"حي المال" في لندن يتصدع.. تواصل فرار أثرياء بريطانيا
غادر أكثر من 1000 ثري بريطاني بلادهم في 2022، وسط مناخ سياسي مضطرب واقتصاد منهك، عقب "بريكست".
يتواصل فرار أثرياء المملكة المتحدة من بلادهم بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي(بريكست)، وفق تقرير متخصص.
كشف تقرير شركة "هينلي آند بارتنرز" للاستشارات أن هناك إجمالي 1400 شخص تقدر ثروة كل منهم بمليون دولار أو أكثر خرجوا من المملكة المتحدة في 2022، حسبما أفادت وكالة الأنباء الألمانية.
يأتي ذلك بالمقارنة بخروج 2200 مليونير من البلاد في 2019، و2800 مليونير في 2018 و 4200 مليونير في 2017.
وذكرت شركة "هينلي آند بارتنرز" أن المملكة المتحدة كانت تسجل دخول مليونيرات قبل التصويت على الخروج من الاتحاد الأوروبي.
حي المال في لندن
يعكس هذا التحول جزئيا انتقال التجار الذين يحققون أرباحا كبيرة والمصرفيين من حي المال الشهير في لندن إلى مراكز مالية في الاتحاد الأوروبي مثل باريس وميلانو.
وتربعت العاصمة الهولندية أمستردام، على عرش المال الأوروبي، على صعيد الأسهم، وذلك بعد مع مرور عام على تنفيذ "بريكست".
وتراجعت لندن خلال العام الماضي، أمام مراكز مالية أخرى على صعيد التداول بالأسهم.
وواجه حي المال والأعمال الشهير، صعوبات في أعقاب "بريكست"، إذ لم ينجح بعد في إبرام اتفاق معادلة مع بروكسل، يسمح للشركات، التي تتخذ من لندن مقرا لها بالعمل بشكل كامل في القارة الأوروبية.
ويرى لي وايلد، مسؤول استراتيجية الأسهم في "Interactive "Investor: "لندن مركز مالي عالمي منذ مئات السنين.. وبريسكت لن يغير ذلك في المستقبل القريب أقله".
وأضاف: "مغادرة الاتحاد الأوروبي، تسببت بتحديات فيما تطرح باريس، وبروكسل، وفرانكفورت، وأمستردام، تهديدات".
لكنه يؤكد "احتمال أن ينتزع منافسون أوروبيون، تاج المركز المالي الأهم من بريطانيا ضئيل".
لكن في أعقاب "بريكست"، نقلت 44 % تقريبا من شركات الخدمات المالية التي مقرها لندن، أو أنها بصدد نقل عمليات، أو موظفين لها إلى دول الاتحاد الأوروبي، على ما أفادت مجموعة "إرنست يانغ" المالية.
وبلغت قيمة الأصول المنقولة، 1.3 مليار دولار في نهاية العام الماضي على ما أضاف المصدر نفسه.
واستقبلت دبلن، ولوكسمبورج، العدد الأكبر من عمليات المكاتب فيما استضافت باريس العدد الأكبر من الموظفين.
وقاد رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون حملة الخروج لخروج بلاده في استفتاء البريكست عام 2016 وأخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بالفعل في يناير/كانون الثاني 2017 أي بعد ستة أشهر من توليه رئاسة الوزراء.
ومع بداية يناير/كانون الأول 2021 توقفت بريطانيا عن تطبيق قواعد الاتحاد الأوروبي، وبدأت في المقابل تطبيق إجراءات جديدة على أصعدة السفر، والتجارة، والهجرة، والتعاون الأمني.
ويشهد الاقتصاد البريطاني تدهورا متزايدا في الآونة الأخيرة فلا يزال يتجه بقوة إلى دائرة الركود، ليس فقط بسبب تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية والجائحة، وإنما أيضا جراء خروجها من بريكست.
وأظهر تقرير اقتصادي أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قلص حجم اقتصادها بنسبة 5.5% عما كان يمكن أن يصل إليه لو لم تخرج من الاتحاد، بالإضافة إلى انكماش الخدمات العامة التي أدت إلى الإضرابات في قطاعات السكك الحديدية والخدمة الصحية العامة.
وتدفع أسعار الطاقة خصوصا بسبب الحرب في أوكرانيا التضخم إلى ذروته في المملكة المتحدة، مقتربا من 11%، ما يؤدي إلى أزمة حادة في كلفة المعيشة.
وأدى ارتفاع التضخم لمستويات مرتفعة لحدوث إضرابات جديدة في القطاع العام على أساس أسبوعي تقريبًا، وسط مطالبات بزيادة الأجور لمواجهة التضخم.
وأدى انتشار الاضطرابات العمالية إلى مقارنات مع شتاء السخط في عامي ١٩٧٨ و١٩٧٩، عندما أصابت إضرابات القطاعين العام والخاص البلاد بالشلل.
وقد حاول رئيس الحكومة البريطانية ريشي سوناك تجنب الانجرار إلى صراع مباشر مع النقابات العمالية بالقول إن مفاوضات الأجور يجب أن تُترك لدفع أجور هيئات المراجعة، التي تحدد أجور العاملين في القطاع العام، لكن منتقدين يقولون إن الحكومة اختبأت وراء تلك الهيئات لتجنب مواجهة مطالب العمال.
وانضمام صغار الأطباء والمعلمين إلى موظفي السكك الحديدية والممرضات وطواقم الإسعاف وعمال الطرق السريعة وحتى موظفي الخدمة المدنية لإضرابات واسعة النطاق، وسط مخاوف من توسع نطاق تلك الإضرابات.
ومن مظاهر تدهور الاقتصاد البريطاني ارتفاع الدين العام المستحق على المملكة المتحدة بأكثر من 285 مليار جنيه إسترليني منذ مطلع عام 2021 حتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وأظهرت أرقام صادرة عن مكتب الإحصاءات الوطنية، أن الاقتراض العام في بريطانيا ارتفع إلى مستويات لم يحققها في نوفمبر/تشرين الثاني من قبل منذ بدء تسجيل البيانات.
كما بلغ إجمالي الاقتراض الذي لجأت له الحكومة البريطانية خلال نوفمبر الماضي، 22.017 مليار جنيه استرليني (26.77 مليار دولار)، مما يعكس ارتفاع تكاليف دعم الطاقة للمستهلكين من الأفراد والشركات.
وبلغ إجمالي الاقتراض العام للأشهر الثمانية الأولى من العام المالي الحالي، من أبريل/نيسان إلى نوفمبر/تشرين الثاني، 105.4 مليار جنيه استرليني بزيادة 7.6 مليار جنيه عن الفترة نفسها من عام 2021.