقطة أخيرة على غاية من الأهمية وهي خصوصية المكان والزمان؛ حيث ثبتت قدرة المملكة العربية السعودية في الإطار التنظيمي. كما نعلم فإن القمة الخليجية والعربية عقدت في ليلة القدر، وكان هنالك ملايين من المعتمرين والزائرين لبيت الله الحرام، وقد استطاعت المملكة أن تنظم ما بين هؤلاء الزائرين وكذلك الوفود، وهذا يستلزم جهوداً جبارة، المملكة ولله الحمد والمنة لديها البنية التحتية ولديها الكفاءات التي تستطيع التعامل مع الحشود ولديها الخبرة التي تستطيع التعامل مع التظاهرات السياسية المشابهة.
أخيراً فإن لسان الجميع هنا في مكة المكرمة كان يلهج بأن اللهم اجعل هذا البلد آمنا وسائر بلاد المسلمين وابعد عنه شر الحاقدين، والذين يريدون به سوءاً، وخذهم أخذ عزيز مقتدر.
نقلاً عن "عكاظ"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة