عراقي يواجه انفجارات الموصل بـ"نبتة النعناع".. تعرف على قصته
بينما كانت الحرب مستعرة وأثار إطلاق النار المستمر الذعر في الجهاز العصبي، كان هناك كان محمود يقطع الطريق حاملًا "نبتة النعناع"
عندما كانت معركة الموصل محتدمة كان الجميع يبحث عن مأوى له من أهوال الحرب فينقذ نفسه وعائلته، وهو ما فعله "محمود" أيضاً إلا أن حماية "نبتة النعناع" التي تركتها طفلته وراءها كانت مهمته الأساسية، وتروي ممرضة "أطباء بلا حدود" تريش نيوبورت قصة "محمود ونبتة النعناع" لصحيفة "جلوبال أند ميل" الكندية.
تبدأ نيوبورت مقالها بالحديث عن تذكرها لمدينة الموصل العراقية عندما زرعت هذا العام بذور النعناع في تربة مقاطعة يوكون الكندية حيث تعيش، فمنذ 18 سنة عندما انتقلت إلى المقاطعة دارت أحلامها حول العيش بشكل مستدام في البرية بلا كهرباء أو مياه جارية، وانتقلت إلى خيمة في الأدغال وهيأت أرضاً لإقامة حديقة واسعة.
كان لنيوبورت حلم أن تزرع الخضروات ولكنها اصطدمت بالواقع القاسي للبستنة في الشمال الكندي، فقد عانت بسبب المناخ الجاف البارد والفصل القصير والخطر المستمر للصقيع وأيام الصيف الطويلة بشكل لا يصدق.
وبعد سنوات قليلة من إنتاج كميات قليلة من الكرنب والجزر علقت نيوبورت قفازات البستنة، فقد بدأت العمل كممرضة في منظمة "أطباء بلا حدود" ثم مديرة مشروع في النهاية، وتقول نيوبورت إنها عملت خلال السنوات التسع الماضية مع المنظمة في إفريقيا والشرق الأوسط، وتقلص الوقت الذي تمضيه في المقاطعة الكندية إلى شهور قليلة سنوياً لا تكفي للعودة إلى البستنة.
تقول نيوبورت إنها نادراً ما تفكر في البستنة عندما تكون في مهام مع المنظمة، ولكن العام الحالي في أعماق حرب الموصل "القبيحة" أعاد محمود ونبتة النعناع الخاصة به البستنة إلى حياتها.
التقت نيوبورت محمود لأول مرة أثناء سيره في الشارع في غرب الموصل، حيث كانت الحرب مستعرة على بعد أقل من كيلومترين وثقب دوي الانفجارات طبول الأذن وأثار إطلاق النار المستمر الذعر في الجهاز العصبي، وهناك كان محمود يقطع الطريق حاملًا "نبتة النعناع".
كانت وفريقها يبحثون عن غرفة واسعة لإنشاء عيادة وأرادوا غرفة على مقربة من خط المواجهة، حيث يمكنهم العمل على استقرار حالة الجرحى وزيادة فرص نجاتهم أثناء رحلة الإسعاف إلى المستشفى، ولكن كان هناك صعوبة في إيجاد غرف كبيرة فقد تعرضت أغلب المباني الكبيرة للدمار أثناء الحرب.
أوقف الفريق محمود على جانب الطريق وسألوه إن كان يعرف أين يمكنهم العثور على غرفة كبيرة، وتوضح نيوبورت أنه في الموصل يجب على الإنسان أن يتوخى الحذر عند اختيار من يثق به، ولكن محمود ونبتة النعناع استهوت الفريق.
أخذهم محمود في جولة في مبانٍ مختلقة لإنشاء عيادتهم، وفي كل مبنى تجولوا فيه أحضر محمود نبتة النعناع، وبمجرد اختيارهم مكانا للعيادة وظفوا محمود أحد حراسهم، وكان يأتي إلى العمل حاملًا نبتة النعناع يومياً.
خلال العامين ونصف الماضيين عاش محمود وأسرته في الموصل التي سيطر عليها تنظيم "داعش" الإرهابي، وأثناء فترة سيطرة داعش علّم محمود أطفاله في المنزل كي لا يتعرضوا لمناهج داعش الدراسية، فعلمهم زراعة النباتات وزرعت طفلته الأصغر نبتة النعناع وأحبت تلك النبتة.
في الحرب داخل الموصل استعاد الجيش العراقي مناطق من داعش ببطء، وعندما سيطر الجيش العراقي على الشارع الذي عاش فيه محمود أصبح أخيراً آمنًا بما فيه الكفاية لإرسال أسرته إلى مخيم للنازحين جنوب الموصل.
الوجود في المخيم يعني أن أسرته ستكون في أمان وستحصل على الطعام والمياه والرعاية الصحية، إلا أن محمود لم يغادر الموصل لحراسة منزلهم، وعندما أرسل أطفاله إلى المخيم طلبت منه طفلته رعاية نبتة النعناع، فما كان من محمود إلا أن وعدها بأن يأخذها مع طوال الوقت حتى عودتها وهذا ما فعله بالفعل.
في الأيام التي كان فيها القصف أو القتال مكثفاً كان يجلس محمود خارج العيادة هادئاً في ملجئه محتضناً النبتة، وعندما كان يصل الجرحى ومعهم أطفال غالباً ما كان يجلس مع الأطفال في الخارج ويعرفهم بنبتة النعناع.
تقول نيوبورت إن الموصل كانت مكاناً خطراً للعيش، فقد هدد القصف وإطلاق النيران المتواصلين حياة الناس ومنازلهم، وعلى الرغم من أن منزل محمود لم يكن قد تعرض للدمار بعد إلا أنه كان بلا كهرباء أو مياه جارية، فقد دمرت الحرب البنية التحتية.
لذلك كان محمود يملأ زجاجتين مياه من العيادة عند نهاية كل يوم، الأولى ليشرب منها، أما الثانية ليروي بها جميع النباتات الموجودة في منزله، فبينما جاءت نبتة النعناع معه في كل مكان إلا أنها لم تكن نبتته الوحيدة، فقد ترك أطفاله وراءهم منزلًا مليئاً بالخضرة وكرس نفسه ليتأكد من أن النباتات ظلت على قيد الحياة.
تقول نيوبورت إنها أحبت العمل في الموصل، ولكن في النهاية حان وقت عودتها إلى المقاطعة الكندية، وأثناء استعدادها للرحيل أحضر محمود لها بعض بذور النعناع وطلب منها زراعتها في وطنها حيث يمكن أن تحصل النباتات على حياة أفضل.
لذلك عندما زرعت بذور النعناع في تربة يوكون الجافة الرملية في وقت مبكر من العام الجاري، فكرت في الموصل ومحمود وأطفاله وجميع الأشخاص الآخرين الذين تأثروا بسبب الحرب.
تختتم نيوبورت بالقول إن ما رأت يوماً ما أنه يشكل تحدياً ألا وهو نقل المياه إلى الحديقة وحماية نباتات النعناع من مناخ يوكون تراه اليوم حرية وامتياز وفرصة.