يجب على تميم أن يدرس تبعات المقاطعة التي فرضتها بعض دول الخليج والدول العربية، ليحدد بدقة أثر هذه المقاطعة على الوضع الاقتصادي والسياسي
تُعرف السياسة دائماً بأنها «فن الممكن»، وهذه قاعدة يتبعها السياسيون في كل أنحاء العالم، وعلى مر الإمبراطوريات والدول عبر التاريخ. والسياسي يحاول دائماً أن يستكشف الواقع ويخرج منه برؤية نحو المستقبل، ويدرس المصالح الإستراتيجية وينطلق منها برؤية نحو المستقبل.
ومن هنا فإني أدعو أمير قطر الشيخ تميم، وهو الذي ورث ملفات ربما لم يكن يعلم عنها، وسياسات لم يكن مشاركاً فيها، ولكنه اضطّر ربما أن يتبنى سياسات والده وسياسات وزير خارجية والده، واستمر في مثل هذا التوجه إلى الآن.
نعلم أن الشيخ حمد كان هو الذي صنع هذه الملفات بتأجيج ورسم وتخطيط من وزير خارجيته حمد بن جاسم، وهما خططا في الخفاء على أن يزرعا عدم الاستقرار وعدم الأمن في الخليج، وفي المنطقة العربية، واستطاعا بالمال أولاً وبشراء الإعلام ثانياً أن يصلا إلى مبتغاهما في زراعة التطرف كأداة تساعدهما على بعثرة استقرار المنطقة، وزراعة الفتن وتقويض أمن الدول، بما فيها الدول الخليجية. هذه الملفات باتت معلنة ومعروفة وموثّقة، ولم تعد مجرد إشاعات أو أقاويل أو ادعاءات. أصبحت حقائق واضحة للعالم.
الشيخ تميم ورث هذه الملفات وعلم عنها، وأصبح يتعامل معها كأمر واقع، وعلى الرغم من أنه الحاكم الرسمي لقطر، إلا أن السياسات لم تتغير، والمواقف ثابتة، والنهج مستمر. وحتى لو أراد تغيير هذا النهج قبل الاحتجاج الخليجي، فسيجد صعوبة وتقبل داخل صناعة القرار العليا في قطر، وأقصد بها والده ووزير خارجية والده ومراكز القوى داخل منظومة القرار القطري. ولهذا نرى أن الظروف مواتية حالياً لأن يخرج الشيخ تميم من عباءة والده. ويطلق قطر نحو بر الأمان. ويجب أن يغلّب مصلحة قطر ومصلحة القطريين ويجعلها فوق كل شيء.
بهذه الطريقة (دراسة الحالة الحالية + رؤية جديدة تنعكس في متطلبات الدول الخليجية + تشكيل حكومي جديد + مصالحة) ستعود قطر إلى المنظومة الخليجية والعربية، وستبقى دولة محبة ومؤيدة لاستقرار وأمن المنطقة، ولن يتم ربطها مجدداً بالإرهاب أو التطرف.
ماذا يجب أن يفعله الشيخ تميم؟
أولاً: يدرس تبعات المقاطعة التي فرضتها بعض دول الخليج والدول العربية، ليحدد بدقة أثر هذه المقاطعة على الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والأمني. وكذلك تبعات تشقّق الأسرة الأميرية واختلاف أصواتها بين مؤيد ورافض لسياسات قطر الحالية. وهذا التقصى الموضوعي المبني على دراسات مستقلة من شأنه أن يضع النقاط على الحروف، وأن يكشف عن الأضرار التي لحقت بقطر. وحتى تكون هذه الدراسات هي مبرراً واقعياً وتقييماً موضوعياً للحالة القطرية الحالية التي تستلزم بناء رؤية جديدة لقطر المستقبل.
ثانياً: إعلان رؤية جديدة لقطر (قطر نحو المستقبل) وفيها إعلان واضح بالتزام قطر بالمبادئ والاشتراطات التي طلبتها الدول الخليجية والعربية الشقيقة. وهذه الرؤية يجب أن تتجاوز «المُكابرة» التي اعتادتها السياسة القطرية مؤخراً دفاعاً عن سياساتها الحالية. وتكون هي السبيل الحالي نحو إنقاذ قطر من تردي صورتها وأوضاعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العالم. ويجب أن تكون هذه الرؤية واضحة وتبني سياسات جديدة وحقيقية بكل شفافية نحو الأشقاء الخليجيين والعرب، ونحو دول العالم. وتكون هذه الرؤية بمنزلة ولادة جديدة لقطر.
ثالثاً: تغيير كل الوجوه الحالية في السياسة القطرية بتشكيل وزاري جديد مبني على رؤية قطر نحو المستقبل، وخصوصاً الوزراء الذين كانوا يدافعون عن السياسات القديمة التي احترقت أوراقهم، وخصوصاً وزير الخارجية الحالي. ومن شأن هذا التشكيل الوزاري أن يبني صورة جديدة لقطر داخلياً وأمام العالم.
رابعاً: التنفيذ العملي لمتطلبات دول الجوار العربية، وبدء مصالحة كبرى بينها برعاية الشيخ صباح أمير الكويت، وتبادل زيارات بين قادة الدول الخليجية، وبدء مرحلة جديدة.
بهذه الطريقة (دراسة الحالة الحالية + رؤية جديدة تنعكس في متطلبات الدول الخليجية + تشكيل حكومي جديد + مصالحة) ستعود قطر إلى المنظومة الخليجية والعربية، وستبقى دولة مُحبة ومؤيدة لاستقرار وأمن المنطقة، ولن يتم ربطها مجدداً بالإرهاب أو التطرف، وسيكون الشيخ تميم هو قائد مستقبل قطر وراعي استقرارها وأمنها، من خلال رؤيته المستقبلية لقطر. وسيعلم القطريون والعالم أن الشيخ تميم قد استفاد من مبادئ السياسة في «فن الممكن»، وتعاطى بجرأة وشفافية ليعيد قطر إلى المستقبل.
نقلا عن صحيفة الجزيرة السعودية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة