الإمارات أضحت قبلة للسلام وحاضنة لقيم التسامح والأمن والأمان، وأرضا خصبة للتعددية الثقافية، حيث تضم أكثر من 200 جنسية.
ربما لم تكن البشرية من أقصاها إلى أدناها في حاجة إلى البحث عن السلام منذ انتهاء الحرب الباردة قبل ثلاثة عقود بقدر حاجتها هذه الأيام إلى صناع سلام يفشونه بين الأنام، وقد بلغت المواجهات والمخاوف من غياب السلم العالمي أن طفت احتمالات الحرب النووية على السطح بدرجة غير مسبوقة، ما دعا القائمين على الساعة المعروفة بساعة يوم القيامة، أي وقت حدوث مواجهات نووية، إلى تقديم مؤشرها؛ حيث لم تتبق سوى دقيقتين على القارعة.
منتدى حلف الفضول في واقع الأمر خطوة إماراتية تقدمية ضمن مراحل الحوار الإنساني المثمر الذي يقوم على استحضار وحدة المصدر في النواميس الربانية وحتى الشرائع الوضعية، ويحقق كلمة سواء يلتقي عندها البشر جميعاولعل الحقيقة التي لا مفر من أن تواجه البشرية بها ذاتها هي أن أمامها مسارين لا ثالث لهما، فإما أن يتجاور ويتحاور البشر بحثا عن السلام العالمي وإعلاء طرق التفاهم العقلاني، ذاك الذي يتجنب الصدام في الظلام والاحتكاك في الزحام، ويعمل على توسيع مساحات التفاهم بين البشر من شتى الألوان والأجناس والأديان، وإضاءة وجه الشراكة النافعة بين الثقافات والحضارات، وتقليص أوجه الخلافات والشقاق.
وإما المسار الآخر وهو التصادمي التحريضي، الاتهامي العدائي، المعتمد على توظيف الأديان والثقافات في إشعال جذوة الصراعات السياسية وإحياء النزعات العنصرية والقبلية، واستدعاء الروح العدوانية من غياهب التاريخ، وتصوير الآخر على أنه العدو المتآمر أبداً ودوماً، وعليه تضحى كراهيته وعداوته فرض عين لا نافلة.
الطريق الأول هو طريق السلام ولا شك في ذلك، أما الثاني فهو طريق الخصام، الأول يمضي في مساقات النماء والثاني يقترب بالخليقة من احتمالات الفناء، ويبقى السؤال.. من يرجح كفة على أخرى؟
في تقدير صاحب هذه السطور المتواضعة يبقى صناع السلام هم العلامة الفوق إنسانية في عالمنا المعاصر، وهنا تأتي دولة الإمارات العربية المتحدة، التي أضحت وكما أشرنا من قبل رسالة للسلم بأكثر من كونها دولة بالمفهوم الويستفالي المعروف.
أضحت الإمارات قبلة للسلام وحاضنة لقيم التسامح والأمن والأمان، وأرضاً خصبة للتعددية الثقافية، حيث تضم أكثر من 200 جنسية تنعم بالحياة الكريمة والاحترام، ولهذا يمكن للإمارات أن تحاجج أكثر من أي عضو آخر في المجتمع الدولي بأن لديها قصة سلام حقيقية تعيشها على أراضيها، ومن هنا تضحى ركيزة لكل مساق أو مسار، ولكل تجمع بشري يسعى إلى تعظيم تلك القيمة الإنسانية السامية.
انطلاق فعاليات الملتقى السنوي الخامس لـ"منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة" تحت عنوان "حلف الفضول-فرصة للسلم العالمي"، فإن ذلك يعني دون تهوين أو تهويل أنه لا تزال هناك ركب لم تجث لبعل الكراهية والتشرذم والانقسام، وإن في الإمارات عقول وقلوب تدرك معنى ومبنى السلام بالنسبة للمجتمعات المسلمة بداية ولكل الخليقة تاليا، وتسعى من أجل مصلحة الإنسان في كل مكان وزمان، وتعزيزا لروح السلام المستدام حول الأرض، خاصة بعد أن أخذ المجتمع البشري يجنح في العقود الأخيرة إلى العنف والكراهية وتأجيج النزعات العرقية والدينية.
