لو كان مودريتش في ملاعبنا لسكن الاحتياط في الناشئين وترك الملاعب في الشباب، فالأعين على الموهوب الفنان الذي يمتعنا بسحبة وترقيصة وكعب.
في ملاعبنا نقيّم اللاعب الفنان بالتسحيب والترقيص والتلاعب بالكرة بكل خفة ورشاقة وإبداع، وعندما يضع الكرة بين قدمي المدافع نطلق صرخة هستيرية ونحلق في سماء النشوة وننسى كل الهموم وكأننا ولدنا من جديد، نشعر أننا أخذنا من المباراة ما نريد واكتفينا، أدمنا التسحيب فأصبحنا “نتشفق” لحظة تجلي الفنان حتى لو خسرنا عبر الزمان، “فدوة لترسانة المواهب ومصدر المتعة يفداك ألف دوري يا فنان”.
لو كان مودريتش في ملاعبنا لسكن الاحتياط في الناشئين وترك الملاعب في الشباب، فالأعين كل الأعين على الموهوب الفنان الذي يرفعنا فوق السحب بسحبة وترقيصة وكعب.
قد يكون هذا الوضع مقبولا قبل التحليل الفني الإحصائي الذي يرصد كل شاردة وواردة من حركات اللاعب بالكرة ومن دونها، ويعطيك بدقة متناهية مدى تأثيره في أداء الفريق، اللاعب بالنسبة للعالم اليوم مجموعة أرقام، لذلك حصد لوكا مودريتش كل الجوائز الفردية، على الرغم من أنه يملك مهارة مخالفة للتسحيب وهي القدرة العجيبة على التمرير الدقيق.
فوز مودريتش يجب أن يوقظنا من سحر مهارة التسحيب التي أسرتنا لعقود وجعلتنا نراهن على المراوغة في زمن التمرير، تسحيب الخصم في الكرة الحديثة دليل على عدم احترافية اللاعب وقلة نضجه، لذلك لن يحقق نيمار جائزة أفضل لاعب في العالم أبدا، لو جاء نيمار في الستينيات أو السبعينيات لكان الأفضل في التاريخ، ولكنه ولد متأخرا خمسين عاما، ولد في زمن التمرير فتحول من أسطورة إلى رمز للسخرية.
في عام 1998 حصل نادي ريال بيتيس الإسباني على خدمات أغلى لاعب في العالم عندما دفع أكثر من 32 مليون دولار في الموهبة البرازيلية دينيلسون، بينما دفع إنتر ميلان الإيطالي أقل من هذا المبلغ بـ4 ملايين لاستقطاب الظاهرة البرازيلي رونالدو، بكل تأكيد ندم بيتيس على استقطاب اللاعب لأنه لم يكن يجيد سوى مراوغة الخصوم، ما جعل النادي يهبط إلى الدرجة الثانية مع بقاء اللاعب معظم الموسم على مقاعد الاحتياط.
هناك فرق كبير بين كرة القدم والكرة الاستعراضية “Freestyle football”، الاحتفاظ بالكرة ومداعبتها بكل أجزاء القدم والرأس والصدر والكتفين والرقبة يناسبان الاستعراضية، ولكنهما مصدران لقتل الهجمة وتأخير اللعب وتدمير التنظيم في الكرة الحقيقية، كرة القدم أصبحت تعتمد على السرعة والقتالية والعمل الجماعي لا على تخريب كل شيء بانتظار تلك اللمسة الساحرة التي تأتي كل 6 أشهر مرة واحدة، لو كان مودريتش في ملاعبنا لسكن الاحتياط في الناشئين وترك الملاعب في الشباب، فالأعين كل الأعين على الموهوب الفنان الذي يرفعنا فوق السحب بسحبة وترقيصة وكعب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة