المستشارة الألمانية جعلت من بلدها أكبر ملجأ للمضطهدين بعد أن كانت أكبر مُصدّر لهم، لكنها تواجه مأزق تشكيل ائتلاف حاكم بسبب اللاجئين.
بمعزل عما إذا كان دافعها أخلاقيا أم اقتصاديا، وهي تفتح حدود بلادها لمليون لاجئ، في 2015، سيبقى هذا القرار الأكثر تأثيرا في مسيرة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، لكونه على وشك أن يبتلع إرثها السياسي.
- ميركل تفشل في تشكيل حكومة ائتلافية.. وتواجه خطر فقد المستشارية
- ميركل تسعى لتشكيل (ائتلاف جاميكا) لقيادة ألمانيا
أمام واحدة من أشد موجات النزوح، منذ الحرب العالمية الثانية، لم تتوانَ ميركل عن إظهار بلدها كحامٍ للقيم الأوروبية، بعد أن تراخى جيرانها وتنكر آخرون للمبادئ التي قام عليها اتحادهم.
عندما زمجر الأوروبيون أمام حشود اللاجئين، خشية إنهاك اقتصاداتهم المُنهكة أصلا، أزالت ألمانيا -التي يروق لساستها التذكير بأنها التي تدفع رواتب أوروبا- كل أشكال القيود من حدودها.
كانت المفارقة حينذاك أن ميركل، المرأة الحديدية، جعلت من بلدها أكبر ملجأ للمضطهدين، بعد أن كانت أكبر مُصدّر لهم في سنوات الحرب العالمية، الحقبة التي شهدت آخر موجات النزوح المليونية.
لكن لا أحد يجزم إن كان دافع المستشارة أخلاقيا، يروم تبييض ماضييها، أو إن كان لصالح سوقها المتعطش للعمالة، في تلك الأيام.
وفي كلتا الحالتين، انزلقت ميركل إلى النتيجة التي طالما حذرها أصدقاؤها منها وطالما تجاهلتها، ألا وهي تدني شعبيتها.
في سبتمبر/أيلول الماضي، لم يكن مؤذيا للمستشارة خسارة حزبها لأغلبيته البرلمانية المطلقة التي تمكنها من الانفراد بالحكم، بل إن أصوات ناخبيها التقليديين ذهبت، إلى خصومها في اليمين المتطرف، المناهض للهجرة.
وكانت هذه المرة الأولى التي يصل فيها متطرفو حزب "البديل من أجل ألمانيا" إلى مقاعد البرلمان، محمولين على أصوات 13% من الناخبين، الذين يبلغ عددهم 61.5 مليون ألماني.
وما عقّد الأمر، أن سياسة ميركل تجاه المهاجرين، عقدت مفاوضاتها مع بقية القوى السياسية، حتى تلك التي تظهر قدرا من التسامح معهم، لتشكيل ائتلاف حاكم.
وبإعلان حزب "اللبراليين الألمان" رسميا، فشل مفاوضاته مع حزب المستشارة، بعدما تعثرت مفاوضات مماثلة مع قوى أخرى، يبقى أكثر الخيارات ترجيحا، تنظيم انتخابات مبكرة، مطلع 2018.
لكن هذا الأمر لا يُعد الأخير فحسب في خطة ميركل، بل الأسوأ؛ لأنه يعني أنها لن تكون على رأس حزبها في حال تحققه.
واستبقت صحيفة "بيلد" واسعة الانتشار الإعلان الرسمي لفشل المفاوضات بالقول إن "اليوم لا يتعلق فقط بـ(الائتلاف)، لكنه أيضا يوم مصيري لأنجيلا ميركل. إذا فشلت في تشكيل ائتلاف، فإن منصبها كمستشارة في خطر".
وكان استطلاع للرأي نشرت نتائجه صحيفة "دي فيلت"، أمس الأحد، قد أظهر أن 61,4% من الألمان يعتقدون أن المستشارة لا تستطيع أن تبقى في منصبها إذا أخفقت في تشكيل ائتلاف.
وبالنسبة للرئيس الألماني فرانك-والتر شتاينماير، الذي يتيح له الدستور دورا مفصليا لسد هذا الفراغ، فإنه "لا حاجة للبدء بإجراء نقاشات تثير الذعر حول انتخابات جديدة".
ويعتقد شتاينماير، بحسب ما نقلت عنه صحيفة "فيلت إم سونتاغ" أن "كل الأطراف على دراية بمسؤولياتهم. وهذه المسؤولية تعني عدم إعادة التفويض إلى الناخبين".
ولو فشلت ميركل في إنقاذ العملية التفاوضية، كما بات راجحا، سيتسع المأزق السياسي، لكن عوضا عن تحجيم الهجرة، ستكون ميركل أول سياسي ألماني قرر مصيره لاجئون.
aXA6IDMuMTQ0LjMxLjE3IA== جزيرة ام اند امز