منتدى أبوظبي لتعزيز السلم في المجتمعات المسلمة -في ملتقاه الخامس- يبعث رسالة لإقليم مضطرب مليء بالمخاطر والمخاوف، وغير خاف على أحد أن احتمالات وتداعيات الحروب والانفجارات فيه أقرب من رواج السلم، ولهذا تبقى الحاجة ماسة إلى حكماء من الأديان المختلفة، وعقلاء من رجال الدين والدولة من كل البقاع والأصقاع لاستعادة روح "حلف الفضول التاريخي"، وإحياء قيمه الإنسانية العظيمة.
حين يلتقي على أرض الإمارات أكثر من 800 شخصية دينية وفكرية ومنظمة دولية ونخبة من العلماء والباحثين والإعلاميين على مستوى العالم، فإن أرضية ثابتة متينة تخلق لحوار مثمر يعمه الاتفاق ويقود إلى الوفاق، حوار جامع تجد فيه النفس أنها أمام خطاب واحد تشعر معه بوحدة المصدر في الشرائع الأخلاقية، فينأى بها هذا الشعور عن التردي في وهدة الخلافات والجدال العقيم.
منتدى حلف الفضول في واقع الأمر خطوة إماراتية تقدمية ضمن مراحل الحوار الإنساني المثمر، الذي يقوم على استحضار وحدة المصدر في النواميس الربانية وحتى الشرائع الوضعية، ويحقق كلمة سواء يلتقي عندها البشر جميعا دون أن يستغرب الواحد منهم شيئا من أخيه، ويكون الكل دخل من بوابة جامعة واستظل بمظلة عميقة لا خلاف من تحتها ولا شقاق، بل الكل في كنفها سواء.
تحتاج البشرية إلى حلف الفضول اليوم، وحتى تتجنب الفخاخ المنصوبة في طريقها عبر نماذج متطرفة شرقا وغربا، ولم تعد هناك دولة أو قارة بمنأى عن وباء العنصرية والتمايز الطبقي والعرقي، وبات المرء يخشى أن يشهد القرن الحادي والعشرين عودة غير محمودة لمواجهات دينية خيل للكثيرين أن التاريخ طواها ضمن أضابيره الغابرة، فإذا بها تطل علينا من خلال تنظيرات اجتماعية تارة وسياسية تارة أخرى، وبينهما تضيع معالم وملامح السلم الأممي، وتبقى مقول المفكر السويسري الكبير "هانز كونج" أنه لا سلام بين الأمم ما لم يوجد سلام بين الأديان، قائمة في الحال والاستقبال من أسف شديد.
آلت الإمارات على نفسها أن تلعب دور صانع السلام حول العالم لتؤكد للعالم شرقا وغربا أن العرب والمسلمين لهم دالة كبيرة على هذا الفعل العجيب، والذي يجنب المسكونة ويلات المرار والدمار، وأنهم يسعون إلى السلام العادل الذي لا ظلم فيها ولا غمط لحقوق المستضعفين من حوله، بل هو العيش الكريم للإنسانية جمعاء.
منتدى تعزيز السلم في أبوظبي ضرب من ضروب المعرفة بالآخر، ومسيرة تساعد على المضي قدما في طريق التنوير، في زمن يتساءل العالم برمته عن عولمة عادلة كما تحدث الأمين العالم للأمم المتحدة السيد "جوتيريش" في افتتاح أعمال قمة العشرين الأخيرة.
السلم الذي تنشده الإمارات للعالم يحتاج إلى إسهامات جادة تقدمها الثقافات والأديان من أجل التصدي للتأثيرات السلبية لظاهرة العولمة، في ثوبها المتوحش الذي سلع الإنسان وامتهن كرامته.
ثقافة الحوار وثقافة السلام متلازمتان تتجليان في حلف الفضول على أرض الإمارات، عسى أن يشع بأنواره على عالمنا الذي يدخل في زمن الساعة الحادية عشرة من عمر الإنسانية المقبلة على صراع جذري مخيف.
أحلى الكلام: طوبى لصانعي السلام.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة